اتفاقية واشنطن الاسرائيلية الفلسطينية حول المياه "التزويد بدل السيادة"

تابعنا على:   18:04 2013-12-11

م, صالح الرابي

وقع الجانب الفلسطيني اول من امس في مقر البنك الدولي بواشنطن على اتفاقية نظمها الاردن واسرائيل تقوم على بناء محطة تحلية للمياه في خليج العقبة. وبموجب هذه الاتفاقية تحصل مدينة ايلات على كمية من المياه المحلاة وكذلك منطقة العقبة، اضافة الى حصول الاردن على كمية اضافية من المياه من بحيرة طبريا. فيما يحصل الجانب الفلسطيني على ما بين 20-30 مليون متر مكعب من المياه مباشرة من الجانب الاسرائيلي. اما المياه غير النقية والناتجة عن عميلة التحلية فسيتم جرها لتصب في البحر الميت.

وهلل الجانب الاسرائيلي لهذا الاتفاق حتى قبل توقيعه حيث اعتبره سيلفان شالوم "تعاون استراتيجي ذو مغزى سياسي بين اسرائيل والاردن والسلطة الفلسطينية". وقد صدق شالوم بالتاكيد، اذ ان اي اتفاق في مجال المياه هو في الاساس سياسي بامتياز خاصة اذا ما تعلق الامر بقضية المياه الفلسطينية، التي هي امر جوهري بالنسبة لمستقبل الدولة الفلسطينية المنشودة.

وفي اعتقادي ان ضغوطات كبيرة مورست على الجانب الفلسطيني للسفر الى واشنطن لتوقيع الاتفاق من قبل الجانب الامريكي، وان الجانب الفلسطيني رضخ لهذه الضغوط ، سيما واننا نمر في هذه الايام بسلسلة من الضغوطات والابتزازات واقتراحات الاتفاقات المرحلية من قبل كيري سواء ما يتعلق بملف الاسرى والحديث عن عدم الافراج عن الدفعة الثالثة من اسرى ما قبل اوسلو، او بملف الاغوار الذي تتبنى الادارة الامريكية موقف حكومة نتنياهو اتجاهه، واخيرا ملف المياه.

وهنا فانني اذهب الى ان توقيع الجانب الفلسطيني على هذه الاتفاقية، التي هي اساسا اردنية اسرائيلية، مستجيبا للضغوط الامريكية، وحصوله عل كمية من المياه من اسرائيل بدون اي ثمن مادي معلن، ياتي في سياق فرض حل لقضية المياه بين اسرائيل وقلسطين في اطار الفهم الاسرائيلي المدعوم امريكيا والقائم على ابقاء السيادة الاسرائيلية على مصادر المياه الفلسطينية. وما هذه التوقيع الا خطوة اولى نحو فرض هذا الحل، كما ان كمية المياه التي حصلنا عليها ما هي الا طعم حلو المذاق لدفعنا الى مصيدة التوقيع على اتفاقية نهائية حول قضية المياه تغلب عليها المصلحة الاسرائيلية.

وحسب وسائل الاعلام فان الجانب الفلسطيني طلب من الجانب الاسرائيلي في واشنطن الحصول على "موضع بالقرب من عين الفشخة شمال البحر الميت، الا ان اسرائيل رفضت". اي اننا امام مفاوضات بين فلسطين واسرائيل حول موضوع المياه جرت في واشنطن على هامش التوقيع على اتفاقية محطة التحلية في العقبة، فشل الجانب الفلسطيني فيها في انتزاع اي مطلب من الجانب الاسرائيلي، خاصة بوجود صائب عريقات وتسيبي لفني في واشنطن.

ونخطيء كثيرا اذا ما اعتبرنا ان حصولنا على 20-30 مليون متر مكعب من المياه بسعر التكلفة هو مكسب كبير ونتيجة هامة لاتفاقية ومفاوضات واشنطن اسوة بما حصل عليه الاردن. فالاخير دولة ذات سيادة، ومصادر مياهه تحت سيادته، وليس مضطرا لدفع ثمن سياسي لقاء هكذا اتفاقية، والاردن ليس من الضعف ليتنازل عن مواقفه او يجبر على ذلك.

