حديث في أزمة اليسار الفلسطيني

تابعنا على:   20:40 2013-12-20

وسام الفقعاوي

لقد دار الحديث مبكراً في الساحة الفلسطينية عن أزمة اليسار الفلسطيني، والمفيد في هذا الحديث أنه جاء من داخل أحزاب اليسار ذاتها، والاعتراف هذا دلالة جرأة وحيوية وصحة وثقة بالنفس في آن..!!. وذهب بعضها إلى أنه استطاع الوقوف على أسباب الأزمة وتشخيصها، من خلال القيام بمراجعة فكرية وتنظيمية وسياسية شاملة؛ بل والوقوف على برنامج عملي للخروج من الأزمة.

بعد ربع قرن من طرح سؤال الأزمة، يجب أن نقف أمام كشف الحساب/النتائج، من خلال طرح السؤال التالي: هل خرج اليسار فعلاً من أزمته؟! فإذا كانت إجابة واقع الحال تقول لا... كبيرة، يكون سؤالنا هو: لماذا لم يخرج اليسار من أزمته رغم وقوفه على أسبابها وتشخيصه لها، وامتلاكه مراجعة شاملة ورؤية واضحة؟!.

ما ليس سراً أن كل ما انجز من وثائق بقي حبراً على ورق، والدليل على ذلك هو الواقع المعاش والمُمَارس، المتعاكس كلياً مع مقتضيات تلك الوثائق، والشاهد الحي على ما نقول، أن الأزمة تمادت وتفشت، وصولاً للحديث عن أزمة بنيوية قد تودي بكامل التجربة. ما تقدم يدلل أن المُنجز النظري في قراءة سؤال الأزمة قد أُجهض كلياً. فليست البداية مع التنظير بل مع ممارسة التنظير، وإلا ستبقى الأزمة تفتك بجسد اليسار إلى أن تقبض على روحه، وهذا هو الانتحار بعينه.

فمن المعروف أن من يُبَكّر في طرح الأسئلة، يتقدم على صعيد الأجوبة. ويُسجَل لليسار تَبكيره في طرح سؤال الأزمة، وتقدمه على صعيد الجواب النظري عليه. لكن السؤال الذي يُطرح: لماذا بَكر اليسار في طرح سؤال الأزمة، وتقدم على صعيد الجواب نظرياً، لكنه تأخر كثيراً على صعيد الحل عملياً، والذي لم يحصل حتى اللحظة؟!. وطالما جرى بالفعل تقديم الجواب النظري: لماذا ما اُنجز من وثائق بقي حبراً على ورق؟!.

هنا يجب البحث جدياً في العامل الذاتي (الحزب) ودوره في تفشي الأزمة وتماديها، وصولاً للحديث عن أزمة بنيوية قد تودي بكامل التجربة (تاريخاً وحاضراً ومستقبلاً). قد يقول قائل أن للعوامل الموضوعية دورها الأكبر في الأزمة سبباً واستمراراً وتمادياً وتفشياً، وهذا فيه من الصواب ما يكفي، ولكنه ليس كل الصواب. ويبقى الأهم: هل كان يمكن للعامل الموضوعي أن يؤثر سلبياً لهذا الحد، لولاً أن العامل الذاتي كان مُهيئاً ولا يمتلك ميكانزمات الدفاع اللازمة؟!.

ما جرى هو عدم الاستجابة لسؤال الأزمة والجواب المُقدم عليه بشكل واعٍ، وبكلمة أدق، جرى إجهاض كل محاولات المراجعة والاصلاح الداخلي والعودة للنمو واستمرار الارتقاء. والحصيلة مفاقمة الأزمة وزيادة حال الضعف والاستنزاف والتآكل الداخلي. هذا الوضع يُحَول الأجسام الاجتماعية عادة من فاعل إلى مفعول به، ومن مُؤثر إلى مُتأثر... الشيء ونقيضه في نفس الوقت. فطالما دخلنا أزمة عمرها الآن ربع قرن، ولم نعرف كيف نخرج منها. دائماً في هكذا حال: لنبحث عن المشكلة في الرأس.

لكن في ظل واقع اليسار وأزمته المُشخصة، هل يمكن القول: أن الوقت قد فات على اليسار وحان وقت إسدال الستار على مَشهده؟! أم لا يزال أمامه فرصة الخروج من أزمته وتجديد ذاته؟! وهل البديل اليساري الثوري في وضعنا الفلسطيني ترف أم ضرورة؟!.

بقناعة كاملة، وانطلاقاً من قول: "لا تُضيّع أزمة جديدة أبداً"، بمعنى الاستفادة من الأزمة القائمة في إعادة تعريف وتجديد الذات والمفاهيم وأساليب العمل والارتقاء بمستوى الممارسة سعياً وراء التغيير الايجابي وتركيم عوامل الخروج من الأزمة. فالأزمة أحياناً قد تعني "فرصة جديدة"، وهذا رهن من يتحلون بالروح الايجابية والمبادرة والقدرة على المواجهة والتجديد والمواكبة، الذين سيعتبرون الأزمة فرصة للتغيير، كي لا تستوطن الأزمة، وتزيد من تردي الأوضاع وصولاً لكتابة النهاية المكُلفة والمُحزنة.

من تجرأ على طرح سؤال الأزمة ومن داخله، ووضع يده على تشخيص لها، ووضع أيضاً أسس المعالجة، لكنه أضاع فرصة التنفيذ، لا يزال أمامه متسعاً ليس هيناً للخروج من أزمته، خاصة وأن أحزاب اليسار الثوري تختزن في مَعينها الذي لا ينضب، عبق تجربة كبيرة مستمرة في الزمان والمكان، وإرثاً نضالياً تاريخياً وراهناً قل نظيره، وأعضاء وكادرات مُناضلة ومُجربة، وقدرة على الـتأمل والتفكير والتقييم والنقد ومواجهة الذات، وفتح الباب للانطلاق نحو المستقبل. ويبقى الدور الأكبر في ذلك مرهوناً لدور وأداء وممارسة الهيئات القيادية الأولى في أحزاب اليسار (التي تتحمل مسؤولية وعبء ولوج الأزمة واستمرارها وتكريسها وتفشيها)، حيث لم يعد مجالاً لبقاء احتكارها وشيخوختها وبقرطتها وتكلسها وجمودها "هيئات وأفراد"، فلا مفر من التجديد والجديد في آن. فعجلة التاريخ لن تتوقف، لكن إعادة انتاج التاريخ والأكل من رصيده، مُعرض للنفاذ ذهنياً وعملياً.

وعليه، ولكي يبقى اليسار الثوري في التاريخ ومعه، انطلاقاً من كونه ضرورة ملحة لا ترف اختيار، في ظل المأزق الكبير الذي أوصلنا إليه اليمين الفلسطيني بشقيه (الوطني والإسلامي) وطنياً ومجتمعياً، لا مجال أمامنا سوى أن نكون بديلاً ثورياً وعياً ووظيفةً ودوراً وأداءً وممارسةً.

اخر الأخبار