• الجمعة 29 مارس 2024
  • السنة السابعة عشر
  • En
تنويه أمد
حرب غزة تسير نحو فتح الباب لأهداف تتناقض جوهريا والمشروع الوطني، ما لم يحدث تطورا يعيد الاعتبار للوطنية الفلسطينية ممثلا وأدوات..دونها ستبدأ رحلة ردة سياسية بوصاية مشتركة على المستقبل الكياني العام.

هل من نهاية لأزمات المنطقة؟

تابعنا على:   11:39 2015-05-06

عبد الله بوحبيب

يتساءل كثير من اللبنانيين، منذ وقت طويل: متى يأتي الفرج على بلدنا؟ اليوم تردد الشعوب العربية في كل بلد السؤال ذاته عن الاستقرار والأمن والحرية والسيادة. وبينما شهد لبنان فترتين من الاستقرار في الستينيات الماضية، إحداهما مقرونة بالحرية والديموقراطية، شهد كل بلد عربي فترة طويلة من الاستقرار الأمني السلطوي مع غياب كامل للحرية.
يبيّن عرض التطورات السياسية في لبنان وسوريا صعوبة حصول الفرج في الزمن القريب في بلدان المشرق العربي.
لنبدأ من لبنان منذ العام 1956، حين بدأ النفوذ الأميركي في المنطقة بعد «حرب السويس» وانتهى نفوذ الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية. بين عامي 1956 و1958 سنتان من عدم الاستقرار تجلتا في «ثورة 1958» التي عكست، إلى الشق الداخلي، الصراع بين وحدة مصر وسوريا بقيادة الرئيس جمال عبد الناصر من جهة وحلف بغداد المدعوم من بريطانيا والولايات المتحدة من جهة أخرى. انتهت المرحلة بانتخاب قائد الجيش منذ الاستقلال اللواء فؤاد شهاب رئيساً للجمهورية.
استطاع الرئيس شهاب أن يوفر للبنان عشر سنوات من الاستقرار بعد اتفاقه مع الرئيس عبد الناصر على أن يبقى لبنان محايداً بالاسم، لكن متعاوناً ومنسقاً مع الجمهورية العربية المتحدة، ولاحقاً مع مصر بعد الانفصال، في الشؤون الأمنية والإقليمية. تبع ذلك 15 عاماً من عدم الاستقرار استعملت فيها، في البداية، المقاومة الفلسطينية لبنان قاعدة انطلاق لنشاطها الإعلامي والأمني والعسكري، وانتهت المرحلة بالاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982.
لكن الصراع استمر بعد الانسحاب الإسرائيلي إلى جنوب لبنان على جبهتين: الأولى بين المقاومة وإسرائيل استمرت إلى عام 2000 عندما انسحبت قوات الاحتلال الإسرائيلي، من معظم لبنان، والثانية بين «القوى المسيحية» وسوريا انتهت باتفاق الطائف، وحرب مسيحية ـ مسيحية أوصلت لبنان إلى وصاية سورية مدعومة دولياً وإقليمياً، بعد اجتياح صدام حسين الكويت في صيف 1990. أعطى ذلك لبنان 15 عاماً من الاستقرار الأمني تحت الوصاية السورية، تلتها عشر سنوات من عدم الاستقرار ابتدأت في العام 2005 بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري والانسحاب العسكري من لبنان.
باختصار، ومنذ عام 1956 إلى اليوم، شهد لبنان عشر سنوات استقرار شهابية، و15 سنة من الاستقرار الأمني السوري، و34 سنة من عدم الاستقرار، وحربا طويلة.
منذ العام 1956 شهدت سوريا 14 عاماً من عدم الاستقرار حتى تسلم الرئيس حافظ الأسد الحكم في العام 1970. تبعت ذلك فترة طويلة من الاستقرار السلطوي من ضمنه عامان من الاضطرابات قام بها الإخوان المسلمون في أوائل ثمانينيات القرن الماضي. ومنذ 2011 وسوريا في حالة حرب وبالتالي شهدت سوريا 20 سنة من عدم الاستقرار، و39 سنة استقرار أمني في الفترة المنوّه عنها.
