المفهماتية والمحرجون والفضاحون والحاشرون في الزوايا

تابعنا على:   12:58 2013-10-10

محمود فنون

ما الذي يحصل لو عرف الأمريكان أن اليهود قتلوا طفلا فلسطينيا ؟
يبث علينا أنصاف المثقفين وأنصاف الساسة أشكالا جديدة من النضال ضد إسرائيل هي الأهم والأبعد أثرا وبلغة يفهمها الغرب !.
يقول واحدهم : " أنا كنت في أمريكا ، واكتشفت أن الأمريكان جهلة و لا يعرفون شيئا عن القضية الفلسطينية ، ويسيطر عليهم الإعلام الصهيوني . إسرائيل هي التي تقود أمريكا كما تشاء وهم من جهلهم مثل الغنم !وعندما شرحت لهم كذا وكذا تفاجؤا واستمعوا لي وسألوني أسئلة تدل على جهلهم بالقضية الفلسطينية ... الشغل هناك ، في أمريكا ! يجب أن نفهمهم الحقيقة ..محاضرات نشرات مقابلات على التلفزيونات ... كي يعرف الشعب الأمريكي الحقيقة ويقف إلى جانبنا . حينها تضطر الحكومة إلى تغيير موقفها ..."
في ذلك الوقت الذي دار فيه هذا الحديث لم تكن الفضائيات قد وجدت ، ولكن كانت السي إن إن موجودة وتبث من أمريكا لكل أنحاء العالم .
لقد وضع صاحبنا علينا مهمة مستحيلة وهي إعادة بناء الثقافة الأمريكية والمفاهيم الأمريكية والغربية على عاتقنا . بسيطة! .
يريدنا أن نشتغل مفهماتية : نفهم الرأي العام الغربي بالحقيقة التي يجهلونها كما يدعي أصحاب هذا الرأي .
كنت تسمع مثل هذا التوجيه من مصادر عدة قد لا يعرفون بعضهم البعض في لبنان في سوريا في الأردن في تونس ... وتسمعه من جنسيات مختلفة كما من فلسطينيين .
وتسمع مقولات مثل : قبول الموقف الفلاني هو إحراج لأمريكا ويحشر إسرائيل في الزاوية..!
وعندما تستولي إسرائيل على أراضي جديدة أو تهدم بيتا أو تقتل طفلا ..يسارع هؤلاء من كل حدب وصوب داعين إلى العمل الجاد من أجل فضح إسرائيل التي تقترف مثل هذه الأعمال .
إن هؤلاء هم مدرسة واحدة مهمتها إشغال الناس بمهام بدلا من مهام ..بمهام التفهيم والإقناع والفضح والإحراج والحشر في الزاوية وضربة المعلم ...
أمريكا تعلم أن إسرائيل تستولي على الأراضي وأنها تقيم المستوطنات على أنقاض الوجود الفلسطيني .. ما كان من الممكن أن تقوم إسرائيل بغير هذا .
ومن البديهي كذلك أن الأمريكان يعرفون أن الشعب الفلسطيني سيقاوم ولذلك يزودوا إسرائيل بوسائل التغلب على مقاومة الشعب الفلسطيني من الأسلحة وكذلك بالوعي المزيف الذي تبثه جوقات خدم الصهيونية والسياسة الأمريكية .
وتعلم السياسة الأمريكية والغربية أن إقامة إسرائيل تعني إستعمارا إستيطانيا على أرض فلسطين كما" وعد بلفور وصك الإنتداب " . والقادمون الجدد لا يجلبون معهم أراضي ليبنوا عليها المستوطنات ولا بيوت ليسكنوا فيها .. يعلمون ذلك من قبل أن نعلم ويوافقون ويؤيدون هذه السياسة الإقتلاعية صراحة وجهارا نهارا ، وبالتالي فإنهم لا يحتاجون إلى المفهماتية والمقنعين والفضاحين ... .
