مواجهة مذهب اللاحل الإسرائيلي!

تابعنا على:   09:58 2015-10-29

د.أحمد جميل عزم

في عددها المقبل، تنشر مجلة "فورين أفيرز" الأميركية مقالا لكاتبه ناتان ساتشس، من معهد بروكنغز، بعنوان "لماذا تنتظر إسرائيل: مناهضة الحلول كاستراتيجية" (Anti-Solutionism as a Strategy)". ويقترح المقال كيف يجب أن يتصرف الأميركيون. والواقع أن جزءا كبيرا مما سيحدد مدى نجاح هذه الاستراتيجية، هو كيف سيتصرف الفلسطينيون والعرب. 
يذكر المقال أن السياسة الإسرائيلية قد تبدو غريبة، لكنها في الواقع مؤسسة على منطق واعٍ. فقد بدا غريبا تجييش رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، العالم لسنوات ضد المشروع النووي الإيراني، ثم عارض اتفاقا يعالج المشروع، وكذلك يرفض الحل مع الفلسطينيين من دون تقديم ما يحل معضلات إسرائيل الديموغرافية والسياسية والأمنية.
بحسب المقال المؤسس على قراءة دقيقة للسياسات الإسرائيلية، لصاحبه الذي يستعد لإصدار كتاب بعنوان "هل لدى إسرائيل خطة؟"، فإنّ قصة رواها نفتالي بينيت، الوزير ورئيس حزب البيت اليهودي، الإسرائيلي، للمستوطنين، العام 2013، تلخص الفلسفة الإسرائيلية. فهو روى قصة صديق له أصيب في الحرب بشظية في ظهره، وأصبح أمام خيارين؛ عملية جراحية قد تؤدي إلى شلله، أو الاستمرار بالحياة، بحيث يستطيع المشي ولكن بألم. وقد فضل الخيار الثاني. وأعتقد أن وضع الإسرائيليين مع الفلسطينيين هكذا؛ فك الارتباط معهم (بإعطائهم دولة)، برأيه، يسبب الشلل.
صاحب المذهب الحقيقي، أو الذي عبر عنه بوضوح، هو وزير الدفاع موشيه يعالون، في كتابه "طريق أطول أقصر"، الصادر في العام 2008. إذ قال إنّ الضغط على الإسرائيليين بأنّ حلاً يجب أن يحدث الآن، هو مدمر، لأنه سيغري أعداء إسرائيل بإمكانية إجبارها على تقديم تنازلات، واستخدم مصطلحي "الحلاّنيّة" (Solutionism)، و"الآنيّة" (Nowism)، لتصوير الوضع والتعبير عن ضيقه بخطاب الحل السياسي، الذي يطلب حلا سياسيا والآن. وقال إنّه فقط عندما يقبل الطرف الآخر "بصدق" بالمبدأ الصهيوني (حق اليهود في دولتهم)، يمكن التفاوض على تسوية.
يبدو الأميركيون، عمليا، كمن يستوعب هذا الواقع، ويتعايش معه، وإن لم يقل الكاتب ذلك. فالأميركيون توقفوا عن الضغط لحل سياسي، وكل ما يطلبونه هو الصمت والهدوء من الفلسطينيين، والدخول في عملية تفاوض من الواضح أنها غير جدية. ويقترح الكاتب على الإدارة الأميركية الضغط لحلول انتقالية طويلة الأمد، مثل زيادة مساحة المناطق الخاضعة للسلطة الفلسطينية، تدريجيا.
الواقع أن الأميركيين تقبلوا مذهب اللاحل الإسرائيلي وتعايشوا معه، لأسباب منها أن إدارة الرئيس باراك أوباما تركز على ملفات أخرى لديها فرص أكبر فيها، مثل إيران؛ ولأنّ تبعات إغضاب اللوبي الإسرائيلي كبيرة؛ ولأنه لا يوجد ضغط عربي أو فلسطيني فاعل، ولا تتأثر مصالح الولايات المتحدة بشكل واضح ومباشر من تعثر الحل الفلسطيني-الإسرائيلي.
يكرس هذا الوضع استمرار الحال القائمة، بكل الخسائر والنزف والمعاناة فلسطينيا، بما قد يؤدي، بتفكير بعض الدوائر الإسرائيلية والأميركية، إلى موت بطيء لفلسطين وشعبها وقضيتها.
المرحلة الراهنة، في الواقع، أشبه بسنوات الستينيات المبكرة، عندما قرر الفلسطينيون تحدي المنطق والعقل والعالم، وأن يفرضوا قضيتهم، فأسسوا منظمتهم، وفصائلهم، وحركاتهم الاجتماعية والوطنية، وفرضوا دبلوماسية جديدة، وأدبا وفكرا جديدين.
على الفلسطينيين بدء التفكير بالتثوير في التفكير والمؤسسات والمنظمات، بعيدا عن الأسئلة قصيرة المدى المباشرة، من تفاوض أو عدمه، وسلطة أو حلها، وكيف تكون الانتفاضة. كما عليهم التفكير بشكل أكثر فاعلية في كيفية إعادة فرض قضيتهم في الدوائر العربية والدولية، فضلا عن إدارة مختلفة للمواجهة اليومية المفروضة عليهم من الإسرائيليين.
هذا يعيد الأمر برمته إلى المربع الأول: إعادة بناء مؤسسات العمل الفلسطيني، وعدم انتظار حتى المصالحة الفلسطينية؛ وإعادة بناء لجان التضامن ونشاطات التفاعل العربية مع الشأن الفلسطيني، لتعود القضية جزءا أساسيا من السياسات العربية ومن القضايا الدولية، ويتم استنهاض وتعبئة الطاقات الفلسطينية.
سيتخلى الأميركيون عن سياسة الانتظار، ويشعر المصاب الإسرائيلي أنه لا يمكن أن يستمر بهذه الشظية في ظهره، عندما تؤلمه أكثر، إذا ما بدأت نتائج الانتظار السلبية تبرز.

عن الغد الاردنية

اخر الأخبار