أسوأ يوم فى تاريخ إسرائيل

تابعنا على:   11:30 2015-05-09

محمد حسين أبوالحسن

فى الستينيات، زار وفد من مجلس النواب الأمريكى مصر، والتقى الرئيس جمال عبدالناصر، وسألوه عن عزمه محاربة إسرائيل، بعد ما أشيع عن نيته إلقاءها فى البحر، فأخبرهم أنه لن يعتدى على أحد، وأن معركته الحقيقية هى «تنمية مصر وتحديثها» ووضعها فى مصاف الدول المتقدمة، وعلى الفور توجه الوفد الأمريكى «بالبشرى» إلى إسرائيل، وقابلوا رئيس الوزراء ديفيد بن جوريون، وأخبروه أن اليوم هو «أحسن يوم فى تاريخ إسرائيل»، لأن «ناصر» مشغول بالتنمية لا الحرب، فرد عليهم بن جوريون بسخط شديد: «إنه يوم أسود، بل أسوأ يوم فى تاريخ إسرائيل..!»؛.. وأخذ الرجل يعد العدة لاستدراج مصر فى حرب لم تختر زمانها أو مكانها، فكانت نكسة يونيو 1967.
تقوم التقديرات الإسرائيلية على أن مصر هى مصدر الخطر والتهديد الوجودى، وبرغم معاهدة السلام «البارد» بين الجانبين، فإن لا شيء تغير، مازالت الدوائر الصهيونية ومن ورائها مراكز النفوذ وصناعة القرار فى العواصم الكبرى بالغرب، تضع العراقيل من كل صنف، أمام أى جهد مصرى فى مسارات التنمية، ويكفى أن نسترجع تصريحات عاموس يادلين رئيس جهاز المخابرات العسكرية الإسرائيلية «أمان»، عام 2010، عن «نجاح الجهاز فى إحداث اختراقات سياسية وأمنية واقتصادية بمصر، وتصعيد التوتر الطائفى والاجتماعى لتوليد بيئة متصارعة متوترة دائماً ومنقسمة، وتعميق حالة الاهتراء بالمجتمع والدولة المصرية»..!
ولأن التاريخ ليس «ذيل» الماضى، بقدر ما هو «مقدمة المستقبل»، تذكرت مواقف «بن جوريون» و«يادلين»، بعد أن خرج علينا تسيفى مزئيل السفير الإسرائيلى السابق بالقاهرة، بموقف مشابه منذ أيام، مر دون اهتمام لائق، فقد كتب مقالا، بالموقع الإلكترونى لمعهد القدس للدراسات السياسية والاستراتيجية، يحذر فيه إسرائيل من أن مصر بقيادة الرئيس السيسى تسابق الزمن فى مشوار التنمية، وأن الرئيس يرى التغلب على التحديات الكثيرة التى تواجه بلاده، مسألة حياة أو موت، وفى مقدمتها تنمية الاقتصاد المصرى ومكافحة الإرهاب، منوها بانتصارات الجيش على الجماعات الإرهابية، ومنعهم من المساس بالمنشآت الحيوية للأمن القومى، ومحاصرتهم بدائرة ضيقة بشمال سيناء، وأشار إلى أنه برغم الإرهاب فإن السيسى أرسل قوات جوية وبحرية للمشاركة فى «عاصفة الحزم»، لوقف المد الإيرانى وحماية أمن الخليج والسعودية وباب المندب، ونوه «مزئيل» بأن مصر حققت إنجازات أمنية وعسكرية، وهى لاعب رئيسى لمكافحة الإرهاب بالمنطقة، كما دعت إلى تشكيل قوة عربية مشتركة، أما النجاح الأبرز فهو تطوير الاقتصاد، برغم الصعوبات الأمنية، ودلل على ذلك بمؤتمر شرم الشيخ، بمشاركة 70 دولة وألف شركة عالمية، وجذب عشرات المليارات من الدولارات والخطط الطموحة لإنشاء مشروعات عملاقة، كحفر قناة السويس الجديدة أو إقامة عاصمة إدارية بالإضافة إلى دعم التعليم والبنية الأساسية، وغيرها.
إن معرفة الحقيقة فيما كان، ضرورية لفهم ما هو راهن، والتحسب لما هو قادم، فقد أظهرت القاهرة، عبر العصور، أنها أكبر من أن تستسلم لمحاولات التحجيم أوالعرقلة، وأطول نفسا وأشد جلدا، كلما تكاثرت التحديات، وتبدو القيادة الحالية واعية بالمزالق والفرص على رقعة الشطرنج فى الإقليم والعالم، مصرة بدأب على حماية مصالح البلاد العليا. كل هذا جيد، لكن ينبغى ألا يغرينا بالسقوط فى فخ الثقة الزائدة والشيفونية الوطنية التاريخية، بل نكون مستعدين بطريقة ما لمواجهة التقلبات المحتملة فى مواقف الحلفاء والأعداء، بتعبئة الموارد والاعتماد على الذات، دون انتظار مجىء اللحظة الحرجة، إذ تتفجر حول مصر قنابل الدخان، للتعمية أو التغطية أو لفت الأنظار بعيدا عن مكامن الخطر الحقيقى وتوجهاته الغاطسة عن الأعين، محاولات من أطراف فاعلة أشقاء، أصدقاء، وأعداء - لشد أطراف مصر والضغط على أعصابها، لاستثارتها وإفقادها التوازن، بوهم أن الظروف القاسية تكبلها، وتحد من قدرتها حاليا على الفعل، وتجعل رد الفعل حسابا بالغ التعقيد، ويصبح الرهان فى هذه الحالة على أن تفرز الضغوط احتقانا، يرتد أثره إلى الداخل، بأمل أن ينفجر نارا، تشتعل تحت أقدام النظام السياسى، ثم يتلظى الشعب على جمرها..
ومن هنا تأتى السيولة الشديدة والحرائق المشتعلة فى الإقليم حول مصر، مقصودة متعمدة، لجر الجميع إلى أتون الاستقطاب والمحاور والنزاعات المذهبية، وحمامات الدم وتفتيت الدول. ومن المؤسف أن بعض دوائر صنع القرار فى دول عربية تنغمس فى تأجيج نيران الفتن، والتلسين على «الكنانة» فى العلن ومحاربتها فى الخفاء لخلخلة توازنها وجعلها «تمد رجليها على قدر لحافها»، والقراءة الواعية لمثل هذه التصرفات، توفر «مفتاحا» لقراءة الخريطة السياسية والتطورات الممكنة بالإقليم.
يظل بناء مصر هو «أم المعارك» التى ينبغى أن تتوحد عليها إرادة المصريين جميعا، وهو الهدف الاستراتيجى الذى يكفل البقاء للوطن والأمة، فى موازاة المشاريع الإقليمية الصاعدة، عبر مشروع نهضوى حضارى، يقوم على حشد الطاقات ولجم الانفلات الداخلى والاستهداف الخارجى بكل الوسائل، ومد الجسور مع اللاعبين الرئيسيين، وتحول ديمقراطى متحضر يلبى أشواق الحرية والعدالة الاجتماعية والاستقلال الوطنى باعتبار التنمية رافعة أحلام الشعب، ولاشك أن هذا سيكون «يوما أبيض» فى تاريخنا، بصرف النظر عن رأى الآخرين فى لونه.
عن الاهرام

اخر الأخبار