انكسار التفوق الإسرائيلي أمام العدالة الفلسطينية
تاريخ النشر : 2014-01-16 11:14

يملك المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي ثلاثة عوامل، تعتبر مصدر قوته في مواجهة المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني، وتفوقه عليه، وهي أولاً قوته الذاتية السياسية والعسكرية والاقتصادية والتكنولوجية والاستخبارية، ثانياً مكانة الطوائف اليهودية ونفوذها في البلدان الرأسمالية وتوظيفها لصالحه، ثالثاً دعم وإسناد الولايات المتحدة له وتغطية جرائمه ورفض إذعانه لقرارات الأمم المتحدة، وحمايته من المساءلة الدولية.

ولكن إضافة إلى قوته المعتمدة على هذه العوامل الثلاثة، فقد كان المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي يملك قوة معنوية وأخلاقية كبيرة وفرت له المشروعية والغطاء، في ارتكابه جرائم التطهير العرقي والاحتلال والتوسع والإمعان في عنصريته بلا رادع.

وقوته المعنوية الأخلاقية اعتمدت على عاملين هما:

1- المذابح التي تعرضت لها الطوائف اليهودية في أوروبا "الهولوكوست" التي تم استثمارها وتوظيفها لإقامة المشروع الإسرائيلي على أرض فلسطين ودعمه والعمل على حمايته.

2- الإرهاب الفلسطيني الذي تمثل بعمليات خطف الطائرات في بداية انطلاقة الثورة الفلسطينية وانتشارها، وبعدها العمليات الاستشهادية التي طالت المدنيين الإسرائيليين خلال الانتفاضة الثانية، وقد سبقها في بعض الأحيان عمليات مماثلة امتدت إلى بعض مواقع الطوائف والأماكن اليهودية في العالم، وكذلك زرع العبوات الناسفة والمتفجرات في الحافلات والمطاعم ودور السينما الإسرائيلية، ما ترك أثراً معنوياً متعاطفاً مع الإسرائيليين ومع اليهود لدى الرأي العام العالمي، أقوى من ذاك الذي يتحسس معاناة الفلسطينيين ويؤيد عدالة قضيتهم.

عوامل القوة لدى المشروع الاستعماري الإسرائيلي ما زالت متماسكة ( قوته الذاتية، ودعم اليهود وإسناد الولايات المتحدة ) ولا زالت حاضرة، ولكن قوته المعنوية والأخلاقية أخذة في الانحسار والتراجع إلى حد التلاشي في بعض الأحيان، وتحولت في العديد من مظاهرها المتفرقة إلى أداة إدانة له في بعض الأحيان.

فقد تلاشت مظاهر استهداف اليهود، ولم يعد شعار العداء للسامية مصدر قوة أخلاقية لهم، بل مصدراً قانونياً، وغطاء للمس بحرية التعبير ضد من يقف ضد إسرائيل، أو من يقف متعاطفاً مع الفلسطينيين، بدأ تذمر الرأي العام العالمي يتسع ويتكاثر ضد الجرائم التي يرتكبها الإسرائيليون ضد الفلسطينيين وضد الشعوب العربية المحيطة بفلسطين في لبنان وسورية، وامتدت عملياتها لتصل إلى الإمارات وتونس والعراق والجزائر والسودان، وهي جرائم تظهر قوة وتفوق إسرائيل ولكنها تحمل أيضاً مظاهر الغطرسة وعدم القانونية وفقدان الشرعية.

الممارسات الإسرائيلية ضد فلسطينيي مناطق 48، في الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل الفلسطيني المختلطة، وقوانينها، وإجراءاتها مظاهر عنصرية فاقعة، وفاضحة، تحتاج للتعميم والمزيد من الإدانة والتعرية.

والممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 في الضفة والقدس والقطاع، مظاهر احتلالية عسكرية أمنية كولونيالية صارخة ضد حقوق الإنسان وقرارات الأمم المتحدة، وضد المجتمع العربي الفلسطيني برمته، وضد وجوده الإنساني، وحقه في الحياة المتكافئة، وضد البشر والشجر والحجر.

