التأثير السياسي في التنظيم والناس

تابعنا على:   12:24 2013-11-30

بكر أبوبكر

في الزمن القديم لم نكن نعيش بمعزل عن جوارنا ، ومن ظن ذلك فقد جانبه الصواب، ورغم ان الإنسان القديم كان في حقيقة الأمر أسير بقعة محدودة، إلا أنه عاشها بتواصل أو بانفتاح مع عائلته أوقبيلته، ربما دون القبائل الأخرى لأسباب معروفة ، وعلى الأقل مع مفردات بيئته من طيور وحيوانات ونباتات وأنهار ووديان وأنواء ، بمعنى أن لا معني حقيقي للعزلة إلا بخيار حجم الاتصال ومساحته.

إن ضاقت مساحة الاتصال فإنها تحد من عوامل التأثير، لذلك فإن من أبسط الأمور في عملية تحقيق التأثير الى درجة المحو للعقل هو تحقيق العزل : العزل عن المثيرات الخارجية من أناس، والداخلية في الذات البشرية من خلال صب الفكرة المقولبة صبا ما يحدث في التنظيمات الفكرانية (الأيديولوجية) وفي المعازل أو في السجون ، مع استبعاد كلي للفكر المخالف إلا بمنطق التعامل معه كردة أو كفر أو خيانة.

مثلت تجربة الحشاشين بزعامة الحسن الصباح في التاريخ العربي الاسلامي نموذجا للعزل وغسيل الدماغ وصب الفكرة صبا في الدماغ منذ الصغر، عن طريق قوة الشخصية الحاكمة وأوهام الفكرة في عقول الناشئة والبسطاء، وتحقيق العزل النفسي – الشعوري بعد اغلاق باب القلعة دون سائر الناس ، ومن تجربته القاسية أخذت عدد من التنظيمات بالأمس و اليوم المدد والمعين ، كما بحثت هذه التنظيمات في دهاليز أشد الأفكار تطرفا لتحييها محققة العزلة لنفسها أولا ثم للجماعة التي ترغب التأثير بها وأفرادها.

إن الاتصالات في القدم وحديثا قائمة لأن حياة الانسان اليومية سلسلة من الاتصالات أي التأثير والتأثير المتبادل، ولكن الإختلاف هو في مساحة الاتصال وفي حجمه.

فقد تكون [مساحة الاتصال] (هي الحيز المتاح في آلية المؤثرات المتبادلة فيه) كبيرة أو متوسطة أو محدودة معتمدة على :

1. نوع الفكرة وإمكانية التوسع بها والارتباط.

2. جهة الاتصال من شخص أو أشخاص وحدود الاستجابة لديها.

3. طبيعة العلاقة التبادلية بين الشخص ومكونات البيئة من حيوانات وجمادات وطريقة أو فن الاتصال معها.

4. الرغبة الداخلية أو عبر التأثير الخارجي ما يؤدي للتوسيع أو التضييق.

5. عامل الوقت والمكان والموقف وتأثيراتهما على المساحة المتاحة جغرافيا ونفسيا وثقافيا.

أما [حجم الاتصال] (يعني مدى التأثير-الى أين يصل-المتحقق بين الطرفين) والتأثير في الشخص فقد يكون محدودا أو متوسطا أو كبيرا، وقد يكون في جزئية [أو نقطة] أو موقف أو حالة وقد يكون في كل الحالات استنادا لعوامل عدة منها:

 قوة الشخص أو النظير.

 الرغبة (أو القدرة) في التقبل أو الرفض.

 مدى منطقية الفكرة أو مخاطبتها للحاجات والمستقرات والميول.

 الزمان والمكان.

نقول أن الإتصال والتأثير والتـاثر واقع لا محالة حتى لو كان عدد من يتواصل معهم الشخص محدود، أوالأفكار المتداولة محدودة ، وحتى في الجغرافيا محدودة ، والثقافة المحدودة، وفي ظل مناهج التفكير كذلك ، لذلك نحن نؤكد أن التواصل والتفاعل والتأثير واقع لا محالة في المساحة والحجم ... فكيف بالله عليكم اليوم اذ أصبح العالم قرية كونية يستطيع كل شخص أن ينفتح على ما يشاء من أفكار ومعلومات وشخصيات وجماعات وبلدان؟

إن سؤال الحاضر والمستقبل هو في كيفية فهم آليات التأثير وليس منعها إذ لا جدوى ترجى من ذلك، وفي كيفية بناء مناهج التفكير التي تستطيع أن تفهم وتتقبل وتتجاور مع مثيلاتها من أفكار ومع المخالفين ، وأيضا ببناء القدرة على تفعيل محطة التنقية أو المصفاة الداخلية في كل شخص ليعرف الغث وهو كثير من السمين وهو كثير، فلا يتوه ولا ينصب ولا يميل ولا يغضب.

إن التأثير والجذب والاستقطاب علم يحتاجه كل منا كما يحتاجه السياسي في كسب الناس لفكر وبرامج وخطط المنظمة التي ينتمي اليها قاصدا تحقيق أكبر حشد ممكن يؤهله لتحقيق أهدافه.

اخر الأخبار