أوباما يُصدِّق كلام مستشاريه بأن هزيمة الإرهابيين مستحيلة ( ح 6)

تابعنا على:   18:40 2015-06-28

يمكنك أن تقبله أو ترفضه، أن تحبه أو تكرهه، لكن لا يمكنك أبداً أن تتجاهل كونه رئيس أقوى دولة فى العالم حتى الآن، والرجل الذى تؤثر قراراته حتماً على مسارات الدول والشعوب. يمكنك أن تقول إن الرئيس الأمريكى الحالى باراك أوباما هو أضعف رئيس مر فى تاريخ الولايات المتحدة، أو أنه، على العكس، أكثر من نجح فى تفكيك الشرق الأوسط وفقاً للمؤامرة الأمريكية المسمّاة بالشرق الأوسط الكبير، التى ترى ضرورة تحويل الشرق الأوسط إلى دويلات مفكّكة، متناحرة، لا يزيد قطر أكبرها عن حجم إسرائيل، لكن لا يمكنك أن تنكر أيضاً، أن سياساته فى الشرق الأوسط تثير قلق حلفائه، وعلى رأسهم إسرائيل، أكثر بكثير مما تثير قلق من يعاديه. «أوباما» رجل لا يبدو ذا سياسة واضحة لأحد، لا لأعدائه ولا لحلفائه. هو يتحرك بشكل يبدو فى البداية مخططاً، وسرعان ما تنكشف عشوائيته بعد مرور بعض الوقت. يتخذ القرار، كما يقول المقربون منه، بناءً على ما تفرضه اللحظة، ثم يحاول أن يلوى عنق الحقائق الأخرى فيما بعد، لكى تتناسب مع ما يراه. الجيل الأكبر عمراً فى السياسيين الأمريكان يعادى شبابه، ويرجع أخطاءه إلى قلة خبرته وكونه ابناً لجيل يقفز إلى النتائج من دون دراسة المقدمات، ويتصوّر أن كل خطأ يمكن محوه بضغطة زر على لوحة مفاتيح. فى الوقت الذى يعاتبه فيه الشباب المحيطون به لأن خططه التى يعلن عنها لا تحقق نتائجها بالسرعة التى اعتادوا عليها مع كل شىء آخر، ويتهمونه بأنه بطىء أكثر من اللازم فى اتخاذ بعض القرارات، وبطىء أكثر حتى فى تنفيذها. «(أوباما) الذى لا يرضى عنه أحد»، لا قريب ولا بعيد، لا عدو ولا حليف، ذو التفكير الحائر والمحيّر، كان هو بطل كتاب أمريكى كامل، صدر مؤخراً للمؤلف الأمريكى «كولين دويك»، حاملاً عنوان «عقيدة أوباما: الاستراتيجية الأمريكية الكبرى اليوم». كان الكتاب يقرأ «دماغ» الرئيس الأمريكى، لماذا يفعل ما يفعله؟ وعلى أى أساس يتخذ قراراته؟ وفى الكتاب كان هناك فصل مهم يتناول تفكير «أوباما» فى مصر، بخصوص كل الأحداث التى جرت فيها ووضعت سياساته موضع اختبار، وهو اختبار لا يبدو حتى الآن أن ذكاءه قد أسعفه فيه بشكل كبير.

