لازمة التحدي والصراع الاستيعابي
تاريخ النشر : 2014-01-14 12:32

سجلت حركة فتح مئات الصنائع البيضاء والإنجازات في الفكر السياسي العملاني الواقعي إذ استطاعت إخراج المناضلين من مفاهيم (الجمود) و(التقوقع) و (أحادية التفكير) ومضمون العمق القومي الواسع فارغ المضمون ، ومن ضيق الفكرانيات (الأيدولوجيات) الأقصائية تلك المكتفية بنفسها والمنكفئة على ذاتها إلى رحابة التفكير الحر والتعددية والتنوع والتسامح الذي أسس بحق لفكر (التشاركية) في ممارسة الديمقراطية بعد قيام السلطة الوطنية الفلسطينية في فلسطين والذي جعل من مفاهيم المدنية جزءا أصيلا من دستور فلسطين القادم.

مرت حركة فتح كما هو شأن حركة المجتمع ككل بانتكاسات وأزمات وكبوات لا شك في ذلك، ولكن قدرتها على تجاوز الآلاف منها تلك الصغيرة والكبيرة هي التي جعلت من عمر خمسين عاما على انطلاقتها شباب دائم وربيع متواصل وقدرة فائقة على ضغط الظلام بين نهارين.

(التحدي) سمة لازمة في شخصيته الفتحوي و(الحرية) سمة أخرى، فمن يتحدى يكون حرا ، و أنّى لعبد أن يتحدى سيده؟! لذلك استطاعت حركتنا- وما زالت- أن (تكسر) المستقرّ من المعادلات فكانت الرقم الصعب في معادلة الشرق الأوسط كما قال عنها الخالد فينا ياسر عرفات.

الصراع الاستيعابي أم الاقصائي؟

إن منطق الصراع في حركة فتح لم يكن يوما يسير باتجاه الحائط المسدود ، ولم يكن ليمثل قفزا بين الحبال، وانما كان في محصلته ونتيجته استيعاب وتقارب وإبقاء، لذلك وجدنا وما زلنا نجد اليوم بعد 50 عاما في حركة فتح مشارب ومسارب ومهابط وموانئ متعددة في ظل أن البئر واحدة والسماء واحدة والهدف فلسطين.

(الصراع) قد يكون اقصائيا كما حصل في تنظيمات اليسار التي لطالما انشقت على أسس فكرانية أو سياسية أو خارجية فشكلت فصائل وجبهات متعددة ، و لطالما كان الاقصاء لدى الفكرانيات الدينية على قاعدة التنزيه للشخص أو القيادة أو الرأي فكان لكل من فكّر بحرية أن طُلِب منه الخروج كما حصل مع د.اسماعيل الشطي في الكويت وثروت الخرباوي ومختار نوح من قيادات الاخوان المسلمين.

الصراع باعتباره شكل من أشكال الاضطراب داخل الشيء أوفي الكيان أو في ذات الانسان لا يتحدى (الافتراضات أو المسلمات أو الثوابت الأساسية ) التي يقوم عليها النظام التنظيمي أو المجتمعي أو الذاتي، ومتى ما حصل ذلك فان الانشقاق أوالحرب تكون النتيجة الحتمية له كما أشرنا.

لم يكن الصراع –عدا عن حالات محدودة- في مسيرة حركة فتح صراعا مؤداه الخروج أو الاحتراب حيث تتكتّل المعسكرات والجيوش وتتحارب بعنف ، وعلى العكس من ذلك شكّلت حركتنا قدرة على (إدارة الصراع) سواء ذلك الاقليمي أو الوطني أوالداخلي في سياق ثوابت الاستقلالية والوحدة والتعاون، و أننا موجودين بالضرورة في معادلات التغيير الوطنية والجماهيرية.