وداعا أبو النجوم

تابعنا على:   18:08 2013-12-04

د. محمد غريب

نزلت كالصاعقة لتعصف بأحلام جيل عاش يغني للعروبة و الوحدة و لفلسطين , ويشارك قائده الخالد عبد الناصر أحلام اليوم و المستقبل , يردد عاش الجيل الصاعد , وطني حبيبي الوطن الأكبر , راجعين بقوة السلاح , المارد العربي , لبيك يا علم العروبة , بالأحضان , يا أهلا بالمعارك , والكثير الكثير , كم كانت كبيرة أحلامنا آنذاك وكم كان الأمل بغد أكثر إشراقا وحرية يرفرف دوما فوق رؤسنا ويصحبنا حتى المنام , و جاءت الصاعقة لتطيح بالأحلام و الأمل و تدمر كل شئ , حرب يونيو حزيران 67 , ولكن الإرادة كانت الفيصل وحب التحدّي و البقاء كان المفاجأة.

كانت المقاومة الفلسطينية بقيادة فتح ثم حرب الاستنزاف المجيدة تجسيدا للإرادة العربية وروح التحدّي , لتفتح لنا نحن فتيان وشباب تلك الأيام الصعبة طاقات الأمل و تعيد لنا عنفوان الصمود و جبروت المقاومة .

وصار لتلك المرحلة رموزها ونجومها , في السياسة و الأدب والفن . وجاءت بداية السبعينات ثقيلة جدا بعد أن ترجل الفارس العظيم عبد الناصر الذي أصر على أن يتجاوز مع أمته العربية كبوة حزيران قائدا لحرب الاستنزاف وإعادة بناء الجيش العربي و داعما بقوة لحركة فتح والمقاومة الفلسطينية فلم يمهله القدر .

كنا نلتقي مع أدباء مصر وساستها وفنانيها في مقاهي وسط القاهرة ريش ووادي النيل وإيزائيفتش وقصر النيل و غيرها نستمع الى لويس عوض ونجيب محفوظ ويوسف إدريس وكمال الملاخ ونجيب سرور وأمل دنقل و صلاح جاهين , وفي مدرجات حقوق وآداب و هندسة عين شمس عرفت الشاعر الصاعد كالصاروخ أحمد فؤاد نجم واستمعت لصوت مصر الشيخ إمام و عشقتهما معا , زرتهما في حارة حوش قدم حيث حجرتهما التي أقاما فيها سنوات طويلة والتي كانت سببا في شهرة حارة حوش قدم التي تعني بالفارسية قدم الخير , وكنت تقابل فيها مثقفي مصر من الشباب من كل التيارات التي كانت تعج بها الساحة المصرية آنذاك . وجمعتنا أيضا أمسيات و جلسات خاصة في منازلنا لنغني مع الشيخ امام الذي غالبا ما كان يصحبة فيها صديقهما الرسام محمد علي لأن أبو النجوم كان عاشقا للسجون , واستمتعنا ذات مرّة بمولد احدى أغنيات الشيخ إمام المجهولة في منزل الصديق الشاعر زين العابدين فؤاد صاحب اتجمعوا العشاق في سجن القلعة , وكانت قصيدة لزين تقول :

بعرايس قطن

بعرايس قش

بصوابع طباشير ترسم ماما وشمس

وبألعاب تشبه حيوان الغابة

تلعب كل بنات الدنيا

لكن طفلة بشوارع عين الحلوة

خرجت حافية ماسكة المدفع

علشان تلعب بالدبابة

أعذرني أخي زين عن أي خلل في القصيدة التي أكتبها من ذاكرتي بعد ما يقارب الثلاثين عاما.

وانطلق الثنائي إمام ونجم بقوة في بداية السبعينات رغم أن نجم قابل إمام للمرة الأولى في بيت الأبنودي ببولاق الدكرور عام 1964 .

اذكر أن الذكي الشيخ إمام كان دائما يختتم غناءه بقصيدة نجم جيفارا مات , التي كانت تفجر طاقات الغضب بين الحضور من شباب الجامعات فيخرج الشيخ ويخرج معه الالاف في مظاهرة غضب تنطلق في الشوارع المحيطة بالجامعة استنكارا لحالة اللاسلم واللاحرب , تدعو الى المقاومة وعدم الاستسلام.

صرخة جيفارا يا عبيد

في أي موطن أو مكان

ما فيش بديل

ما فبش مناص

يا تجهّزو جيش الخلاص

يا تقولو عَ العالم خلاص

كان في الساحة المصرية من شعراء العاميّة آنذاك فؤاد حداد و صلاح جاهين و الأبنودي وسمير عبد الباقي وزين العابدين فؤاد ونجيب سرور ولكن نجم سرق كل الأضواء , الشاب النحيف الممصوص ( على رأيه) المولود من ابو حماد بالشرقية و القادم من ملجأ للايتام بالزقازيق لا يتقن الكتابة أو القراءة , ليعمل بائعا و ترزي و عامل بناء و عامل طباعة و عتال وحتى لاعب كرة ! ثم يلتقي في مدينة فايد بالقرب من الاسماعيلية بعمال مطابع من الشيوعيين ليبدأ معهم في تعلم الكتابة والقراءة .

