ضياع شعب: جدلية المفاوضات وخيارات المرحله

تابعنا على:   15:14 2013-10-09

د. هادى عبدالهادة لعجله

تبدو الصوره قاتمه, الى حدا ما, فى الشرق الاوسط ووسيناريوهات ما بعد التدخل الروسى فى منع ضربة ضد نام دمشق. ولكن, على الجانب الأخر, هناك مناورات ومفاوضات تجرى ما بين الجانبين الفلسطينى والاسرائيلى لتخطى فشل اوسلو وما بعد اوسلو. بعد توقف دام اكثر من ثلاث اعوام تعود المفاوضات من جديد ويبدو ان القياده الفلسطينيه جاده فى البحث عن انجازات على الأرض حتى تحقق مكاسب تكتيكيه من اجل الحفاظ على ما تبقى من شرعيتها المفقوده فى ظل مطالبات جديه من الجيل الجديد باسقاط اوسلو وسلطتها. لم تكن فى جعبه السلطه الفلسطينيه ورئاستها الا خيار واحد وهو المفاوضات, فقد كرر الرئيس الفلسطينيى وأكد على ان المفاوضات هى الطريق الوحيد لحل الصراع الفلسطينيى الاسرائيلى. ففى 23 سبتمبر, التقى عباس بالجاليه اليهوديه فى نيويورك واكد على ان المفاوضات هى الخيار الوحيد للسلطه(وليس الشعب الفلسطينى). ويبدو ان المتغيرات الأقليميه التى حطت اوزارها فى الشرق الاوسط ستؤثر بشكل كبير على سير المفاوضات بشكلها الجديد, فى ظل الوعد الامريكى لعباس بالضغط والتدخل من اجل دفع عملية السلام للامام لتحقيق اختراق حقيقى. قبل اتفاق اعلان المبادئ فى العام 1991 والذى جاء بعد حرب الخليج الاولى وخيارات منظمة التحرير الضيقه بعد تنشيف الدعم مالى الخليجى لسوء فهم أو لموقف ياسر عرفات من غزو الكويت, أجبرت الظروف الفلسطينين الى الذهاب الى عملية السلام توقيع اتفاق اوسلو. بعد عشرون عاما من توقيع اتفاق اوسلو والاجماع الفلسطينى والاسرائيلى والدولى على ان اتفاق اوسلو لم يحقق اى من أهدافه فأصبح جثه ميته الا من الشق الأمنى فقط, تبدو المنطقه امام متغيرات جديده ستجعل من الفلسطينيين يتجهون للقبول برزمة اتفاقات جديده ربما نسميها اوسلو الجديده. يبدو لى أن التاريخ يعيد نفسه فالعرب منقسمين ومنشغلين فىما يسمى الربيع العربى وصراعات السلطه و الفلسطينيين أنفسهم منقسمين داخلياَ فى صراع عجزت كل القوى الداخليه والاقليمه عن ايجاد طريق لتوحيد طرفى الانقسام. أضف الى ذلك, افتقاد العرب لخيار اخر غير خيار المفاوضات ومحاولة الخروج من الصراع بشكل خفى. قبل العام 1991, لم يكن هناك قنوات اتصال ما بين قطر والامارات والاردن والعراق وتونس وليبيا ودول اخرى من جهه واسرائيل من جهه اخرى. الان تعج البلدان العربيه بقنوات الاتصال تحت مسميات اخرى كمكتب تجارى أو ما شابه ذلك. ان ذلك يعنى أن صراعع القضيه الفلسطينيه قد خرج من عروبيته وقد نجحت امريكا واسرائيل من اخراج العالم العربى من دائره الصراع وأصبح اسمه الصراع الفلسطينى-الاسرائيلى بدلاَ من الصراع العربى-الاسرائيلى.

اذاً, كان اتفاق اوسلو هو مجرد اداه استسلام للاراده الامريكيه والاسرائيليه من أجل حشر الفلسطينيين فى منطقة جغرافيه محدوده تحت الاحتلال الاسرائيلى تقزيم الخيارات الاستراتيجيه للفلسطينيين فى مجمل دائرة الصراع بأكملة ووضع القضيه الفلسطينيه كأنها صراع على حدود 1967 وهو ما حصل فعلاً. الان وبعد عشرون عاماً وبعد نجاح اتفاق اوسلو فى هزيمة الفلسطينيين, يبدو ان المرحله القادمة مهيئه أكثر من اى وقت مضى للمضى قدماً فى اتفاق مرحلى ثانى يقضى على بقية الطموحات الفلسطينيه فى العيش بسلام واستقرار دائمين على أرض فلسطينيه وليست تحت الاحتلال الاسرائيلى او متعاقديه الأمنيين المتمصلة فى السلطه الفلسطينيه, وهو بالمناسبه احد نجاحات اتفاق اوسلو المبهره. الاتفاق المرحلى لربما يستمر لعقود من الزمان وذلك لتمويع قضيتين مهمتين هما قضيه اللاجئين وقضية تبادل الاراضى والقدس.

