فلسطين و نظرية العقد الاجتماعي
تاريخ النشر : 2013-10-12 11:19

تعتبر نظرية العقد الاجتماعي من النظريات القديمة، التي تقوم على ان الالتزامات الاخلاقية و السياسية للافراد يجب ان يتم تبيانها من خلال عقد او اتفاق فيما بينهم بهدف تشكيل مجتمع منظم يقوم على التعاون بين الافراد الذين يعيشون به.

و ترجع اصول تلك النظرية الى سقراط، الذي يعتبره البعض بأنه اول من استخدم ما يشبه العقد الاجتماعي، تحديداً عندما شرح لكريتو سبب رفضه الهروب من السجن و قبوله عقوبة الاعدام، ليشير الى ضرورة احترام الافراد للقوانين و الواجبات و الاحكام التي تقرها الحكومات مهما كانت تلك القرارات.

ولكن ارتبطت نظرية العقد الاجتماعي الحديثة باسم المفكر الشهير توماس هوبس، الذي يعتبر من اول الذين قدموا شرحاً كاملاً حول مفهوم العقد الاجتماعي و يليه كلاً من جون لوك و جان جاك روسوا الذين اثروا و بشكل كبير في مفهوم تلك النظرية، لتصبح احد اهم النظريات المهيمنة على النظريات السياسية و الاخلاقية في التاريخ الغربي الحديث.

