حالة قرف سياسي !!

تابعنا على:   01:55 2015-05-23

*د. عبد القادر فارس

في الذكرى السابعة والستين لنكبة فلسطين , وفي ظل ما نعيش من انقسام وانشطار , واحتلال واستيطان وحصار , وجدتني أعيش حالة من القرف السياسي , ربما توصلنا للجنون أو الانتحار , فعلى وقع " الملهاة " أو المأساة التي نعيش , وبسبب حال شعبنا الغلبان , في غزة والضفة كمان , في ظل أوضاع بائسة ويائسة , وخاصة بعد الانتصار الثالث في حرب الخمسين يوما , فإنني لا أدري ما هو المعلوم أو المجهول في قادم الأيام , فالمعبر الوحيد لنا على العالم من غزة مغلق معظم الأيام , وفي الضفة الغربية قتل وعربدة اللئام من يهود أتوا من غابر الأزمان , بالإضافة إلى مأساة أهلنا في مخيمات اللجوء في سوريا ولبنان , وهو ما دفع بأهلنا هناك إلى النزوح واللجوء في نكبة جديدة أودت بهم إلى أمواج البحر تبتلعهم على شواطئ أوروبا من ايطاليا إلى اليونان .

حين كانت الغربة تقتلنا , مثلما كان الاحتلال يقتل أهلنا في الأراضي المحتلة , حلمنا بوطن نعود إليه نرتاح فيه من شقاء الغربة ووعثاء السفر , وذل الاحتلال والاستعمار والاستيطان , لكن الحلم غير الحقيقة , فبعد اكثر من عشرين عاما من اتفاق السلام في أوسلو , لم نجد الوطن وتبخر الحلم , بعد عشرين عاما لا زلنا نفاوض من أجل وطن تقسم إلى قسمين بفعل الصراع على " نصف سلطة "هنا وهناك , في غزة والضفة الغربية , ونسي الجميع أننا ما زلنا تحت " بسطار" الاحتلال , وتحت وقع القتل اليومي والحصار وتوسع الاستيطان , وتهويد المقدسات وضياع القدس زهرة المدائن والأوطان , التي نسيها المتصارعون على سلطة زائلة , لا تقوى على توفير الكهرباء والغاز والماء والدواء في " إمارة " الجنوب , بينما لا تستطيع دولة الشمال إزالة حاجز اسرائيلي يقتل كل يوم شابا من الشباب الذين فاض بهم الكيل , وتملكهم الغضب مما يلقون من إهانة وذل على أيدي جنود الاحتلال , فأصبحت وسيلتهم للنضال الطعن بالسكاكين , أو الدهس بالسيارات والجرافات لرعاع المستوطنين.

عشرون عاما من المفاوضات , وثمانية أعوام من الانقسام , بدأنا بغزة وأريحا أولا , وانتهينا بغزة ورام الله أخيرا , هذا حالنا اليوم , كيانان منفصلان , أو دولتان دون عنوان , وما بينهما جغرافيا ملبدة بالمناطق الداكنة والاحتلال الأسود , مقسمة ما بين مناطق ( أ. ب . ج ) , محصنة بالأسوار والحيطان , ومعزولة بالاستيطان والجدران , واحتلال وحصار بين قتل ودمار , ونحن في صراع على كرسي مكسور أو مثقوب , نبحث عن شرعية مفقودة , الباحث عنها مجنون أو معطوب , بينما شعبنا على أمره مغلوب .

منذ اتفاق مكة عام 2007 , عام الانقلاب والانقسام والانهزام , إلى القاهرة والدوحة والشاطئ بعد ذلك بأعوام , لا زلنا نبحث عن المصالحة والوحدة وإنهاء الانقسام , لكنه الحلم والقوم نيام , ففي غزة والضفة الغربية توأمان لدودان , لا يحترمان أواصر الأخوة , ولا حتى وحدة الدم بعد أن سال قبل ثمانية أعوام , بعدها أصبح الدم يفرق الأشقاء الاخوان , كل منهما يدور في فلك نفسه , ولا يرى حدبة ظهره , قدران متباينان , كلما فكر أحدهما بالتقرب من الآخر , اشتعلت البغضاء بينهما , وارتفعت حدة التصريحات والهيجان , وباتت المصالحة في " خبر كان " , لكن القاسم المشترك بينهما , تعاهدهما على " الطلاق البائن " , ليحفظ كل منهما ما بين يديه من مكاسب.

القرف السياسي الذي ينتابني هذه الأيام , لم يقتصر على وطني فلسطين , بل امتد إلى كل دولنا العربية من الشام لبغدان , ومن مصر إلى يمن , ففي ظل " الخريف العربي " الذي ضرب أوطاننا , وانشغال العالم بما يجري هناك , حيث بات المجتمع الدولي ينظر إلينا دون مبالاة , والعدو يسرح ويمرح في أرض كنعان , ويحلم بــ " يهوذا والسامرة واورشليم " , ويضمها إلى دولة اسرائيل التي قامت على أرض فلسطين عام 1948 , مثلما يطالب بذلك نتنياهو وغيره من الغربان الذين نجحوا في الأخيرة الانتخابات بشعار "الموت للعرب وبقاء الاحتلال" , بينما نحن نواصل الخصام ونضع " الخوازيق " لبعضنا البعض , نتحدث عن حكومة وفاق دون اتفاق, وهدنة مفروضة ومقاومة ممنوعة , وبين هذا وذاك الوطن في نزاع على كل شيء إلا الوطن , أيهما الأقدر على المصادرة والتملك وفرض الضرائب وزيادة الأسعار , والمواطن المسكين يحلم بكيلو لحمة , بعد أن أصبحت بستين , وسؤالي الأخير لشعبنا " المحتار " في ظل الدمار والحصار , مين فيكوا مش قرفان ؟!

اخر الأخبار