اما فلسطينيا فالامور مختلفة كليا، فالجانب الفلسطيني هو الاضعف من مختلف النواحي امام اسرائيل وحليفتها امريكا، ومصادر المياه الفلسطينية تحت السيطرة الاسرائيلية، وتمنع الجانب الفلسطيني من التمتع بها، وهي تستخدم سيطرتها على مصادر المياه لمنع قيام دولة فلسطينية كاملة السيادة. اذ بدون السيادة الكاملة على مصادر مياه لا يمكن للدولة الفلسطينية العتيدة ان تطور زراعتها او صناعتها او حتى تستطيع استقبال مئات الالوف من اللاجئين في اي حل دائم.

ومع هذا فعامل القوة الاهم بيد الجانب الفلسطيني والذي لا يستطيع احد انتزاعه منه بغير ارادته، وهو رفض التوقيع على أية اتفاقية مهما كان محتواها الا اذا كانت تتضمن الحقوق الفلسطينة كاملة غير منقوصة، واسرائيل وامريكا بحاجة ماسة الى هذا التوقيع لفرض حل دائم لاية قضية بين اسرائيل وفلسطين يميل لغير الكفة الفلسطينية. وبالطبع فان الاغراءات والضغوطات والابتزازات على الجانب الفلسطيني تاتي لتعطيل عامل القوة هذا وانتزاع التوقيع الفلسطيني.

اما عامل القوة الاخر الذي يمتلكه الجانب الفلسطيني، او لنقل السلاح الذي يمتلكه ، فهو اطلاع الخبراء الفلسطينيين والاصدقاء والاشقاء على خطورة هكذا اتفاق واخذ رايهم وطلب دعمهم. والتشاور مع نواب الشعب وقواه الوطنية وممثليه في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ليس لأخذ رأيهم فحسب، بل لوضعهم بصورة الضغوطات التي تمارس على قيادة المنظمة والتشارك في تحمل مسؤولية وتبعات اية قرارات تدافع عن سيادة فلسطين على مياهها، بل وحتى اطلاع الشعب الفلسطين على جوهر اي اتفاق قبل توقيعه لاخذ رأيه والاعتماد عليه.

واشير هنا الى ان الحل الدائم لقضية المياه من وجهة النظر الاسرائيلية يقوم على تزويد الضفة الغربية وقطاع غزة بالمياه من محطتي تحلية ستقيمهما اسرائيل بتمويل دولي على شاطيء المتوسط، وتتحكم هي بمحبس الانبوب الذي يزود الاراضي الفلسطينية بالمياه، وبالتالي تتحكم بكميات المياه وتوقيت ضخها واستخدام السيطرة على المحبس لابتزاز الجانب الفلسطيني. في نفس الوقت تحتفظ اسرائيل بالسيطرة الكاملة على مصادر المياه الفلسطينية سواء احواض الضفة الغربية او حصة فلسطين من مياه نهر الاردن والتي تزيد بمجموعها عن 900 مليون متر مكعب سنويا. اي ان اسرائيل تطرح فكرة "تزويد الفلسطينيين بالمياه " بدل "سيادتهم على مصادر المياه خاصتهم" وهذا هو جوهر الصراع. وهو صراع، وان بدى للوهلة الاولى انه يدور حول مصادر المياه الا ان محوره هو الصراع على جوهر الدولة الفلسطينية العتيدة وماهيتها.

واما فكرة انقاذ البحر الميت من "الموت" بضخ مياه جديدة اليه، فان العالم وفي مقدمته نحن الفلسطينيين، يجب ان لا ينسى ان المسؤول الاول والاساسي عن جريمة الانخفاض الحاد لمنسوب مياه البحر الميت هو اسرائيل، التي بدأت بتحويل مياه بحيرة طبريا وحوض الاردن الى صحراء النقب منذ العام 1953م، مخالفة بذلك نصوص القانون الدولي بهذا الخصوص. وان احد اهداف مشروع قناة البحرين بمختلف صوره، من وجهة النظر الاسرائيلية، هو التغطية على هذه الجريمة، وتثبيت فكرة" التزويد بالمياه بدل السيادة على مصادر المياه" عن طريق منح الفلسطينيين كميات من مياه الشرب والضغط عليهم لاحقا لتوقيع اتفاق نهائي يبقي السيطرة الاسرائيلية على مصادر المياه الفلسطينية برمتها.

اخر الأخبار