لقد تدرج مفهوم العقد الاجتماعي منذ القدم الى ان وصل الى الشكل المعاصر الذي نعرفه، حيث ان كل مفكر كان متأثراً بالواقع الذي كان يحياه، و كان همه الشاغل هو تصويب تلك الاوضاع التي كانت تمر بها المجتمعات آنذالك. فعلى سبيل المثال، اعتبر هوبس بانه لا يمكن تنظيم المجتمع الا من خلال ابرام عقد بين افراد هذا المجتمع، يتم بموجبه التنازل فيما بينهم عن بعض من حقوقهم و اراداتهم و رغباتهم لجهة محايدة تتمثل بالحكومة (الملك او الحاكم) بهدف ازالة الحالة الفوضوية و تنظيم الحياة في داخل المجتمع من خلال ادراته و توفير متطلبات و حاجيات افراده من قبل الحكومة التي تمتاز من وجه نظر هوبس بالسلطة المطلقة ولا يحق لاحد ان يسائلها.
أما جون لوك، فقد تصور العقد الاجتماعي بطريقة اخرى، انطلاقاً من قناعته بأن الفرد خلق حراً ويعي مصالحه بشكل عقلاني، الا انه و في نفس الوقت توجد قلة لا تلتزم بالاعراف و القوانين السائدة في المجتمع، الامر الذي قد يعرض استقرار المجتمع الى الخطر. من هنا رأى لوك بأن العقد لا بد و ان يتم ابرامه ما بين الشعب من جهة و الحكومة من جهة اخرى، يتم بموجب هذا العقد التنازل من قبل الافراد عن جزء من حقوقهم الى الحكومة، مقابل ان تقوم الحكومة بحماية الافراد و تحديداً ممتلكات الافراد.
على عكس هوبس، لم يؤيد لوك ان تتمتع الحكومة بالسلطة او السيادة المطلقة، و اعتبر ان من حق الافراد الخروج على الحكومة في حال انها تقاعست عن اداء واجباتها اتجاه افراد المجتمع و تحديداً اذا ما فشلت في اداء المهمة الاساسية المتمثلة بحماية الممتلكات، حينها سيكون من حق الافراد إلغاء ذلك العقد بسبب اخلال الطرف الثاني (الحكومة) بما تم الاتفاق عليه.
من جانبه، اقر جان جاك روسوا بضرورة وجود ما يعرف بالعقد الاجتماعي، الا انه اعتبر بأن هذا العقد المبرم بين الحكومة و المحكوميين لا يجب ان يتم بموجبه انتقال السيادة من الافراد الى الحكومة حتى بعد ابرام العقد، حيث رفض روسوا ما بات يعرف بالديمقراطية التمثيلية او النيابية، و كان يرى بأن الحكومة لا تأخذ الشرعية ولا يحق لها اتخاذ اي قرار الا من خلال تحقيق ما يعرف بالارادة العامة، اي من خلال تنظيم استفتاءات شعبية قبل اتخاذ اي قرار.
و من ثم قام كلاً من جون راولز و ديفيد غوتييه بتطوير تلك النظرية ، فالاول شدد على العدالة و قدم ما يعرف "بنظرية العدالة" و الثاني قام بالتشديد على عقلانية الافراد و ضرورة التعاون مابين الحكام و المحكوميين من خلال الاستمرار بإشراك المحكوميين و استطلاع ارائهم.
نلاحظ مما سبق، كيف تطور الفكر السياسي تدريجياً، بفضل المفكرين و السياسيين المتلاحقين، في عملية تنظيم الحياة في داخل الدول، و ادارة الشؤون السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية بشكل افضل، حيث كانت نظرية العقد الاجتماعي من اهم النظريات التي ادت الى ما بات يعرف بالنظم السياسية المعاصرة التي نحياها الان و مهدت الطريق امام المفكرين لابتكار الانظمة الانتخابية التي تتناسب و المجتمعات المختلفة.
يا ترى، ما طبيعة العقد الاجتماعي الذي عقد بيننا و بين من يحكمونا، سواء اكانت الحكومة المقالة او حتى الحكومة الفلسطينية في رام الله.
فنجد ان الحكومة (سواء حكومة غزة المقالة او رام الله) تفعل ما تريد دون الرجوع الى الشعب، الذي تنازل عن جزء من سيادته لصالحها من اجل تنظيم شؤون حياته، لا من اجل التحكم بهم وبمصيرهم.
يأخذون بمفردهم قرار المواجهة و قرار السلم و قرار المفاوضات و قرار تعليقها، بحيث تدار شؤون حياتنا كما تريد الحكومة و حسب اهواء المسئولين، و الشعب يساق خلفهم، تماماً كالمخطوف لا حول له ولا قوة، و الامثلة كثيرة ولا حصر لها.
في المقابل نرى كيف ان حكومة المحتل تعير الانتباه ، و لو حتى شكليلاً، لافراد شعبها من خلال استطلاع اراءهم، و استفتائهم حول العديد من القضايان حتى اثناء اعمالها العسكرية تقوم بإستطلاع اراء جمهورها اذا ما ارادوا وقف العدوان. اما نحن فالشعب غير موجود ولا قيمة له لا بل تتمنن عليه الحكومة دائماً و ابداً.
السؤال هنا أين دور المفكرين و السياسيين ( و ما اكثرهم في وطننا) في محاولة تنظيم الحياة السياسية و الاجتماعية داخل الاراضي الفلسطينية و توجيه الرأي العام.
عادةً ما يكون للمفكرين و الاكاديميين و السياسيين دوراً بارزاً في توعية الرأي العام و نشر الثقافة بين افراد الشعب، لتشكل سلوكه اتجاه اي قضية من القضايا، لا سيما القضايا التي تتعلق بإدارة الحياة السياسية الداخلية. و للاسف نلاحظ بأن مفكرينا و السياسيين و حتى رجال الاعلام لم يكن لهم دور يذكر في تلك العملية، خاصة في الفترات التي سبقت الانتخابات التشريعية الفلسطينية و ما بعد الانقسام الفلسطيني الداخلي.
فهم بارعون بتوصيف المشهد مراراً و تكراراً، وفي مسك العصى من المنتصف ( و تحديداً المحسوبين على اليسار) دون ان يخدموا وطنهم بالشكل المطلوب منهم، كما خدم المفكرين -في اوروبا-بلدانهم في عصر النهضة لا بل و حتى في العصور الوسطى، و كانوا بكلماتهم و افكارهم وقود ألهمت شعوبهم للقيام بعمليات التصحيح و تقويم وتنظيم حياتهم السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية بالشكل الذي نراه اليوم.
و استطاعوا كذلك ان ينشروا الوعي بين افراد شعوبهم عن طبيعة حقوقهم المطلوب توفيرها من الحاكم وواجباتهم المطلوب تأديتها اتجاه الحكومة.
اتمنى ان يتغير هذا الحال و ان يعي مفكرين هذا الوطن بالدور الملقى على عاتقهم، فكل حركات التغيير الاصلاحية و الثورات و تحديداً الثورة الامريكية و كذلك الثورة الفرنسية - عام 1776 و 1789 على التوالي - كان وقودها المفكرين و الفلاسفة.
تساؤل: الى متى ستبقى القيادة الفلسطينية تتبع سياسة تهميش قطاع غزة بكوادره و افراده، فلا نلاحظ اي مشاركة لموظفي القطاع بأي انشطة حكومية في الخارج، و كذلك هنالك تهميش لفئة الشباب بشكل خاص مع العلم بان الشباب هم وقود اي تغيير في أي مجتمع.
ليس هكذا يكون الوفاء للقطاع الذي خرج منه قادة مؤسسين للحركة الوطنية امثال كمال عدوان ، ابويوسف النجار، ممدوح صيدم "ابوصبري" و ابو جهاد و غيرهم من الشهداء. فالشعب في غزة ليس هو من يتحمل نتيجة اخطاءكم التي اوصلتنا الى ما نحن به الآن.( مع العلم ان المسؤلية ليست فقط على السيد الرئيس ابو مازن بل على كافة المسؤلين دون استثناء،فالساكت عن الحق شيطان اخرس....)