قطار كيري لوجبة "الحل السريع"!

تابعنا على:   09:40 2013-12-29

كتب حسن عصفور/ بعيدا عن رقم الرحلة القادمة لوزير الخارجية الاميركية لفلسطين التاريخية، حيث يصلها خلال الاسبوع الحالي مواصلا مسيرته التي انطلقت مع فوز اوباما بالرئاسة الثانية، وحينها أطلق البعض الفلسطيني موجات تفاؤل لا محدودة بقدرة الوزير الجديد على فرض "حل سياسي متوازن" للصراع الدائر، بل ان هناك من اصابهم "دوارا خاصا" معتقدين أن الدورة الثانية للرئيس المنتحب ستشهد ولادة "دولة فلسطين"، وتلك الاشادات من بعض عاشقي التذيل بالولايات المتحدة، ليست الأولى لأي حامل لملف "المفاوضات" اميركيا، ومن يرهق نفسه قليلا ويعود بمحرك البحث الالكتروني لزمن جورج ميتشيل بعد تسميته من قبل ذات الرئيس، سيكتشف الباحث أن ما قيل عن ميتشيل قد يطابق حرفا ونصا ما قيل ويقال عن كيري..

رحلة نفاق سياسي لا تحترم العقل الفلسطيني، وبالتأكيد لا تعتقد مطلقا أن أهل فلسطين وصلوا في عالم البحث على الشبكة العنكبوتية واستخدامها ما يفوق كثيرا ظنونهم الخائبة بإدارة امريكية لا تعمل الا ما يخدم مصلجتها وحليفها الأساس دولة الكيان، ولنقفز عن سوء نية فريق التذيل لواشنطن تجاه "الذاكرة الفلسطينية"، ونعيش مع رحلة "الحاج كيري" الجديدة، وفقا لما تنشره وسائل الاعلام العامة، ولم يتم نفيه لا رسميا ولا تسريبيا من قبل "وفد فتح التفاوضي"، بل أن بعضها تم نشره على لسان الرئيس محمود عباس ولم نقرأ رفضا لما تم نشره، لا من قبل الناطق باسم الرئاسة ولا من مفوضيات فتح العامة المختصة بالرد على كل من لا يتفق مع سياسة وفدها الكارثية، فكلها التزمت الصمت ما يمنح المنسوب له مصداقية كاملة..

القضية الأساس التي يبحث عنها جون كيري من خلال فريقه الأمني – السياسي والمقيم في فلسطين التاريخية، هو انجاز اتفاق اطار يؤدي لـ"حل انتقالي جديد"، يتناول القضايا كافة ولكن لا يجيب عليها بشكل نهائي ويمنح وقتا مضافا لاستكمالها، وينطلق "الحل الانتقالي الجديد"، والذي أكده الرئيس عباس خلال لقاءه وفد اسرائيلي، الترتيبات الأمنية في الضفة والأغوار، ويعرض الوفد الأميركي "حلا وسطا" لتجاوز "استعصاء القوات في الأغوار"، فامريكا توصلت الى أن تتولى هي التواجد في المنطقة وليس القوات الاسرائيلية، على أن تكون من 5- 6 سنوات بدلا من موقف اسرائيل الذي يتحدث عن 15 – 20 سنة والطرف الفلسطيني الذي يعرض 3 سنوات فقط..مع قيامها ايضا بمهام مراقبة المعابر والحدود مع الاردن..اقتراح لا يتناول تواجد أمني امريكي ايضا في الضفة وحدودها المرتقبة مع دولة الكيان..

ويبدو أن حل معضلة "الأغوار" هي مفتاح الحل الأميركي الخاص لمسألة الحدود والأمن باعتبارهما القضية المركزية للمفاوضات الدائرة، على أن يتم تحديد خاص لمدينة القدس دون التطرق للبلدة القديمة ومقدساتها والسيادة لها او عليها، مع تأجيل كلي لقضية اللاجئين لاستكمال نقاشها خلال الفترة الانتقالية للحل الجديد، مع السماح لمن يرغب بالعودة الى "دولة بعض الضفة" أو "قطاع غزة" من اللاجئين لينال المواطنة الفلسطينية والاقامة بها..