ويواصل الكتاب: «لقد أدت سياسة أوباما الخارجية، ممتزجة بأسلوبه وطريقته الخاصة فى تقديم نفسه كقائد للساحة السياسية الدولية، إلى السماح بتنامى وظهور عدة تداعيات، وتهديدات دولية، تحمل فى قلبها احتمالات أكثر كارثية لما يمكن أن يحدث فيما بعد على المدى الطويل لسنوات طويلة، لم تكن هذه التهديدات قد اتضحت بعد بالشكل الكافى لجذب اهتمام وانتباه الجمهور العام فى قلب الولايات المتحدة، صحيح أن أوباما، فى فترة رئاسته الأولى، نجح بدرجة ما فى الحد من تأثير الصراعات المعقدة فى أفغانستان والعراق وليبيا وسوريا على أجندته وأهدافه الداخلية، إلا أن ذلك لا يعنى أن الأمر قد استمر على هذا النحو، وإن كان أوباما فى فترة رئاسته الأولى، قد نجح من خلال المزج بين ملاحقته لتنظيم القاعدة، وتجنبه لمزيد من التورط الأمريكى فى الخارج، قد سار على هوى غالبية الناخبين والرأى العام الأمريكى المرهق بسبب الانهيار الاقتصادى العام، وحربى العراق وأفغانستان، بل ويمكن القول إن سياسة أوباما فى فترته الرئاسية الأولى وضعت الجمهوريين فى موقف حرج، جعلت البعض يرى أن أوباما قبل إعادة انتخابه فى 2012، قد حقق ما لم يحققه أى رئيس أمريكى منذ عام 1964، وهو أن جعل السياسة الخارجية ورقة رابحة فى يد الديمقراطيين، لكن بعيداً عن المكاسب الحزبية، ماذا كان الثمن الذى دفعته أمريكا نفسها بسبب الطريقة التى أدار بها أوباما سياستها الخارجية فيما بعد؟ فى الشرق الأوسط، ظهر واضحاً أن حلفاء أمريكا التقليديين مثل السعودية ودول الخليج وحتى إسرائيل، غير راضين لأسباب مختلفة عن سياسات أوباما التى يتبعها منذ عام 2011، فيما يتعلق بمصر وسوريا وإيران على وجه التحديد، كانت قرارات أوباما بالضغط على «مبارك» للتنحى عن الرئاسة، والسعى لتخفيف التوتر مع طهران حول الاتفاق النووى، إضافة إلى تخليه عن دعم وتسليح المعارضة السورية، كلها أمور دفعت حلفاء أمريكا للتساؤل علناً عما إذا كانت واشنطن تنوى الدفاع عن حلفائها فى هذا الجزء من العالم، ولم يعد أحد يعرف ما إذا كان الأمريكان قادمين، أم ذاهبين».

ويضيف: «ربما كان أوباما يعرف كيف يقول لحلفائه الكلمات التى يريدون سماعها، إلا أن تصرفاته فى الواقع كانت تقول العكس، وصار هناك إحساس جارف لدى غير الأمريكيين بأن الولايات المتحدة تنسحب من الدور التقليدى الذى طالما لعبته من قبل، وهكذا، كان أحد الآثار والتداعيات المباشرة لسياسات أوباما الخارجية، هو أن صار معظم حلفائه ينقلون خياراتهم ورهاناتهم للبدائل الأخرى المتاحة على ساحة القيادة الدولية، وظهر ذلك واضحاً فى صفقات التسليح التى عقدها حلفاء أمريكا التقليديون مع دول أخرى، صارت تحتل مكاناً أكثر أهمية منها على الخريطة».

ويواصل: «لقد فهم قادة الشرق الأوسط، أن تعامل أوباما مع الإخوان، وتصديقه لدعايتهم كما حدث فى الحالة المصرية، هو أمر لا بد من التوقف أمامه، لم يفهم أوباما على ما يبدو أن أمريكا تواجه «أعداء» من نوع خاص، يملكون درجة عالية من النفعية والبراجماتية السياسية، قادرون على استخدام المنطق والكلمات المنمقة والأساليب العقلانية لخدمة أهدافهم، وحتى التوصل معه لعقد صفقات واتفاقيات فى خلال سعيهم الطويل لتحقيق أهداف فى غير صالح الولايات المتحدة على الإطلاق، هذه المرونة، والقدرة على الصبر، أمور تحددها مرجعيات أيديولوجية راسخة لدى هذه الجماعات، لا تستوعبها العقلية الغربية على الإطلاق، وهنا مكمن الخطر».

