إسرائيل و خطاب الكراهية

تابعنا على:   16:54 2015-10-29

حسن سليم

لم أكن يوما من المؤمنين بعفوية الإجراءات الإسرائيلية، أو باعتبارها رد فعل طبيعي على ما يحدث ، ولا مؤمنا بارتجالية خطابها، الذي اعتبره البعض أحيانا غبيا غير مدروس.

في دولة الاحتلال لا مجال للصدفة، ولا مجال لحلم زائر لقادة كيانه في الليل، فيطبقونه في الصباح، فكل بقدره وفي وقته، ليصبح لاحقا أمرا واقعا .

قد يعتبر البعض ما سبق تمجيدا، ليكن، إذا كان ذلك مفيدا بما يستنهضنا، ويغير من سلوكنا تجاه هذا الدولة المحتلة، حتى نفهم سياستها، ونكون أكثر جدية ومهنية في مواجهتها، لكنها الحقيقة التي نضع رؤوسنا في الرمل حتى لا نراها.

دولة بنت روايتها بشكل محبوك، رغم أنها باطلة، لكن لكثرة إعادة تكرارها، حفظها مواطنوها عن ظهر قلب، حتى أصبحت بنظرهم هي الحقيقة ، والحقيقي أصبح في مربع الدفاع عن النفس، ليثبت انه غير مزور .

دولة أقامت حضارة لا تمت لها بصلة، وأسمتها باسمها، ودمغتها بثقافتها وبلغتها، وجابت بها العالم تحدثه عنها، وجعلت منها في الوطن الذي سلبته مزارا، لا تنقطع الوفود عنه، بل لا تكون الزيارات مكتملة بدونها.

تفاجئنا جميعا عندما سمعنا نتنياهو يتلو خطاب الاتهام للحاج أمين الحسيني بتحريضه لهتلر على حرق اليهود، لم يكن وليد ساعة الخطاب، أو من قبيل الاستهلاك المرحلي، أو ردة فعل على هبة الفلسطينيين في وجه إسرائيل ، فأراد قادة كيانها أن يشوهوا صورتهم، بل هو إعلان المراد منه تتويج لتعبئة طويلة مفادها أن الفلسطينيين هم " بقايا النازية " يجب تخليص العالم منهم.

ولنتذكر ونتمعن فيما قال نتنياهو في خطابه الأخير مطلع تشرين ثاني الجاري في الأمم المتحدة مخاطبا العالم، بان إسرائيل تدافع عنهم ، لقد كان يقصد مواجهته للفلسطينيين، نيابة عن العالم . ولنقرأ مرة اخرى ما ورد في مقالة مئير عوزيئيل في صحيفة معاريف في عددها الصادر في السادس والعشرين من أكتوبر الجاري، بعنوان كل شيء عن الحسيني، وذكره عشرة أسئلة تحيره عن الحسيني وتاريخه، وعن الدافع لإبقاء اليهود في جهل من أمرهم ، مما يؤكد وجود تعبئة ممنهجة لتصفية الوجود الفلسطيني بالاعتماد على اعتقاد يروجونه بان الفلسطينيين هم " بقايا النازية "، وان المطلوب هو ما تقوم به إسرائيل من اجل تخليص البشرية من " بقايا الشر"، نيابة عن العالم .

اذا الأمر لم يعد ينحصر باتهام ورد على لسان رئيس حكومة الاحتلال للحاج الحسيني بأنه حرض هتلر على حرق اليهود، بل لتسويق رواية اكبر واخطر وبشكلل ممنهج ومنظم ، بأن من الفلسطينيين من كانوا ضباطا في جيش هتلر، وان الحسيني عاش في برلين النازية وعمل من داخل الجهاز النازي برتبة جنرال نحو أربع سنوات، حتى احتلال برلين، وان له خطابات إذاعية موثقة في برلين، كما يدعي الكاتب في صحيفة معاريف، الذي تناول هذا الموضوع في مقالات سابقة له، وعبر عن لومه لعدم تصديق ما كان يكتب، وهذا يستدعي حسب راي الكاتب التعجيل في الخلاص من الفلسطينيين وعدم السكوت على الثأر منهم، وحتى يتحقق ذلك لا بد من استمرار التعبئة للأطفال اليهود ولشبابها، تجسيدا لخطاب الكراهية الذي تتبناه إسرائيل .

لكن الغريب أننا كنا غارقين في العسل، صدقنا أن ما شيدناه من أبنية قائمة على ارض صلبة، تبين لاحقا أنها هشة بسبب ثقة في غير مكانها، بل وأقنعنا أنفسنا ونحن نربي أطفالنا بأن في الطرف الآخر يقيم جيران، وان مرحلة العداء قد أصبحت خلف ظهورنا، وان السلام هو عنوان العلاقة القادمة بيننا، ولهذا غيرنا في مناهجنا التعليمية، لنزرع ثقافة السلام وطي صفحة الدم ، حتى تنازلنا عن كثير من مكونات وعينا، هي بالأصل تاريخ لنا وعنوان لوجودنا، وأُصبنا ب" فوبيا التحريض " تجاه كل ما يرد على ألسنتنا حتى لا نجرح مشاعرهم . لكن واضح أن العرق دساس، فيما يخص " الجيران "، وان شيئا لم يتغير عليهم منذ عهد بني قريظه، ونقضهم للعهود مع الرسل الكريم .

بالمناسبة، ونحن لا زلنا غارقين في العسل، ومعتمدين على حسن الظن بكثير من الدول ، ومنها المانيا بانها دولة صديقة، ومصدقين لودهم، وبحرارة العناق معهم، وبدموع الشفقة التي ذرفتها ميركل على المقهورين والمشردين، هل سألنا أنفسنا عن مبررات مشاركة مائة جندي ألماني وصلوا إلى إسرائيل، قبل ثلاثة أسابيع، للمشاركة في تدريبات مشتركة على القتال، بضمنها احتلال مدينة تبدو كمدينة فلسطينية مع جنود إسرائيليين، جرت في قاعدة للجيش الإسرائيلية تدعى تسيئيليم ؟

اخر الأخبار