مانديلا ومرسي

تابعنا على:   11:14 2013-12-12

أمينة أبو شهاب

شتّان ما بين الرجلين، المناضل الأسطورة نيلسون مانديلا والإخواني محمد مرسي حتى يقارن بينهما الإخوان، وينسبوا الثاني إلى نضال الأول وسيرة حياته قائلين وبخاصة هذه الأيام بعد وفاة عملاق جنوب إفريقيا: إن مرسيهم هو "مانديلا العرب" .
بإمكان الإخوان ترويج بضاعتهم الأخيرة عن النضال الإخواني على النموذج المانديلي في سوق عربي تفتقد فيه المقاييس والمستويات والتمييز للنضال والكفاح والوطنية ما دامت شموس النضال العربية قد أطفئت عمداً، وما دامت نماذج البطولة والنضال على الأرض العربية نفسها تلاقي الغربة والإنكار حية وميتة . تلك النماذج، من شاكلة نيلسون مانديلا الذي يجد الوفاء من شعبه في أقصى أشكاله، والذي يملك الاستمرارية كنموذج من بعد موته، يكاد في أيامنا هذه لا يعرفها الوسط السياسي العربي، فكيف ستعرف الجماهير والشباب نموذج مانديلا وسيرته الحقيقية .
مانديلا الذي يكتب الغرب سيرته من جديد منقحة ومعدلة، كما نقرأ في عبارات الرثاء من الألمانية ميركل وهولاند وأوباما، كان في درب نضاله الطويل وصموده في سنوات السجن، جزء عضوياً من النضال العربي، سواء كان هذا النضال العربي في انتمائه للقارة الإفريقية (مصر، وشمال إفريقيا)، أو في جزئه الآسيوي في فلسطين . قصة نضال مانديلا هي قصة عربية أيضاً، سواء كانت هذه القصة دعماً حقيقياً ومؤثراً في الصمود، أو كانت إلهاماً في الطريق الثوري وأساليب النضال، وكانت كذلك في وحدة الهدف والتحرر من الاستعمار وسياساته في تقسيم الشعب الواحد وربطه بمصير الجهل والفقر والمرض .
أين كان مكان الإخوان ضمن ذلك النضال في الستينات، لقد كان موقعهم في الخندق الاستعماري، حيث كانوا ضمن حلفه ضد التجربة الناصرية التي أججت شعلة التحرر الإفريقي، وساعدت على استقلال بلدان إفريقية عديدة، وواجهت التغلغل التبشيري ضمن القارة الإفريقية من خلال علماء الأزهر .


تراث نيلسون مانديلا هو تراث للإنسانية كلها، تستقي منه الأحزاب والجماعات والقادة، ويستضيئون منه بصلابة صاحبه وحكمته وحبه للحرية والمساواة وتحريره لشعبه من التفرقة والعنصرية والظلم، والإخوان يملكون هذا الحق نظرياً كذلك في أن يكونوا على خط مانديلا ما استطاعوا، غير أن الادعاء والتزييف في نسبة محمد مرسي إلى سيرة مانديلا السياسية والإنسانية هو ما يبدو شديد الصعوبة وغير مقبول أو معقول ويبدو هزلياً كذلك .
مرة أخرى يبدو مرسي (بعد التشبيه الإخواني) كمن يلبس رداء أكبر بكثير من حجمه وطوله وقامته، وبدل أن يُكبره ويرفع من قامته فإن رداء مانديلا النضالي يظهر محدوديته بشكل أكبر، ويشير إلى كم هو غريب رداء مانديلا ومفاهيمه وقيمه السياسية، وخلاصة نضاله (في حقيقتها) عن الإخوان وأغراضهم السياسية واستثماراتهم التجارية في السياسة، تلك التي كان أولها، كما نعرف، استثمارهم للإسلام، ما انتهى إلى تحجيمهم لمقاصده الحقيقية وتشويههم له .
لقد حارب مانديلا التفرقة والعزل والانعزالية، وجمع شعبه الذي فرقه الاستعمار والاستيطان السكاني الغربي محتوياً في ذلك البيض من عناصر مجتمع التفرقة العنصرية، أما مرسي فقد كان عضواً في جماعة تعتقد بخصوصيتها وبوكالتها الدينية دون المجتمع كله، كان مرسي في عضويته للجماعة السرية، وكذلك في فترة حكمه رسولاً للتفرقة والكراهية والانشقاق الوطني والمجتمعي، وتفكيك الدولة التي ما زال ماضياً مع جماعته، في محاولة سحبها إلى منزلق خطير من العنف والصدام وتدمير الاقتصاد وحرق آمال المصريين وإيصالهم لليأس .
الجماعة هي الأولى لا الوطن ولا الأمة ولا حتى الدين، وفي سبيل الجماعة فليحترق الوطن بجامعاته وشبابه ومؤسساته، وليضرب الخراب مصر لتمليكها الحكم .
الانتساب إلى مانديلا هو تحوير كبير لمبادئه في عصر عربي لا يعرف المناضلين وحقيقتهم، فلم يزيف الإخوان انتماءهم فحسب، بل رسموا صورة أخرى عن مانديلا تناسبهم وتناسب الغرب حليفهم . تكتب توكل كرمان الإخوانية الحاصلة على جائزة نوبل في مجلة "الفورين بوليسي" مقالاً بعنوان "مرسي هو مانديلا العرب"، شارحة للعالم الحر ولمتخذي القرار فيه من حكومات غربية الأسباب التي تدعوهم إلى مساندة الإخوان المسلمين ومرسي المنافح عن الديمقراطية والحرية وكل ما يمتّ إلى القيم السياسية الغربية . مرسي هو هنا مانديلا، أما الآخرون فهم ممثلون للديكتاتورية والعنف، ولماذا لا نقول التفرقة العنصرية ما داموا عسكراً يكن لهم الإخوان كل كراهية، وما داموا على الجهة الأخرى للموقف الذي يقف فيه مانديلا . . العرب .
كما يثبت المقال الذي كتب منذ ما يزيد على الثلاثة أشهر أن النماذج السياسية الجاهزة هي صناعة ذات أهداف . فلماذا لا تروّج هذه الصناعة إلى عالم عربي يحرق الأبطال ويتوّج الأبطال الجدد فيه مثل كرمان ومرسي وآخرين، اعتدنا كثيراً على صيغ تتويجاتهم .
عن الخليج الاماراتية

اخر الأخبار