شبح امرأة

تابعنا على:   15:17 2013-10-09

عطا الله شاهين

اذكر أنني كنت نائما حينما ايقظتني متسولة تدق باب منزلي بقوة، فهرعت نحو الباب غاضبا لأرى امرأة شابة بلباسها الردئ والممزق، تقول: أرجوك ساعدني. وقفت انظر إلى عينيها الحزينتين، ودعوتها لتستريح إذ بدا عليها علامات التعب والإرهاق. في البداية ترددت، ولكن مع إصراري دخلت وأجلستها قرب مدفأة حطبٍ يداعب اللهب بقايا جدرانها المحترقة.

كانت ترتجف من شدة البرد، فأحضرت لها بعضا من الملابس، وقلت لها:اذهبي وخذي حماما وارتدي ما يناسبك من تلك الملابس.

بعد فترة خرجت وبدت جميلة للغاية بشعرها الأسود الطويل المنسدل على ظهرها بانسياب جنوني فقلت لها: أليس من العيب امرأة مثلك تعمل متسولة فأنت جذابة بجنون . فقالت:لقد انفصلت عن زوجي ولا يوجد لي احد في هذه الدنيا فاخترت التسول كي أتمكن من العيش.

فحزنت عليها ولم اسألها عن سبب انفصالها، وجلست على الأريكة وفي عينيها شيئ تود أن تبوح به ، فسكتت للحظات ثم سألتني هل تحتاج الى خادمة؟ يبدو أنك تعيش لوحدك.

فقلت لها: نعم اعيش لوحدي منذ طفولتي وقد تعودت على ذلك، ولكن إذا أنت بحاجة إلى عمل فأنا لا أمانع أن تعملي عندي، فاقتربت نحوي تشكرني وذهبت إلى المطبخ لغلي القهوة، وبدا عليها علامات السرور.

فشربنا القهوة معا، وتبادلنا الحديث، وتركتها وخرجت إلى عملي، وعدت عند المساء لأرى البيت بدا نظيفا فاستقبلتني بابتسامة عريضة، وقالت: هل يوجد فرق؟ وكانت تقصد أن البيت ينقصه امرأة.

فقلت لها: بالتأكيد.

في اليوم التالي صحوت من فراشي ولم اجدها ، فبحثت عنها في البيوت المجاورة وخلف جدار الفصل العنصري، لكنها اختفت ربما تكون شبحا ارادت أن توصل لي رسالة بأن الإنسان لا يستطيع العيش وحيدا.

وذات يوم كنت جالسا افكر في تلك المرأة الغريبة، وبغتة سمعت دقات على الباب، فخرجت ملهوفا لأرى من الطارق؟ فإذا هي ذاتها تبكي وتقول: لا أريد أن ينعتوني الجيران بأنني امرأة داعرة، فاضطررت لترك منزلك تحت جنح الظلام. فهدأت من بكاءها، وادخلتها الى الصالون وقلت لها: ماذا تقصدين؟

فردت والدموع تنهمر من عينيها أريد الزواج منك ، حينها تسكت الأصوات المجاورة، لم أعطها جوابا نهائيا، ووعدتها بدراسة الموقف، فدعوتها للبقاء ، ولكنها اصرت على الزواج.

وخرجت ولم تعد، وأنا ما زلت ابحث عنها من جديد .. ابحث عنها في الأزقة والطرقات لا احد يذكر لي بأنها متسولة. اعود الى بيتي وأقول: إنها شبح امرأة ، اذكر تلك الليلة حينما حاولت تغازلني في الظلام بطريقة جنونية لم اعهدها من قبل، وكأنها طيف أراد اشباع رغباته بعيدا عن ضوء القمر .. ربما إن وجدتها سأتزوجها بعد أن تميتني بلسعاتها اللذيذة.

فأنا أحببتها وقبّلتها ذات ليلة ضحك فيها القمر ، أحببت امرأة متسولة بجسدها الجذاب هيهات أن اجد مثله في زمن الخوف والإرهاب.

اذرع غرفتي كالمجنون واقول:هيا ارجوك ارجعي لترحيني من انعزالي المميت .. لقد اشتقت الى ابتسامتك العريضة .. اشتقت الى شفتيك الحزينتين. أين أنت الآن؟ هيا عودي وسأقبلك زوجة متسولة على جسدي.

أين أنت الآن؟ ألا تشتقين الى قبلاتي في الظلام الدامس؟

عودي وسأورثك جسدي لتحفريه بأظافرك الحادة. مزقيني كما ترغبين ارجوك ارجعي فأين أنت الآن؟

لا تتركيني اموت هكذا فأنا لم أحب امرأة مثلك فأنت من علّمتني الحب في الظلام لا يهمني أكنتِ شبحا أم ملاكا .. وها القمر يطل فجأة وانتظر اختفاءه حتى ابحث عنك في الظلام .

اخر الأخبار