ومع وجود نتنياهو المتطرف والذى كان سببا فى تسريع كشف زيف اتفاق اوسلو فى العام, لا بد من النظر على ان وجوده هو استمرار لفشل العملية السلميه واستحالة مقدرة الادارة الامريكيه على الدفع به لقبول أى اتفاق لاا يريده المستوطنين وجموع المتطرفين فى دولة اسرائيل. أضف الى ذلك ان الدينياميكيه السياسيه فى الشرق الاوسط قد تغيرت ما بعد اتفاق لافروق-كيرى حول نزع أسلحة سوريا الكيميائيه و المحادثه الهاتفيه ما بين الرئيسين الامريكى والايرانى. ان المحادثه تعنى انتهاء حالة العداء الظاهرى بين الحكومتين. نتنياهو سيقبل عدم ضرب ايران والاصغاء الى الادارة الامريكيه شريطة ان تعطية الضوء الاخضر فى استكمال تهويد القدس وبناء مزيد من المستوطنات وربما تهجير فلسطينيين من الاراضى الفلسطينيه فى القدس الشرقيه. ليس فقط فى القدس وانما فى غور الأردن الذى تبلغ يحتل مساحه كبيره من الضفه الغربيه المحتله. فاسرائيل وجيشها يقوم بشكل أسرع من الضوء بترحيل وهدم قرى باكملها تحت حجج واهيه. سيكون ذلك ثمناً مقبولاً لدى الادارة الامريكيه وربما ستضغط على السلطه الفلسطينيه من اجل القبول باتفاق مرحلى يشابه اوسلو الى حدا ما ولكن بجدول زمنى يمتد لعقود وهو ما يعنى محاوله ادارة الصراع وصياغه الصراع وتقزيمه على انه انسانى وصراع على حدود الدوله(ربما نسبة التبادل). هذا السيناريو هو المخرج الوحي لفشل المفاوضات الحاليه بين الجانبين. كل الانباء تشير الى ان جولات المحادثات فاشله ولم تأتى بجديد. فقد أوردت جريدة الحياه اللندنيه عن مسؤول اوروبى رفيع المستوى أن المفاوضات وصلت الى طريق مسدود. فاسرائيل كعادتها تريد وضع العصى فى دواليب المفاوضات من خلال افتعال خلافات وايصال مجرد الوصول الى مبادئ سير عملية التفاوض عبثيه. ففى حين يريد المفاوض الفلسطينى البدء فى قضيه الحدود, تريد اسرائيل البحث فى قضية تبادل الأراضى وكأن اسرائيل تريد فرض اجندتها التفاوضيه, بل وفرض الحل المناسب لها من خلال الزج بالفلسطينيين فى متاهات التفاوض العبثى.

ان السلام الحقيقى يبدأ من الاعتراف الكامل بحق الشعب الفلسطينى فى العيش بكرامه وبحريه والاعتراف بالنكبه الفلسطينيى وبحث اللاجئين فى العوده لديارهم ومن ثم عدم التفاوض على مكونات أساسيه وهى المساواه والعدل والحريه والسياده الكامله لدوله فلسطينيه مستقله. ولكن يبدو ان اسرائيل ما ذالت مستمره فى ممارساتها على أرض الواقع وكأن المفاوضات تجرى حول أراضى فى جزر الكاريبى وليست على أراضى فلسطينيه محتله. فمجرد اعلان العوده الى مسار المفاوضات, اعلنت بلديه القدس عن اقامه حى استيطانى جنوبى مدينة القدس. ليس ذلك فقط وانما نقلت صحيفة "هارتس" عن وزير الاقتصاد الإسرائيلي ورئيس حزب البيت اليهودي "نفتالي بينت" أن الأشهر القادمه ستشمل اعلان نشر المزيد من العطاءات لاقامه احياء استيطانيه جديده او أعمال توسعيه فى فى المستوطنات المقامه على الأراضى الفلسطينيه. ان ذلك وبلا شك, يجعل التفاؤل من نتائج مرضيه للفلسطينيين صعبة جداَ بل ومستحيله. فاسرائيل تسرق المزيد من الأراضى والفلسطينيين منشغلين فى انقسامهم وتقزيم معاناتهم الى قضايا معابر حدوديه واحتياجات انسانيه.

