سيناريوهات ما بعد خطاب الرئيس عباس في الأمم المتحدة

تابعنا على:   01:07 2015-10-04

منصور أبوكريم

بعد ان وضع الرئيس الفلسطيني محمود عباس حداً للالتزام الفلسطيني بالاتفاقيات الموقعة مع الجانب الاسرائيلي، وأعلن خلال كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في تاريخ 30/9/2015م، أن الفلسطينيين لا يمكنهم الاستمرار بالاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل ما دامت مصرة على عدم الالتزام بها وترفض وقف الاستيطان والإفراج عن الأسرى". ودعا عباس إسرائيل إلى أن "تتحمل مسؤولياتها كافة كسلطة احتلال لأنّ الوضع القائم لا يمكن استمراره".

وبغض النظر عن كل تلك العوامل والأسباب التي دفعت الرئيس الفلسطيني لاتخاذ هذا القرار والذي يأتي منسجماً مع قرارات المجلس المركزي الفلسطيني في دورته الأخيرة، فأن هذا القرار يعتبر من الناحية السياسية نهاية فعلية لمرحلة أوسلو، وبداية لمرحلة جديدة من عمر النضال الوطني الفلسطيني، الأمر الذي سوف يترك تداعيات وانعكاسات علي النظام السياسي الفلسطيني بشكل عام، وعلى مستقبل السلطة الوطنية الفلسطينية بشكل خاص، مما يفتح الباب أمام مجموعة من السيناريوهات المستقبلية:

سيناريو الصدام

يستند هذا السيناريو علي فرضية أن تقوم منظمة التحرير الفلسطينية ممثلة في شخص الرئيس الفلسطيني ،باتخاذ اجراءات أكثر تصعيداً في العلاقة مع اسرائيل، خصوصاً في ظل تصاعد الاجراءات الاسرائيلية في القدس ومحاولتها فرض تقسيم زماني ومكاني للمسجد الاقصى المبارك والتي تساهم في توتير الأجواء الدينية والسياسية، وذلك من خلال اعلان الرئيس ابو مازن حل السلطة الوطنية الفلسطينية، ودمج مؤسساتها الإدارية والأمنية في مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية ،والغاء ومجلس الوزراء وتحويل كافة صلاحياتها للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وفي هذا السياق كشفت مصادر فلسطينية مطلعة أن الرئيس محمود عباس ينوي اجراء تغييرات اساسية في قادة الاجهزة الامنية فور عودته الى رام الله ايذنا بدخول مرحلة جديدة من العلاقات مع اسرائيل. وقالت المصادر ان المرحلة الجديدة التي اعلن عنها الرئيس عباس تحتاج الى لاعبين جدد بسبب تغير العقيدة الامنية الفلسطينية من الان فصاعدا موضحة ان تل ابيب تشعر بقلق شديد حيال التغييرات القادمة وبالذات في موضوع الوقف الكامل او التدريجي للتنسيق الامني .الأمر الذي يعني عودة المنظمة لتولي مسؤولياتها عن الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج. وسوف يترافق مع هذا السيناريو عودة سريعة لمظاهر الانتفاضة المسلحة وبروز لدور الأجنحة المسلحة في الفصائل الفلسطينية، مما يعني عودة المواجهة مع الجيش الاسرائيلي في كل من قطاع غزة والضفة الغربية ، فهل يفعلها الفلسطينيون من جديد ويقموا بقلب الطاولة؟؟؟.

سيناريو الانتظار

يقوم هذا السيناريو علي فرضية انتظار القيادة الفلسطينية لبعض الوقت قبل أتخاذ أي اجراء جديد، بهدف اعطاء الجهود الدولية والعربية فرصة أخيرة للتحرك والخروج من أزمة تجميد عملية السلام وانسداد الأفق السياسي، خصوصاً في ظل التحرك الأمريكي والفرنسي الأخير في الأمم المتحدة، والحديث عن طرح فرنسا مبادرة سياسية ترتكز علي إصدار قرار من مجلس الأمن الدولي يحدد سقف زمني لإنهاء المفاوضات وقيام دولة فلسطينية بحلول عام 2017. وفي هذا السياق تأتي تصريحات وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي التي تحدثت عقب اجتماع اللجنة الرباعية . وأكدت خلالها موغيريني عقب اجتماع للرباعية الدولية لعملية السلام مضيفة ان الرباعية قررت "اعادة احياء انشطتها". وشددت على الضرورة الملحة للتصرف عقب التوترات الاخيرة في القدس الشرقية المحتلة ومحيط المسجد الاقصى، محذرة من امكانية تصعيد واسع في القدس المحتلة. ودعت موغيريني إسرائيل إلى تنفيذ الاتفاقيات مع الفلسطينيين، كما طالبت هؤلاء بالعودة إلى «المفاوضات المباشرة .

ويفترض هذا السيناريو أن التلويح والتهديد الفلسطيني في الأمم المتحدة قد حقق المطلوب منه، من خلال اعادة الاهتمام الدولي والعربي بالقضية الفلسطينية ،وأن اصرار الرئيس الفلسطيني علي عدم استمرار الاوضاع علي ما هو عليه قد حقق انجاز سياسي بعودة القضية الفلسطينية علي طاولة الاهتمام الدولي، لذلك قد تسعي القيادة الفلسطينية إلي اعطاء الجهود الدولية بشكل عام والفرنسية بشكل خاص فرصة أخيرة قبل كتابة شهادة وفاة لاتفاق أوسلو!!!.

