لماذا لا تتغير الوجوه!

تابعنا على:   19:39 2013-12-10

إياد البلعاوي

إذا لم تتغير من الممكن أن تفنى، وإذا كان التغيير هو الوسيلة الوحيدة للتقدم والنجاح واللحاق بركب الحضارات فلماذا تربينا ونشأنا وها نحن دخل في المرحلة المتوسطة من العمر وقد نشيخ ونحن لا نشعر باي تغيير ولا نرى وجوهاَ جديدة على الساحة، أقول وجوهاً جديدة ولا أعني بذلك القادة السياسيين فحسب وانما أعني وجوهاً في كافة القطاعات، فقادة الأحزاب نادراً ما يتغيرون الا بمساهمة واضحة من الاحتلال البغيض، ونشطاء العمل الأهلي يشبهون بعضهم، والمسرحيون والمثقفون والشعراء ورجال الإصلاح والتجار والاغنياء والفقراء لا يتغيرون، حتى النشطاء الشبابيون -الذين يشيخ بعضهم وهو يلقب نفسه بالناشط الشبابي- لا يتبدلون.

نحن في الحقيقة مجتمع راكد لا يحب التغيير، لدرجة أنه استمرأ الثبات والوقف في نفس المكان، لا تتغير الوجوه التي تمثله الا كل أربعين الى 50 عاماً والأمثل واضحة وبارزة، وكثير بل وكثيرة جداً. هذا الاستمراء والخوف من التغير يعني أن لا وجود للأفكار الجديدة ولا للدماء ولا للروح، كله مكرر وتقليدي واقل من عادي. هذا الركود وصل في أسوء حالته الى التعود على وجود الاحتلال وكذلك التعود على وجود المقاومة.

تربينا اسرنا ومدراسنا على هذا النمط من الحياة فتجد أن "عريف الصف" لا يتغير طوال مرحلة الدراسة المدرسة وكذلك المدرس المسؤول عن الإذاعة المدرسة وطلاب النظام المدرسي وأمين الخزانة الفصيلة وصديق المكتبة حتى أن الضعيف في اللغة العربية تجده ضعيف في كرة القدم وضعيف في الرياضيات وكذلك المتوسط متوسط في كل شيء. وفي الجامعة تعيش أربع سنوات أو أكثر مع نفس الوجوه في مجالس الطلبة، تنام وتصحو تموت وتبعث وما زال الزعيم هو الزعيم وصاحب السيارة الفاخرة صاحب سيارة فاخرة، وابن المسؤول مسؤول وهكذا..

الواضح اننا مجتمع يحب التصنيف ويحب أن تبقى الأمور كما إعتادها، فلا أبي يغير بائع الخضروات ولا أمي تغير المحل الذي تشتري منه الأدوات المنزلية، لا جارنا يغير طريقة لبسه، ولا انا أستطيع ان اكتب بطريق مختلفة وبنمط مختلف. أما إذا تجرأ أحدنا واختار طريقاً مختلفاً تخرجا علينا الأمثال الشعبية: ""اللي بتعرفه أحسن من اللي بتعرفوش". فلو افترضنا جدلاً ان هذا المثل –العاجز- يصلح للاستخدام في حالة بائع الدجاج، فالأكيد أنه لا يصلح لانتخابات المجلس التشريعي أو الانتخابات البلدية، وكذلك لا يصلح في الزواج وبناء الأسر.

أول خطوات التغيير هي تغيير الوجوه لأن الأفكار لا تتغير إذا بقيت الوجوه كما هي، يجب أن يكون التغيير سُنة مستمرة لا تتوقف بسبب مسامر جحا أي الاحتلال ولا تحدث بسببه، والتغيير يعني المشاركة؛ مشاركة الأطفال والشباب والنساء والكبار وذوي القدرات الخاصة في صناعة القرار الذي يخصهم على المستوى الشخصي وعلى المستوى الوطني.

هذا التغيير يجب أن يكون شاملاً فيبدأ من المبيت ويمر بالمدرسة والجامعة والمسجد ويصل الى اعلى هرم السلطة، ولا يستثني الأحزاب التي شاخت بسبب هرم قادتها وهرم افكارها وهرم هيكلها وأطرافها، وجسدها وأدواتها كذلك.

فالمجتمعات التي لا تغير وجوهها ولا تغير افكارها ولا تكتسب خبرات ومعارف جديدة تبقى على الدوام في مؤخرة ركب الحضارة، وهذا لا يعني بروز نجاحات خارق هنا وهناك، فلكل قاعدة شواذ. والناظر من بعيد علينا لا يحتاج الى مكبرات صوت أو صورة ليعرف أننا تحت الاحتلال أكثر من مئة عام، احتلال عثماني ومن ثمة انتداب بريطاني وبعدها الاحتلال الإسرائيلي، الذي ما زال يجثم على صدورنا حتى وإن امتلكنا سلطة ذاتية. فهوائنا ومائنا وبرنا وبحرنا بيد جندي صغير تعودت دولته على التغيير والتجديد المستمر.

التغير يخلق املاً عند الصغار بأن يمتلكوا مستقبلاً مشرقاً ويحفزهم على العمل والعطاء، التغيير يدفع الشباب للإبداع والتألق بشكل جماعي، التغيير يطور طريقة التفكير ويحسن المناهج التعليمية ويرفع المستوى الأكاديمي ويخرج قادة جدد ويبرز العباقرة ويقدم صورة مختلفة عن مجتمع لا يحتاج الى شيء بقدر حاجته الى الاخلاف عما هو عليه.

تفسير المصطلحات:

•         القادة: هم مجموعة الأشخاص الذين نولد وهم في سدة الحكم ونموت وهو في سدته الا إذا قرر الاحتلال غير ذلك.

•         عريف الصف: الطالب الطويل والعريض والقوي الذي ينوب عن المدرس خلال فترة غيابه عن الفصل ويقوم بدور الجندي على بقية الطلاب، بعضهم كان يملك شخصية أقوى من المعلمين لدرجة أنك تجد الفصل في حضوره أكثر التزاماً من فترة حضور المعلم.

•         الاستمراء: هي عادة فلسطينية اصيلة متجذرة وتعني رغبتهم في البقاء كما هم، أي حب الناس لما هم عليه واستطيابه بشكل غير عادي، بل وحتى التلذذ به.

•         ذوي القدرات الخاصة: الوصف الذي أحبه للأشخاص ذوي الإعاقة أو ذوي الاحتياجات الخاصة، وعلى العموم أنا مقتنع أننا جميعاً ذوي احتياجات خاصة.

 

– كاتب وشاعر من غزة

اخر الأخبار