إن نظرة تذكرية سريعة على دول المشرق العربي الباقية باستثناء دول الخليج، تبيّن أن الحالة هناك ليست أفضل مما شهدته سوريا: الاستقرار يأتي مع النظام السلطوي، وقد شهد كل من العراق واليمن والأردن وفلسطين ومصر من العام 1956 حتى أواخر عام 2010 فترات طويلة من الاستقرار السلطوي، وفترات قصيرة من الاضطرابات وعدم الاستقرار.
ليس في الاستقرار السلطوي أو الأمني حرية سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، ومعظم الذين يسمح لهم بالقيام بالأعمال الكبيرة وتأسيس جمعيات مختلفة هم من أهل النظام وشركائه. إن سجون تلك البلدان كانت مليئة دائماً بطلاب الحرية بأنواعها المختلفة.
بالنسبة إلى الخليج، فإنه يشهد استقراراً أمنياً لا يعود سببه بالتحديد إلى الوجود الأميركي الواسع في دوله ومياهه، بالرغم من أنه وهم كبير تخافه القوى الداخلية المعارضة، إنما إلى الوفرة المالية التي يستعمل جزء كبير منها لتهدئة شعوب الخليج وترويضها.
هل يعني ذلك كله أن الخيار للدول والشعوب العربية هو إما استقرار سلطوي أو الفوضى؟ الجواب حتماً لا. كل مَن يدعي أن الشعوب العربية والإسلامية غير مؤهلة أو مستثنية من الديموقراطية الحقيقية والتقدم الاقتصادي، يكون جاهلاً المسار الأممي لهاتين القضيتين.
في عودة إلى الفكر الاقتصادي لما قبل خمسينيات القرن الماضي، حين كان يعتقد أن الإنماء والتقدم هما فقط من صفات الشعوب الأنكلوسكسونية الموصوفة بالعمل الجاد والادخار والانضباط، نرى أن دولاً وشعوباً في أوروبا وأميركا اللاتينية وشرق آسيا وجنوبها متعددة الدين والمذهب واللون، أثبتت أن في إمكان الشعوب أن تلتحق بركب التقدم الديموقراطي والاقتصادي، وأن تعمل بجدية، وأن تدخر وتزيد استثماراتها، ويرتفع نتيجة لذلك معدل دخل الفرد في كل منها.
يجب التنويه بأن عدداً من الدول التي التحقت في الربع الأخير من القرن الماضي بركب التقدم الاقتصادي وحتى الديموقراطي هي دول إسلامية، منها أندونيسيا وماليزيا وتركيا إلى حد بعيد. كذلك، فإن الديموقراطية والتقدم الاقتصادي في الدول الغربية أتيا تدريجياً ومرّا بحروب ومراحل مظلمة، قبل أن يصل الغرب إلى الوضع الحالي.
إلى ذلك كله، فإن مشكلة الشعوب العربية أن الأنظمة السلطوية لم تبن مؤسسات تستمر، وقاطعت الديموقراطية بكل أنواعها، ومارست انتخابات بتزوير وتخويف، كما أنها لم تمارس المواطنة الحقيقية والاعتراف بالآخر المختلف، بل غذّت الغرائز وفجّرتها حتى انفجرت الأوضاع بوجهها وأطاحت بها. بالإضافة إلى ذلك، ومنذ أربعينيات القرن الماضي كانت المشكلة ولا تزال في وفرة البترول ووجود إسرائيل، وقد أضيف إليها في هذا القرن العامل «التكفيري» أو «السلفي الجهادي». جذبت هذه العناصر الاهتمام الدولي إلى المنطقة ما زاد الفتنة بين قيادات تجيد تاريخياً فن التآمر والسرية وانعدام الشفافية والصراحة والوضوح، ما منع التقدم الديموقراطي والاقتصادي لتلك الدول وشعوبها.
باختصار، فإن منطقة المشرق العربي محكومة بعدم الاستقرار لعقود، لا بل بالفوضى والحروب بين دولها بتشجيع قوى إقليمية ودولية.
ولبنان الذي أصبح أكثر من أي وقت مضى في تاريخه جزءاً لا يتجزأ من هذه المنطقة، محكوم أيضاً بعدم الاستقرار، والتعاون الجدي لقياداته يمكنه تجنيب اللبنانيين حرباً أخرى.

عن السفير

اخر الأخبار