
عن المسيحيه والحضاره الغربيه واعياد الميلاد
محمد جبر الريفي
من المعروف ان نشاه المسيحيه تؤرخ بميلاد السيد المسيح عليه السلام في الارض المقدسه فلسطين اما اعتناق الغرب للمسيحيه فقد كان في فتره الامبروطوريه الرومانيه حيث جاءت المسيحيه من الشرق وانتشرت في العالم الاوروبي كديانه سائده في مواجهه استبداد السلطه السياسيه في روما وكان ذلك بسبب التغيير السياسي الذي اصاب بنيه العالم القديم وبذلك قامت الحضاره الغربيه اساسا على الاغريقيه والمسيحيه الغربيه والنظره الماديه وهكذا امتزجت الوثنيه بالمسيحيه الغربيه يحكمها معا القانون الروماني كما يقول دريبر في كتابه بين العلم والدين الامر الذي جعل المسيحيه الغربيه تختلف عن المسيحيه التي عرفها الشرق بحكم هذه العلاقه التي نشات عن هذا الامتزاج وعن هذا الترابط مع المكونات الاخرى حيث الاستقرار العاطفي والديني بين جماهير الشرق المسيحيين مما جعل المسيحيه الغربيه لا تستطيع كبح الغرائز الانسانيه وبذلك وقع العالم الغربي اثناء تطوره المادي في تناقضات رهيبه عجزت التحولات الصناعيه الكبرى التي احدثتها الحضاره الغربيه في جميع نواحي الحياه عن امتصاصها بل عملت هذه التناقضات على اغراق الانسان في محيط عالمه المادي حتى وصلت في ظل حركه المجتمع الصناعي والتقدم التكنولوجي الى مزيد من التاثير على عالمه الروحي والعقلي ...
لقد عحزت المسيحيه الغربيه كديانه للعالم الغربي في ان تحقق القيم المثلى للانسانيه فالتمييز العنصري والفضائح الاخلاقيه والروح السلطويه وتفشي الجريمه بكل اشكالها وعدم اتخاذ موقف عادل من القضايا الدوليه كلها من مظاهر المجتمعات المسيحيه واذا كان هناك من مصدر لهذه الظواهر فهو يتمثل اساسا في الحضاره الغربيه البرجوازيه ذات الطابع المسيحي ذاتها التي قامت على ماديات الجنس والغرائز والتعصب والقمع والعنف واثاره الصراعات بين الشعوب واستعمارها لنهب خيراتها لذا يمكن القول ايضا ان الاله الفكريه في الغرب لم تستطع هي الاخرى من روسو الى سارتر في ان تحقق القيم المثلى للانسانيه او حتى تجلب السعاده التي يفتقدها ويبحث عنها الانسان الغربي وذلك على الرغم من التقدم العلمي الهائل ...
في الاحتفال باعياد الميلاد الذي يصادف في كل عام قدومه في مثل هذه الايام حيث بروده الشتاء هذا الفصل واضطراب الطبيعه وهيجانها يجدر الاشاره الى الوجه الاصيل للمسيحيه كديانه سماويه ظهرت في الشرق حافظت على نقائها ولم تختلط بغيرها من المكونات الحضاريه الاخرى فبقت تستمد اصولها من قيم التسامح والتعايش والسلام بعيدا عن التمييز والاضطهاد التي مارسته المسيحيه الغربيه فتعانق الصليب والهلال في الحركات الوطنيه العربيه ضد الاستعمار الغربي كان ذلك بارزا في ثوره 1919في مصر كما اسهمت ابداعات الكتاب والادباء العرب المسيحيين في بلاد الشام دورا رياديا في تجديد الحركه الادبيه والفنيه التي اصابها الجمود والانحطاط الفكري في مرحله الهيمنيه العثمانيه على الوطن العربي حيث اوجد الحكام الاتراك من السلاطين العثمانيين ممن يحملون في معتقداتهم السياسيه نزعه طورانيه عنصريه اوجدوا علاقه متازمه بين الدين والفكر بما فرضوه على الشعوب العربيه من سياسات مثل حركه التتريك التي هاجمت العروبه مهاجمه عنيفه من خلال محاربه اهم مقوماتها المتمثله باللغه العربيه حيث كانت حركه التتريك هذه بمثابه محاوله سياسيه عنصريه لتقويض القوميه العربيه بذريعه شرعيه السلطه الدينيه والسياسيه المتخلفه ...
ان الذي نقوله في مناسبه الاحتفال باعياد الميلاد هوان تاريخ المسيحيه في بلادنا العربيه هو تاريخ حافل بالموده والتسامح كان ذلك في كل عهود الحضاره العربيه الاسلاميه على اختلاف انظمه الحكم السياسيه فيها بينما تاريخ المسيحيه الغربيه وتاريخ الحضاره الغربيه كذلك اىضا تجاه شعوبنا العربيه والاسلاميه وتجاه شعوب العالم الثالث هو تاريخ صراع مضطرب بالحروب والنزاعات ومليئ بمظاهر التعصب والتمييز والاضطهاد والتجهيل الثقافي وتعميق التخلف الحضاري وعلى الغرب المسيحي الذي يحتفل باعياد الميلاد والتي ما زالت الكثير من مؤسساته تقوم بممارسه هذه السياسات ان يراجع مواقفه السياسيه والاخلاقيه تجاه هذه الشعوب ...
اما في منطقتنا العربيه تدق اجراس الكنائس في الاحتفال باعياد الميلاد دقات متكرره حزينه وغاضبه في نفس الوقت من جراء ما يحدث من ضرب اسس التعايش الذي اصاب الاديان والاعراق والطوائف والمذاهب بسبب هجمه التيارات والحركات التكفيريه والظلاميه الوافده والبعيده عن سماحه الاسلام وكذلك من شيوع ظاهره التغريب االحضاري والثقافي التي تعمل على اضعاف الانتماء الوطني والقومي ..
في دقات اجراس كنائس هذه المنطقه العربيه ما يوحي بضروره التاكيد على مواجهه ومقاومه هذه التيارات والحركات المدمره للنسيج الاجتماعي لشعوب هذه الامه والاصرار على بقاء الوحده و التعايش بين ابنائها ...