ويضيف الكتاب: «إن خطاب الإخوان العدائى الذى يتوجهون به لأتباعهم هو أمر لا يأخذه كثيرون فى الغرب بالجدية المناسبة، على الغرب أن يدرك أن الحكومات والقوى والجماعات المعادية بطبيعتها للحريات والحقوق التى يدافع عنها العالم الغربى، لا تتردد فى الإعلان عن مبادئها لمن يستمع لها بشكل صحيح، وفيما يتعلق بتعامل أوباما فى هذا الصدد، فإن من يفترض أن القيام بتحرك «تصالحى»، أو توافقى، أو تقديم أى تطمينات بنية سليمة للأطراف الأخرى، يمكن أن يجعل هذه الأطراف تغير من مواقفها الأساسية، ونواياها التى تتمسك بها منذ زمن طويل، هو ببساطة، تفكير نرجسى، إن أعداء أمريكا يملكون دائماً أسبابهم للتحرك ضدها، أياً كانت التحركات والأقوال والأفعال التى يمكن لأوباما أن يفكر فى القيام بها، وصار الأمر اليوم أن الولايات المتحدة تواجه عدداً من الأعداء والتهديدات على المستوى الدولى الذين لا تريد حتى أن تأخذهم مأخذ الجد».

ويواصل: «إن تنظيم القاعدة، والجماعات الإرهابية التى تسير على خطاه، والتى صارت تتغلل فى دول الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا، صارت تمثل تهديدات حقيقية قد تصل إلى حد امتلاكهم أسلحة الدمار الشامل، ولا يمكن لرئيس أمريكا أن يواجه كل هذه التهديدات من خلال القول إن الوجود الأمريكى خارج الحدود قد شارف على نهايته، وإلقاء اللوم على الرؤساء السابقين، وتوجيه المسلمين لفهم الطبيعة الحقيقية والمتسامحة لدينهم، لا يوجد هنا أمام أوباما سوى سؤال واحد يستحق البحث عن إجابة له: كيف يمكن لواشنطن أن تعمل بشكل أفضل وأكثر فاعلية للحد من خطورة الإرهابيين والجهاديين، خاصة فى منطقة الشرق الأوسط؟ يقتضى ذلك مثلاً، عدم ترك العراق وحيداً فى جهوده لمكافحة الإرهاب فيه، وأن يكون هناك اتفاق واضح وملزم تبقى فيه قاعدة عسكرية تضمن الوجود العسكرى الأمريكى فى أفغانستان. يقتضى أيضاً تقديم مزيد من الدعم والمساعدات العسكرية للحكومة الجديدة فى ليبيا، ودعم ومساعدة أى أجنحة معتدلة قد لا تزال موجودة فى المعارضة السورية».

ويتابع الكتاب الأمريكى: يقتضى ذلك أيضاً، تقديم مزيد من التعاون مع الحكومة المصرية الحالية ضد هجمات الميليشيات الجهادية ضدها، وأن تسمى أمريكا تلك الهجمات الإرهابية بمسمياتها الصحيحة، بدلاً من التقليل من أهميتها وخطورتها، إن أوباما يخشى دائماً من أن تتحول أى جهود مكافحة الإرهاب إلى «حرب دائمة»، وهو تصريح غريب من القائد الأعلى للقوات المسلحة الأمريكية، لأنه يظهر أنه لا يستوعب بعد أن ذلك هو دوره من الأساس، كما يكشف عن جهله وعدم إدراكه لواقع بسيط، هو أن الإرهابيين هم الذين يسعون وراء «حرب دائمة» ضد الدول، ولا يوجد حل لوقف جنون تنظيمات مثل «داعش» والقاعدة وأتباعهما، إلا بأن يتعلم أفرادها، بأقسى وأعنف طريقة ممكنة، أن «حربهم» الدائمة لا يمكن أن يُكتب لها النجاح، وأن يفهم الرئيس الأمريكى فى المقابل، أنه من الممكن هزيمة الإرهابيين، على عكس ما يردده المقربون منه، وأن غير الممكن فى المقابل، هو أن يتصور أحد قدرته على النجاح فى «إدارتهم» أو «احتوائهم».

اخر الأخبار