نجمك لن يفل من قلوب الفقراء والثوريين يا " نجم "

تابعنا على:   13:37 2013-12-05

نافذ غنيم*

كنت في ريعان الشباب عندما نصحني احد الرفاق بالاستماع إلى أشعار احمد فؤاد نجم بغناء الشيخ إمام .. لم أكن اعلم حينها بان هناك شيخا من طراز أخر، صوته يرشح عذوبة وصدق وهو يغني وينشد للفقراء وللحياة.. للثورة والمظلومين، ليصبح صوتهم الصداح من اجل التحرر من براثن القهر والبؤس والعذاب .
في البداية شعرت وكأن هذا الغناء غريب المذاق، لكن الكلمات كانت تقتحم العقل والقلب، وتثير في الوجدان قشعريرة غير عادية .. واصلت الاستماع إلى مرتل الفقراء الشيخ إمام، شيئا فشيئا إلى أن أصبحت مدمنا على أغانيه التي لازمت فترة كفاحي الطويل ضد الاحتلال الإسرائيلي، وهي التي وجدت فيها شكلا ومضمونا ما يعبر عن ما أؤمن به من أفكار ثورية تناصر المظلومين على ظالميهم، والمحتلين على محتليهم.. وجدت فيها عمقا إنسانيا يعطي للفن معنا جديدا غير الذي تعودنا عليه .. كلمات الشاعر الراحل " احمد نجم " كانت تشق طريقها قيما وفكرا ووعيا في ذهن ووجدان كل من يقرأها أو يسمعها، خاصة عندما ينشدها بصوته الخشن، ليضفي عليها بعدا جديدا بطيبة وتواضع الإنسان المصري ابن الريف ومزارعه الفقيرة .. هو صوت النيل الصادح حبا لأرضه وشعبه، المتمرد على غطرسة وظلم السلطان.. هو صوت الأهرام الشامخ بشموخ أحلام الفقراء والكادحين المعذبين، والثابت كرسوخ الثوريين الأحرار على مبادئهم وقيمهم النبيلة السامية.
كتب "نجم" بأسلوب عامي بسيط بعيدا عن التعقيد، فحملت أشعاره مضامين صادقة دون تصنع او ابتذال .. فكانت كلماته كوخز الإبر توجع كل من يستهدفهم، من خصوم سياسيين وطبقيين وفكريين، فعرف طريقه إلى السجون والزنازين المصرية، ليخرج منها كل مرة أكثر تمردا وإصرارا من اجل مستقبل ينشده الفقراء المصريين أمثاله، مستقبل حملت مضامينه الثورة المصرية الأخيرة، فهو من بشر بها بوجهته اليسارية المتمردة، وبحلمه الاشتراكي الذي يحقق للفقراء أحلامهم وأمانيهم باتجاه المستقبل الذي يريدون .
كتب لمصر ولحلم شعبها القادم فقال .. مصر يا امّة يا بهية يام طرحة و جلابية .. الزمن شاب و انتي شابة .. هو رايح و انتي جاية ...جايه فوق الصعب ماشية .. فات عليكي ليل و مية... و احتمالك هو هو .. و ابتسامتك هي هي.. تضحكي للصبح يصبح.. بعد ليلة و مغربية.. تطلع الشمس تلاقيكي.. معجبانية و صبية .
وكتب عن حبه المجنون لمصر، وتمرده على سيف السلطان ليقول.. ممنوع من السفر..ممنوع من الغنى..ممنوع من الاشتياق..ممنوع من الاستياء.. وكل يوم في حبك تزيد الممنوعات..وكل يوم بحبك اكتر من الي فات..حبيبتي يا مدينة..متزوّقة وحزينة.. مخبر في كل عقدة.. عسكر في كل مينا.. يمنعني لو أغير عليكي ..او اطير اليكي ..واستجير في حضنك ..او أنام في حجرك الوسيع وقلبك الربيع .. أعود كما الرضيع.. في حرقة الفطام .
وانشد لألم الغربة والحنين للوطن فقال .. حلّوا المراكب مع المغرب وفاتوني.. عالشطّ واقف بِلا مركب وفاتوني ..ساعتها قلبي شهق.. يشهد عليه الشفق..بيني وبينك بحور الغربة يا داري.. يا ناري يا ناري ما تطفي البحور ناري..الطير دا مين هشّو ..عالريح بنى عشّه..يا عود ريحان أخضر .. والغربة بتحشو .
أما لفلسطين التي عشقها كمصر، واعتبرها جزء من همه وكفاحه .. كتبت أشعاره .. يا فلسطينية والبندقاني رماكو .. والصهيونية تقتل حمامكو في حداكو.. يافلسطينية وان بدي اسافر حداكو .. ناري وايديه تنزل معاكو .. على راس الحية وتموت شريعة هلاكو .. يافلسطينية والغربة طالت كفاية.. والصحرا آنت م اللاجئين والضحايا .. والأرض حنت للفلاحين والسقاية، والثورة غاية والنصر اول خطاكو .
اتسع قلب شاعر الغلابا " نجم " ليضم الجميع، إلا اؤلئك الذين يسرقون الشعب والوطن، سواء من تاجر بالوطنية او القومية او الدين، فقد كان سيفا بكلماته، وسوطا بلمزاته.. كان يقول بأنه ليس بغلبان لأنه غلب كل الدنيا، وكان يقصد هؤلاء الذين لم يستطيعوا تحمل ومواجهة كلماته، حتى أنهم وبخسة وحقارة شمتوا بموته .. ليس عجبا في ذلك، فعندما يصبح السقوط عنوانا لأخلاق وسلوك البعض، فان ما قاله نجم في حينه عن هؤلاء يؤكد مصداقيته، وعندما يتنفس هؤلاء الرعاع الصعداء بعد رحيله، فان ذلك يعني أن حذائه كان يطبق على رقابهم الفاسدة.
نقول لشاعرنا ورفيقنا الراحل . سلام لك " عم احمد " وستبقى أشعارك زاد وزواد كل الفقراء والثوار، تسلحم بإرادة الثورة والنضال، وتمدهم بالأمل الذي أرادت خفافيش الظلام أن تنزعه من الناس .. هي أشعارك الحية ستبقى إلى أن تشرق مصر وكل ربوع الوطن العربي النازف، حرية وعدالة ومساواة وكرامة.. إلى أن تنكسر شوكة الفاسدين الظلاميين، وكل اؤلئك الذين يسعون لمصالحهم القذرة على حساب الفقراء والمساكين والغلابا .. دمت حيا، ودمت ميتا أيها الباقي فينا ابدا .
* عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني
[email protected]

اخر الأخبار