والجديد الذي برز من خلال بعض الاشارات أن جون كيري تقدم بمقترح لربط قطاع غزة بمدينة الخليل بالضفة الغربية، قطار سريع لا يتوقف في اي مكان داخل اسرائيل، وتنتهي محطته في مدينة الخليل فقط، مقترح يمكن اعتباره قمة "السخرية من الطرف الفلسطيني"، ليس لأنه لا يأخذ بالحسبان الربط الحقيقي بين الضفة والقطاع باعتبارهما كيان سياسي مواحد، نصت اتفاقية أوسلو الأصل على أنهما "وحدة جغرافية واحدة"، بل لأنه يتجاهل أن تلك وسيلة خداع لترضية الفلسطيني بالقول أن لا دولة للضفة فحسب، ولأن المقترحات الأميركية لا يتم عرضها للتسلية، فمقترح القطار هو أول مؤشر سياسي لكيفية تعامل امريكا مع مشروع اوباما لفصل الضفة عن غزة..مقترح القطار لا صلة له مطلقا بمقترح الطريق الرابط بين الضفة والقطاع في اطار "دولة فلسطين"..

خلال المراحل التفاوضية السابقة تم عرض أكثر من فكرة لتجسيد "السيادة" الفلسطينية لجناحي دولة فلسطين، احدها كان من مؤسسة أمريكية اسمها "راند"، تقدمت بمشروع كامل من ضمنه خط سكة حديد يبدأ من رفح لينتهي في جنين، وبنية تحتية كاملة للخط الرابط ليسمح بربط كهربائي ومائي وما يمكن أن يكوم ضروريا للوحدة السيادية بين جناحي الدولة، مشروع تستطيع دوائر فتح التفاوضية العودة له، وهو مشروع لمؤسسة امريكية وليس مشروع فلسطيني كي لا يتهم من تقدم به بالتطرف والتخريب على "المفاوضات والمفاوضين الأبطال"..

مقترح كيري للقطار السريع هو تلخيص عملي لمضمون وجوهر الحل الأميركي للقضية الفلسطينية في المشروع الجديد، وكأن المسألة تقديم وجبة من "الأكل السريع" التي تشتهر بها الولايات المتحدة..

من يعتقد أن رحلة التشويه والكذب والتذيل وحملات اتهامية مسبقة لكل معارضي هذه المهزلة التفاوضية يمكنها أن تنتج حلا مقبولا واهم جدا..وليت من يتشدق بالتمسك بـ"الثوابت" أن ينفي اي قبول لوفد فتح أو رئيسها لأي "حل انتقالي جديد"، ذلك هو الفيصل بين من يتمسك بـ"الثوابت الوطنية" ومن هو مستعد للتنازل عنها..ولا مجال لمناورات من مزيد الكلام الساذج وربما الغبي ايضا..

كيري منطلق بقطاره للوصول بمحطته نحو رصيف "انتقالي جديد"، فهل ينتفض المفاوضون للمتفق عليه وطنيا أم يتجهون للسير في ركاب "قطار الحل السريع"!

ملاحظة: ردة فعل حماس على مطالبتها لـ"فك ارتباطها" بالجماعة الاخوانية الارهابية ليس مزايدة ولا مناقصة..هي دعوة لمصلحة وطنية أولا ولمستقبل حماس ووجودها ثانيا..فلا تنغر بما لها من قوة أو عسكر..

تنويه خاص: غريب امر هؤلاء الفلكيون يتحدثون عن كل الدنيا ويقولون ما يحبون قوله، لكنهم يتجاهلون فلسطين وكأن مصائبها فوق قدرة الفلك..!

اخر الأخبار