سيناريو استمرار الحالة القائمة

يقوم هذا السيناريو علي فرضية بقاء الاوضاع علي ما هي عليه قبل خطاب الرئيس محمود عباس في الأمم المتحدة، مع تقليص التعاون الأمني والسياسي بين السلطة الوطنية الفلسطينية ودولة الاحتلال الاسرائيلي إلي حده الأدنى، خصوصاً في ظل الانشغال الدولي والإقليمي بالأزمة السورية والتدخل الروسي علي المستوي السياسي والعسكري الأمر الذي ادي الي خلط الاوراق من جديد بين كافة أطراف الازمة وساعد علي عدم سقوط نظام الرئيس بشار الأسد الذي كان علي شفى الانهيار.

ويفترض هذا السيناريو أن وجود السلطة الوطنية الفلسطينية هي حاجة داخلية واقليمية ودولية ولا يمكن التفريض فيها بسهولة، كون أن السلطة الفلسطينية لم تأتي من فراغ، وإنما جاءت عبر نضال وطني طويل وبالتالي ليس من السهولة التفريط فيها، خصوصاً أن البديل جاهز لتعبئه الفراغ السياسي والتنظيمي، وأن استمرار الأوضاع علي ما هي عليه افضل من تكرار تجربة غزة في الضفة الغربية، وبالتالي قد تستمر هذه الحالة من اللا حرب واللا سلام لفترة قادمة إلي ما بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية ومعرفة من هو سيد البيت الأبيض الجديد.

خاتمة

حاولت هذه الدراسة وضع تقدير موقف موضوعي وسريع لمجريات الأمور بعد خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس "أبو مازن" أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة والذي يعتبر علامة فارقة في تاريخ الشعب الفلسطيني فهو نهاية لمرحلة وبداية لمرحلة جديدة، بالإضافة إلي ذلك فأن هذا الخطاب رغم تباين المواقف الفلسطينية منه، قد ترك تداعيات وانعكاسات كبيرة وخطيرة علي الساحة المحلية الفلسطينية والاسرائيلية علي الساحة الدولية والإقليمية , مما فتح الباب أمام مجموعة من السيناريوهات المستقبلية والتي تعطي تصوراً علمياً لمستقبل الوضع في الاراضي الفلسطينية خلال الفترة المقبلة، مبنية علي مجموعة من المعطيات والمؤشرات الموضوعية بهدف وضع جميع الخيارات والبدائل أمام صناع القرار والنخب السياسية.

ويرجح الباحث سيناريو انتظار القيادة لبعض الوقت " على الرغم من أن كل السيناريوهات والخيارات تبقي قائمة ومطروحة بناء علي الموقف الاسرائيلي والدولي " قبل اتخاذ أي اجراء كأفضل خيار أمام القيادة الفلسطينية في هذا الوقت، وذلك نظراً لتشابك الامور وصعوبة الموقف وكثرة التحديات التي تواجه الشعب والقيادة الفلسطينية، خصوصاً في ظل الهجمة الاسرائيلية بعد عملية نابلس والتي قتل فيها اثنين من المستوطنين، وفي ظل تعقد الموقف الدولي الإقليمي بعد التدخل الروسي في الأزمة السورية.

وفي النهاية يمكن القول أن هذا الخطاب قد مهد لمرحلة جديدة من عمر النضال الوطني الفلسطيني، مرحلة تختلف تماماً عن مرحلة أوسلو، فهذه المرحلة التي تأتي علي أنقاض مرحلة أوسلو أصبحت تتطلب استراتيجية جديدة، وخطة عمل وطنية تهدف الي الاتفاق علي برنامج عمل وطني يعزز الشراكة السياسية ويوحد الصف الوطني وينهي الانقسام، ويساعد المواطن الفلسطيني في القدس والضفة وغزة علي الصمود والتحدي، فالكل الفلسطيني مدعوا اليوم أن يقدم المصلحة الوطنية على المصالح الحزبية الضيقة، بهدف التصدي بشكل موحد للتغول الاسرائيلي على الحقوق الوطنية والدنية بما يحفظ الأرض والمقدسات قبل فوات الأوان.

المراجع والهوامش

1.تقرير اخباري: تلويح عباس بعدم الالتزام بالاتفاقيات مع إسرائيل يثير تساؤلات حول الاحتمالات، جريدة اخبار الخليج ، تاريخ النشر :٢ أكتوبر ٢٠١٥http://www.akhbar-alkhaleej.com/13706/article/45571.html

2.تقرير اخباري، تغييرات في قادة اجهزة امن السلطة ودمج مؤسسات حكومية في المنظمة ، ، وكالة سما للأخبار، 01 /10, 2015, http://samanews.com/ar/index.php?act=post&id=248950

3.تقرير اخباري: الموقف الدولي من خطاب عباس بالأمم المتحدة ، موقع جريدة القدس ، 2015-10-02 http://www.alquds.com/#!/articles/1443771711626096600/

اخر الأخبار