ويقوم أعضاء من المركزية الفتحاوية ومن السلطة بزيارات متكررة إلى الكنيست " ليس من أجل التطبيع ! لا والله!" بل من أجل تفهيم أعضاء الكنيست بالحقيقة وإقناعهم "بأننا نريد السلام !" واللعب بين الأحزاب لإثارة هذا الفريق على ذاك " ولكن بذكاء !"
لماذا وافقت القيادة على هذا المقف : القيادة ذكية وهي تعلم أن الإسرائيليين غير جديين ويعتقدونأننا سنرفض . ففاجأتهم القيادة بالقبول وهنا حشرتهم في الزاوية وأحرجت أمريكا وتحرك الموقف الأوروبي لصالحنا وصرح أحدهم أن على إسرائيل أن ترفع الحواجز ودفعوا عشرة آلاف دولار مساعدة لخزينة السلطة ( الحقيقة أنهم قالوا لهم إقبلوا وندعمكم ماليا إذا أثبتم أنكم مع السلام )
إفضحوا إسرائيل فقد قتلت طفلا وأطلقت النار على الكنيسة .
ولكن من يستطيع أن ينجح في فضح إسرائيل ؟ لا بد أن يكون في السياسين مختصين بالفضائح ( فضّاحين ) ويفضحون عرض إسرائيل كلما فعلت شيئا . من من قياداتنا السياسية الرسمية يتخصص في الفضح ؟
إن إستدخال مثل هذه المفاهيم في وعي الساسة أنصاف الساسة وأنصاف الإعلاميين والناطقين ، هو تعبير عن هوان الحالة عموما واستغلال هذه الحالة بوعي من قبل تنوع من الناطقين لتزييف وعينا ووضع مهام وأهداف ثانوية وإشغالية وربما لا قيمة لها في حالنا .
إن الغرب الإستعماري هو الذي أنشأ إسرائيل وواكب ولا زال يواكب تجذرها وتوسعها وحمايتها على كل الصعد ، وهي ما كانت لتنشأ دون هذه الرعاية سسياسيا و عسكريا واقتصاديا .وما كانمت لتنشأ لولا استقدام المستوطنين الغربيين ولولا الإستيلاء على الأراضي وهدم البيوت وقتل الناس صغارا وكبارا وإرهابهم وترحيلهم ،ولولا التواطؤ العثماني قبل رحيل العثمانيين ولولا إرادة الإحتلال البريطاني وتساوق وخيانة الرجعية العربية ...
وعليه فإسرائيل لا تشعر بالفضيحة نتاج تصرفاتها " فذنبها أصلا لفوق مثل الماعز" ولا تشعر بأي خزي كما أنها لا تشعر بالخزي منّا
"الفيتناميين إنتصروا بالدعاية " هذا كذب فقد كانت حربا ضروسا في فيتنام و" وتضامن فرنسيون مع الثورة الجزائرية " ولكن الإستعمار الفرنسي كان في نهايته وفرنسا كما بريطانيا في مرحلة إنهاء الإستعمار ، وتزايد عدد قتلاهم في الجزائر هو الذي أثار الفرنسيين ضد حكومتهم ..
إن فريقا فلسطينيا وعربيا يسوّق نضالات قرع الطناجر لطرد الإستيطان ورفع الدعاوى لمحكمة لاهاي لإزالة الجدار ، كما يروج لسياسة التفهيم وسياسة الإحراج وفضح ممارسة حكومة المستوطنين على أرض فلسطين .
إن مثل هذا الترويج ما هو إلا تساوقا مع وجود الإحتلال الصهيوني لفلسطين ويأتي مكملا لترويج الشعارات الزائفة مثل الدولتين للشعبين والدولة الواحدة الديموقراطية. في محاولة منهم لإشغال الناس بوعي وثقافة ومفاهيم بديلة عن النضال الثوري ، ولذلك نرى أن هذه الأنشطة ممولة من أعداء شعبنا وأن "مناضلي " هذا الإتجاه يتقاضون أجورهم من منظمات الأنجزة التي تمولها الدول الغربية الإستعمارية واتي تنفق على هذه الأنشطة بسخاء .

اخر الأخبار