في الطريق إلى حكومة وحدة وطنية!
تاريخ النشر : 2016-01-29 23:07

تتداول الأخبار الكثير من الأحاديث حول إقتراب تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية، هذا يأتي بالتزامن مع تصريحات غير مسبوقة للأمين العام للأمم المتحدة للأمم المتحدة بان كي مون خلال مخاطبته لمجلس الأمن أثناء نقاش حول الشرق الأوسط والتي عبر فيها عن قلقله إزاء التوسع الإستيطاني الذي قال عنه بأنه يأتي في سياق مبادرات إستفزازية لا تساعد في عملية السلام ، وبأن ذلك سيجعل حل الدولتين يتلاشى، كما توجه للفلسطينيين بالقول بأنه لكي يحصلوا على دولة خاصة بهم يجب عليهم الوحدة، لذلك صدرت تصريحات من الرئيس الفلسطيني محمود عباس بأن هناك مبادرة من ترعاها دولة قطر لإستعداة الوحدة، وأنه وجه أسئلة واضحة تحتاج إلى أجوبة وهي تتعلق بالموافقة على تشكيل حكومة وحدة وطنية لمدة ثلاثة اشهر وظيفتها التجهيز للإنتخابات العامة التشريعية والرئاسية،  وهذا في حد ذاته توجه مسؤول وإيجابي يقرأ تحديات المرحلة بشكل جيد يجب إلتقاطه قبل فوات الأوان!.      

المثير هنا ، هو خروج أصوات متضاربة تسبق الإجتماع المرتقب في العاصمة القطرية الدوحة الحاضنة للحوار حول تشكيل حكومة الوحدة الوطنية في الأسبوع الأول من فبراير ، حيث يقول الفريق الأول بأن برنامج الحكومة المنتظرة ليس برنامج الرئيس محمود، عباس ويقول الفريق الثاني أن برنامج الحكومة هو التحضير للإنتخابات العامة وعلى الفريق الأول الإلتزام والموافقة على ذلك.                                  

الملفت للنظر، أنه بالرغم من الأجواء الإيجابية التي ترافق هذا التوجه حول تشكيل حكومة وحدة وطنية لا زالت تخرج بعض الأصوات التي تهدف إلى تعكير صفو حالة الأمل التي نجمت عن هذا التوجه الحواري،  وذلك من خلال حالة من التقاذف الإعلامي وحملة تشكيك وتخوين حيث خرج أسامة حمدان بتصريحات هاجم فيها الرئيس عباس واللواء ماجد فرج كما تحدث بالأمس تلفزيون الأقصى بلغة شديدة القسوة حيث إتهم أحد المضيعين في لقاءه مع صلاح البردويل الرئيس محمود عباس بالعميل! ، فهل هذا يشير إلى أن البعض يحاول قتل كل بارقة أمل بالتوافق لأنه يتنافى مع مصالحهم؟!، وما الذي يريدونه هؤلاء؟!.          

الحقيقية الساطعة التي لا يستطيع أحد أن ينكرها هي أن الشعب الفلسطيني مرهق وأصبح لا يحتمل معارك جديدة تجلب حروب جديدة في ظل أن المجتمع الدولي مشغول عن القضية الفلسطينية والقيادة اصبحت ضعيفة وتحتاج إلى عوامل قوة وإلى ضخ دماء شابة جديدة،  وبالتالي التوجه لخيار تشكيل حكومة وحدة وطنية توافقية للتحضير للإنتخابات العامة التي لربما تكون الخيار الأخير ، هي الخيار الأكثر حيوية وواقعية للإفلات من حالة التدهور الوطني الأسيرة للإنقسام القائم والتي لربما تنتج عنها إن إستمرت حالة تقسيم دائم ومدمر تتقسم الضفة إلى كنتونات لا حول لها ولا قوة!، لذلك في تقديري، أن أي رفض لهذا التوجه يعتبر بمثابة تواطؤ مفضوح للإستمرار في حالة الإنقسام وتورط خطير في الدفع إلى حالة التقسيم!، وبالتالي لا يوجد أي خيار أمام اي طرف إلا تقديم تنازلات حيوية من أجل الإلتقاء حول هدف تحقيق هذه الرؤية التي ستعيد للقضية الفلسطينية زخمها وإحترامها من جديد من خلال حكومة تمثل الطيف الفلسطيني بكل توجهاته تحت سقف يحفظ المصالح الفلسطينية ويعمل على تحقيق لم الشمل من جديد وتوحيد شطري الوطن تحت مظلة شاملة وجامعة تحتضن الجميع حتى يكون هناك توجه بصوت واحد إلى العالم الذي لم يعد لديه الإستعداد للإستماع إلى أصوات متشرذمة.                                                              

ايضاً في تقديري أن الطرفين الأساسين أصبحا في حالة مأزومة ولا يملكان خيار الرفاهية في فرض متطلباتهما أمام إشتداد الأمواج وسرعة المتغيرات السياسية والإقليمية ودخول لاعب جديد قوي الساحة الدولية خسرا الطرفين التحالف معه أو الوقوف محايدين في معركته! ، وبالتالي لم يتبقى هناك الكثير من الخيارات التي تنقذ اي طرف منهما على حساب الأخر من مأزقه إلا من خلال العودة للشارع بحكومة وحدة وطنية وظيفتها أن تعمل على تجديد شرعية القيادة من خلال صناديق الإقتراع بإنتخابات ديمقراطية عامة تأتي بقيادة هدفها النهوض بالشعب الفلسطيني من حالة اليأس التي يعيشها إلى حالة الأمل والبناء.           

فقد أخشى ما أخشاه أن يتفوق فريق المخربين في الطرفين من الحيتان الكبيرة أصحاب المصالح المترعرعة على حالة التشرذم والإنقسام ، وبالتالي تعمل على إفشال كل الجهود المنصبة في هذا الإتجاه ، كما أخشى أن لا تكون هناك نوايا صادقة حقيقية،  وبالتالي أن يكون الحديث عن السيناريو القائم لا يعدو سوى حالة تكتيكية لإحتواء غضب الشارع لكسب المزيد من الوقت من خلال إعطاء أمل هدفه الإنتظار لوهم جديد إسمه حكومة وحدة وطنية في ظل مشهد فلسطيني لا زال مأزوماً!.