سوريا ما بعد الاسد
ايمان موسى النمس
منذ سنوات وهناك من المحللين من يؤكد ان نهاية الاسد اصبحت وشيكة ،لكن الاسد بفضل براغماتيته استطاع مفاجأة الجميع بقدرته على الاستمرار مدة طويلة ، لعب فيها على كل الاوتار الممكنة مستفيدا من المتغيرات العربية والإقليمية والدولية وحتى تلك التي في الداخل السوري ،اهم مثال يمكن ان نبرزه في هذا المجال استفادته من اهتمام وانكباب الغرب بالحرب على داعش ، حيث لم يعد اسقاط النظام السوري اولوية واضحة كما كان من قبل فالدول الاوروبية انقسمت مابين من يؤيد التعاون مع الاسد للقضاء على داعش وبين من يعتبر الاسد هو التهديد الاكثر خطورة ، نفس الامر داخل الولايات المتحدة الامريكية حيث ظهر هذا الخلاف داخل مؤسساتها ففي الوقت الذي كانت الخارجية تؤكد ان الاسد "فاقد للشرعية " كان المجلس القومي للأمن يخطط مع دي ميستورا للوصول الى تسوية تتقبل الاسد كجزء من الحل .
لكن مؤخرا تغيرت الكثير من المعادلات السياسية وطرأت احداث جديدة على المستوى الاقليمي والدولي و الداخل السوري جعلت الاسد في وضع صعب للغاية و يمكن استعراض هذه التغيرات في مايلي :
_حالة الجيش السوري السيئة في ظل استنزاف موارده البشرية وهو الامر الذي تطلب عملية حشد مستمرة في وقت الذي يتهرب فيه الشباب من التجنيد الاجباري حتى ضمن الشرائح المتعاطفة مع النظام ، فالتجنيد اصبح مرادفا للموت وهو الامر الذي ادى الى انتفاض بعض المناطق المحسوبة على النظام مطالبة بإنهاء الحرب بسبب التكلفة العالية التي تحملتها من موت ابنائها .
_تصدع داخل النظام اضافة الى حالة الانشقاقات اليومية والانضمام الى الثوار ، حتى المتمسكين بالنظام حتى النهاية ليسوا متفقين عن طبيعة التدخل الايراني وقد ظهرت هذه الخلافات داخل قيادات الاجهزة الامنية بعضها تسرب الى وسائل الاعلام و اصبح علنيا .
_تغير على المستوى الاقليمي بظهور بذور تعاون ثلاثي بين تركيا وقطر والسعودية لدعم الثوار في سوريا ، فبعد تغير القيادة السعودية يبدو ان الاولويات تغيرت من خنق الاخوان الى لجم النفوذ الايراني داخل الدول العربية وعاصفة الحزم في اليمن اقرب مثال لهذه الفكرة .
_تغلب المعارضة المسلحة على احد اهم العوائق التي كانت تعرقل تقدمها وهو الشرذمة فبمجرد ظهور تشكيلات موحدة بدأت الانجازات تظهر على الارض اهمها تحرير جيش الفتح لمدينة ادلب ،وما تزال المعارضة المسلحة تحقق تقدما يوميا في مقابل قوات النظام والمليشيات المقاتلة معه .
_ التوتر بين ايران وروسيا الخفي ادى الى اضعاف التحالف المساند للأسد سياسيا ، فروسيا تنظر بعين الريبة للحوار الايراني مع الولايات المتحدة االامريكية والدول الاوروبية الكبرى ، في الوقت الذي يتعامل فيه الغرب مع روسيا بغاية الصرامة ويحاول معاقبتها وعزلها اثر تورطها في الازمة الاوكرانية ، ورغم ان روسيا وإيران استثمرتا الكثير في مساندة الاسد إلا انهم في الفترة الاخيرة يبدوان اكثر تقبلا لفكرة رحيله مع ضمان مصالحهما في سوريا .
لكن ما سبق لا يعني ان الازمة السورية ستحل بشكل سحري فبالأسد او بدونه هناك مشاكل اخرى اهمها ان سوريا تشكل حلبة صراع قوى دولية وإقليمية وعربية حتى لو رحل الاسد لن ينسحب هؤلاء بمنتهى البساطة مسلمين مفاتيح ادارة سوريا الى شعبها يتضح هذا في الخطط التي يحاول ان يرسمها هؤلاء لمستقبل سوريا اسوؤها على الاطلاق فكرة تقسيم سورية الى دويلات ومحاولة تسويق هذه الفكرة على اساس انها حل واقعي !
الامر الثاني يتعلق بالمليشيات المسلحة المقاتلة حاليا كيف سيكون وضعها بعد الاسد ، فالتجربة الليبية خير نموذج لتوضيح نوع الازمة التي من الممكن ان تعانيها سورية مستقبلا ،رغم ان هناك محاولات لبناء جيش نظامي تحت قيادة الائتلاف إلا ان ذلك لم يتجسد حتى الان على ارض الواقع ،نفس الامر ينطبق على المليشيات المقاتلة الى جانب الاسد من الواضح ان نزع سلاحها او اعادة ادماجها ضمن الاجهزة الامنية سيظل تحديا صعبا جدا .
الامر الثالث هو داعش التي ما يزال لديها قدرة على التمدد والاستمرار رغم الحرب الضارية التي يخوضها التحالف ضدها في كل من سورية والعراق ، نفس الامر بالنسبة لجبهة النصرة رغم انها نالت غطاءا سياسيا من خلال ادماجها ضمن تشكيلات المعارضة المسلحة لكن بعد ان تضع الحرب اوزارها سيستيقظ الحس الايديولوجي الذي ربما يتوارى قليلا لكنه لن يختفي .
الامر الاخير يتعلق بإعادة اعمار سورية المدمرة و مساعدة اهلها ليستعيدوا نمط حياة عادية فحجم المعاناة الانسانية اضخم من كل الموارد المتاحة للتعامل مع هذه الازمة .