وبعكس ما تقولة الحكومه الاسرائيليه من أنها تسعى لتحقيق السلام على أساس دولتين لشعبين(وتشترط يهوديه الدوله العبريه وهو ما يرفضة الفلسطينيين), يسعى دانى دانون وهو نائب وزير الدفاع الاسرائيلى لاصدار ميثاق ليكودى لمنع اقامه الدوله الفلسطينيه. هذا ياتى من قمة الهرم السياسى فى احد اهم الاحزاب الاسرائيليه وبالاطلاع وبدراسه التركيبه السياسيه للدوله الاسرائيليه واحزابها, فانه من الممكن فى حال التوصل الى اتفاق, ان يعود الليكود(تداول الأدوار فى اللعبه السياسيه) الى سدة الحكم وبالتالى تقويض اى اتفاق مرحلى قادم وهو ما يعنى الدخول فى سيناريو ما بعد اوسلو والانتفاضه الفلسطينيه الثانيه. ليس فقط المستوطنات ولكن سياسة التهويد والاستفزاز الاسرائيلى فى القدس المحتله من خلال مراسم دينيه واعتقالات تعسفيه تجبر الفلسطينيين على الرد على هذه الاستفزازات مما يخلق جواَ يحقق فيه الاسرائليين نوعاً من الجعم الامريكى فى مواجهة المفاوض الفلسطينى الذى لا يمتلك حتى خرائطه او قلمة الذى يكتب به محاضر لقاءات التفاوض.

ان أسوأ ما فى هذه المرحله الحاليه ومفاوضاتها هو عدم صراحة القياده الفلسطينيه مع الشعب الفلسطينى واطلاعه اولاً باول على ما يدور فى الغرف المغلقه حول مستقبله ومستقبل الأجيال القادمه. ولكن هناك الأسوأ وهو عدم وجود استراتيجيه فلسطينيه مشتركه تضم كافة االفصائل الفلسطينيه وليس فقط منظمة التحرير كممثل شرعى ووحيد للشعب الفلسطينى(وهذا لا خلاف عليه). فالرئاسه الفلسطينيه لم توضح حتى اللحظه استراتيجيتها بالنسبه لملف المصالحه الذى أصبح غير مطروحح بسبب تعنت حركة حماس وقادتها فى غزه. أضف الى ذلك حالة العداء المباشر والموجه لأهالى قطاع غزه من قبل الجيش المصرى بسبب التدخل السافر لحركة حماس وجناحها العسكرى فى الشان المصرى بعد خلع الرئيس المصرى المنتخب. بسبب ذلك, أصبح المواطن الفلسطينى كالابله محبط من التنظيمات وافتقد القدره على اعطاء شرعيه او حتى اضفائها على اداء كلاً من سلطه الضفه الغربيه او حماس. سينتج عن ذلك صعوبه فى اقناع هذا الشعب بشرعيه أى اتفاق مرحلى او دائم يتم فيه التنازل عن قضايا أساسيه منها الأغواء واللاجئين والقدس. فالجيل الجديد اوعى من اى يتم تمويع ارائه وتسقيتها فى بوتقة الأحزاب السياسيه وان ظهرر الان غير ذلك نتيجه الاستقطاب الحاد بين ايدلوجيه فتح وحماس. وهنا يجب الاشاره على ان حالة الاستقطاب ليست بين مشروعين وانما بين ايديلوجيتين رأس حربتها فتح وحماس وحالة الاستقطاب ليست بالضروره تعبيراً وقبولاً عن مشروعى حماس وفتح.

أعتقد أن الاتفاق القادم سيكون الأخطر على الوجود الفلسطينى وكيانه المستقل. على القياده الفلسطينيه استنتاج أخطاء اتفاق اوسلو ودراستها جيداَ والاستعانه بخبراء فلسطينيين وليس بريطانيين أو أمريكيين حتى يكون اى اتفاق مرحلى سواء طويل الامد ام قصير الامد ذو مغزى واضح ويحقق امال وطموحات الشعب الفلسطينى. اضافة الى الحاجه الملحه بان تكون كافة الملفات وتطبيقها بشكل متوازى. حيث أن ملف المعتقلين هو من اهم المفات ولكن اللاجئين هو القضه الاكبر للشعب وليس فقط الأرض. ربما تاتى فتره سلام وهدوء على الأرض ولكن لن تدوم كثيراً, فحلم اسرائيل الكبرى ما زال يراود قادة اسرائيل وسياسييها واعينهم ما زالت على كل قطعة أرض فى الضفة الفلسطينيه وكل شبر فى القجس المحتله.

وفى النهايه يبقى الخيار الوحيد الى يمكن الفلسطينيين واليهود من العيش بسلام هو دوله ثنائيه القوميه, فدولتين لشعبين لن يقبل بها الفلسطنيينون ولن يقبل بها اليهود كذلك. فالفلسطيني فى غزه يقرأ عن حيفا ويافا وعكا أكثر مما يقرأ عن غزه ويعرف عن القدس وبئر السبع أكثر مما يعرف عن رفح وخانيونس وكذلك بنت رام الله وبينت جنين. اما اليهود الاسرائليين فسيكون امام خيارين اما القبول بالعيش سويا فى دوله مشتركه يتقاسم فيها سكانها خيراتها واما عنفاً طويل الأمد ستذهب فيه دماء الكثير من الأبرياء.

اخر الأخبار