أما مظاهر الإرهاب الفلسطيني فقد انكفأت، وكادت تتلاشى باستثناء عمليات قليلة محدودة من إطلاق الصواريخ المتقطعة من قطاع غزة باتجاه المستعمرات الإسرائيلية في منطقة النقب، مفتقدة للتوجيه نحو أهداف عسكرية محددة، وتصل إلى مناطق عشوائية، في غير ذلك، لم يعد ما يثير الرأي العام العالمي وحتى الإسرائيلي من سلوك الفلسطينيين ونضالهم وفعالياتهم، بل على العكس من ذلك، لقد بدأ التعاطف الدولي يزداد حدة وتعاطفاً مع معاناة الشعب الفلسطيني، وتأييداً لمشروعية تطلعاته وعدالة مطالبه، والسياسة الحكيمة المتزنة التي يقودها الرئيس الفلسطيني، وواقعيتها، بدأت تترك أثرها البالغ في الانحياز الصارخ من قبل بلدان العالم في التصويت لصالح فلسطين، سواء في اليونسكو، أو لدى الجمعية العامة للأمم المتحدة، ضد إسرائيل وهزيمة من معها وعلى رأسهم الولايات المتحدة.

التحولات الجارية في العالم ضد إسرائيل، ولصالح فلسطين ليست كافية، ولم يكن هذا بسبب قوة إسرائيل، بل بسبب ضعف الأداء الفلسطيني، وعدم قدرته على التقاط الأولويات، فالجرائم الثلاث الكبرى التي ارتكبتها إسرائيل مازال تأثيرها ضعيفاً أمام العالم وهي:

أولاً: ممارسة إسرائيل لمظاهر ووسائل التطهير العرقي، عبر طرد نصف الشعب العربي الفلسطيني إلى خارج بلاده، ورفض إسرائيل لعودتهم، وحقهم الذي لا يتلاشى في العودة إلى المدن والقرى التي طردوا منها عام 1948 إلى اللد ويافا والرملة وحيفا وعكا وصفد وبئر السبع واستعادة ممتلكاتهم منها وعلى أرضها، وفق قرار الأمم المتحدة 194.

ثانياً: ممارسة التمييز العنصري عبر القوانين العنصرية ضد المواطنين الإسرائيليين من أبناء الشعب العربي الفلسطيني، الذين بقوا في مدنهم وقراهم في مناطق 48.

ثالثاً : مظاهر الاحتلال والعنصرية والاستيطان والفاشية والعقوبات الجماعية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في مناطق القدس والضفة ومحاصرة قطاع غزة وتجويعه.

مظاهر التحول الإيجابي لصالح المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني على حساب المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، ليست كافية، ويجب أن لا تبقى بلا برنامج منهجي إستراتيجي متكامل، واضح ومعلن، وبخطوات تدريجية منسقة، ما بين المكونات الثلاثة للشعب الفلسطيني:

1- أبناء المخيمات في المنافي والشتات وإعلاء صوتهم في المطالبة بحق العودة واستعادة ممتلكاتهم في مناطق 48 وفق القرار 194 .

 2- أبناء الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل الفلسطيني المختلطة وتظهير نضالهم ضد التمييز والعنصرية وتفعيل قوتهم البرلمانية عبر انحيازهم لصناديق الاقتراع .

3- زيادة الفعاليات المدنية الشعبية لفلسطينيي مناطق الاحتلال في الضفة والقدس والقطاع، عبر المطالبة بالانسحاب الإسرائيلي وفق قرار الانسحاب وعدم الضم 242، والمطالبة بالاستقلال وفق قرارات الأمم المتحدة 181 و 1397 و 1515 .

سياسة رسمية فلسطينية، مدعومة بخطوات شعبية في أماكن التجمعات الفلسطينية الثلاثة 48 و 67 والمنفى، مدعومة عربياً وإسلامياً ومسيحياً، ومن الأصدقاء في العالم كفيلة بردع المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي وهزيمته.