حط علي الكوم في قطاع غزة

تابعنا على:   21:53 2013-12-01

د.كامل خالد الشامي

عندما كنت قاصدا عملي في ساعات الصباح الباكر كانت الطرقات تكتظ بخليط من الموظفين والطلاب والعمال ينتظرون سيارات الأجرة التي تقلهم إلي عملهم, الوجوه تبدوا عليها الحيرة وعلامات الترقب,, وبعض الوجوه لا يغيب عنها الحزن, ولكن السيارات ذات اللون الأصفر لم تأتي كالعادة كي تقل الركاب فهي مضربة اليوم عن العمل, سعر النفط غالي والسائق لا يستطيع تحمل دفع تمنه, فهو يعمل لأكثر من 10 ساعات في اليوم ,يدفع جل دخلة لشراء الوقود ولا يتبقي له أكثر من 5 دولارات بعد نهاية يوم عمل شاق يزيد عن 10 ساعات! 5 دولارات في غزة قليلة علي الحياة كثيرة علي الموت, غزة تعيش الأسعار مثل طوكيو, وتقبض مرتبات مثل الصومال ومتوسط دخل الفرد السنوي لا يزيد عن 600 دولار.

ولا يريد السائقين رفع السعر لأن أغلب من يستقل السيارات هم من الطلاب الذين لا يستطيعون تحمل أي أعباء مادية إضافية, غالبية الطلاب ينحدرون من أسر فقيرة بالكاد يستطيعون دفع الرسوم وشراء الكتب , ومنهم من تتقطع به السبل ويؤجل دراسته كلما كان ذلك ممكنا.

دائرة جهنمية وحلول مفقودة ووعود لا نهاية لها, ولكن الحقيقة مرة, لا أحد يمكنه صنع شيء, الحلول من خارج غزة, ولكنها تأخرت كثيرا في هذه المرة , وأصبح الشلل يدب شيئا فشيئا في المؤسسات العامة القليلة التي تعمل وهي في النزعة الأخيرة, والطرقات مهددة بفيضانات المياه العادمه التي سكتت مضخاتها بسبب غياب النفط المرغوب, وهناك أيضا آبار الشرب بالمئات التي تضخ مياها ملوثة للشرب ينقصها النفط وهي في الطريق إلي الصمت.

أغيثوا غزة الآن وليس غدا.. فحياة المرضي في المستشفيات تقترب من النهاية , فعندما تسكت أجهزة التنفس وغسيل الكلي وغرف العمليات لن يعد للنفط قيمة, ولن يكون العمل الصالح بعدها في ميزان حسناتكم ,ولن يكون للحلول المؤجلة قيمة.

عندما وصلت إلي الجامعة وقفت في جمهرة طلابية عشوائية, كانت تبدوا علي وجوههم علامات الخيبة وصلوا بشق الأنفس إلي جامعتهم وبدءوا يشكون حال البلد بمرارة وحسرة, ولكنهم تفرقوا سريعا إلي محاضراتهم.

أدعموا سائقي السيارات في فلسطين هذه الشريحة التي لا تعرف إلا الجوع والفقر والمرض والحرمان , والموت علي الطرقات, والعمل لساعات طويلة, والتي قتلت إسرائيل أعدادا منهم وهم في طريقهم إلي عملهم عندما كانت تسيطر علي داخل قطاع غزة.

قطاع النقل في غزة هو خاص, ولا يوجد تقل عام هنا, وغزة تفتقر إلي النقل بالسكة الحديد أو النقل البحري أو الجوي, هي السيارة الصفراء فقط وبدونها ستلفظ الحركة في غزة أنفاسها الأخيرة.

أستاذ جامعي وكاتب مستقل

جامعة غزة

 

اخر الأخبار