وكان في الساحة المصرية من مغنين للوطن والمقاومة آنذاك المرحوم الصديق محمد حمام ومحمد نوح و فرقة اولاد الأرض ثم المرحوم الصديق عدلي فخري و غيرهم ولكن الشيخ أمام تسلطت عليه كل الأضواء . وعرف كل الشباب العربي المتحفز الثائر ذلك الثنائي الذي يصعب تكراره .. إمام ونجم وغنّى معهم مصر يما يا بهية و نويت أصلّي ونيكسون بابا و فاليري جيسكار ديستان و جيفارا ويا فلسطينية و بقرة حاحا وحفظوا أشعار نجم عاشق مصر الثائر ضد الظلم والقهر

الخط ده خطّي .. و الكلمة دي ليَّه

غطّي الورق غطّي .. بالدمع يا عينيهّ

شط الزتون شطّي .. و الأرض عربية

نسايمها أنفاسي .. و ترابها من ناسي

و إن كنت أنا ناسي .. ما حتنسانيش هيّه

الخط ده خطّي .. و الكلمة دي ليَّه

لاكتب على عيني .. يحرم عليكي النوم

و احبس ضيا عيني .. بدموعي طول اليوم

قبل الوفا بديني .. زَي الصلا و الصوم

ده الدين في عُرف الحر .. هم و مذلة و مر

و هموم تجيب و تجُر .. أحزان مخبِيَّة

نجم زعيم الغلابة والمحرومين , والمعجون بتراب مصر و العاشق رغم أنفه لطبق الفول

عن موضوع الفول واللحمة صرح مصدر قال مسئول

ان الطب اتقدم جدا والدكتور محسن بيقول

ان الشعب المصري خصوصا من مصلحته يقرقش فول

حيث الفول المصري عموما يجعل من بني ادم غول

تأكل فخده في ربع زكيبه والدكتور محسن مسئول

يديك طاقة وقوة عجيبة تسمن جدا تبقى مهول

ثم اضاف الدكتور محسن ان اللحمه دي سم أكيد

بتزود أوجاع المعدة وتعود على طولة الايد

وتنيم بني ادم وتفرقع منه المواعيد

واللي بياكلوا اللحمة عموما حيخشوا جهنم تأبيد

يادكتور محسن يامزقلط يامصدر ياغير مسئول

هذه القصيدة التي يصر إبني الصغير عمر ابن الحادية عشرة على تكرار سماعها حين تنطلق من كاسيت السيارة و هو يجلس الى جواري , تماما كما كانت ابنتي يارا - وهي في الرابعة من عمرها – تصرّ على أن أقرأ لها قصيدة نوارة بنتي التي كتبها نجم بعد أن رزق بإبنته نواره من زوجته الأولى الكاتبة العظيمة صافي ناز كاظم , وما أن أنتهي من قراءتها حتى أسمعها تتوسل إلي بصوتها الطفولي : تاني , فأقرأها تاني و تالت ورابع

نواره بنتي النهارده تبقي تخطي عتبه ليوم جديد

يارب خلى يارب حافظ يارب بارك يارب زيد

يارب كبّر , نواره تكبر وتبقي أكبر

فى كل عيد

لأ كل جمعه , لأ كل يوم

لأ كل ساعه ,لأ كل لحظه تنول وتخطي وتزيد نباهه

وتزيد ملاحظه

وتخطى مصر السعيده بيهم

ويبقوا ليها وتبقي ليهم

غيطانها جنه وترابها حنه والنسمه خمره ف قزازه حمرا

والنيل نجاشي

ما فيش ما جاشي

تمللى ييجي

أخضر مليجي

دايما يوفّي

دايما يكفّي

كل الخلايق

يصبح صباحه فلاحه يمشي

على شطه عايق

والدنيا صافيه والجو رايق

ما فيش معاكسه مافيش مضايق

ما فيش عساكر وقهر تاني

كل الاماني بقت حقائق

يارب وفق

يارب ريد

واكتب عليهم فى كل لحظه فرح وعيد

بسكوته بابا

حاضر يا ماما

وتقوم تدوسني

عشان تبوسني

وتنام فى حضني

وتقوم ف حضنى

وتعمل العمله وتملا حضني

الله يجازي البعيد شيطانك

حماره كلبه

مش عيب يا ماما

كده البيحاما

مش بابا قايل وماما قالت

من طول ما حطّت

وطول ما شالت

ساعه ما تبقي الحكايه

كخه

يقولوا إا ح قوام يا ماما ؟

بسكوته بابا

بسكوت في عينك

ما فيش معامله بيني وما بينك

ياللا امشي قومي

حماره كلبه باظت هدومي

ماتقومش طبعا ولا أي حاجه

وكانه مثلا ما حصلش حاجه

طويلة هذه القصيدة التي يتجلى فيها بساطة نجم وعفويته ورقة أشعاره حين يحب , وما كان في كل لحظات حياته إلا عاشق ومحب , الشاعر البسيط عاشق الكرة وأحد دراويشها وواحد من كبار مشجعي النادي الأهلي ينفعل و يصرخ ويشجع ويغني ويؤلف هتافات التشجيع وهو يجلس بين مشجعي الأهلي المصري في الدرجة الثالثة التي يعرفه كل روادها , قول ياعم احمد , ليقول ويرددوا ما جادت به قريحته وقتها , وغالبيتهم لا يعرف أن عم احمد الجالس بينهم هو الشاعر الذي هزت أشعاره مصر.

و اليوم رحل الفاجومي ( التي تعني الصريح سليط اللسان )الشاعر الذي آمن بالكلمة ورفض تكميم الأفواه و دفع الثمن غاليا من سنوات عمره التي قضى أجملها في السجون

والكلمة دين

من غير إيدين

بس الوفا ع الحر

وداعا عم احمد

اخر الأخبار