حوارٌ لا «مصالحة»

تابعنا على:   09:17 2013-11-28

صالح القلاب

كل العالم يشهد للأردنيين، والمقصود هنا هو الشعب والقيادة، بأنهم تجاوزوا «تسونامي» الربيع العربي وزمهريره وعواصفه ليس بأقل الخسائر بل بالكثير من الإنجازات الحقيقية والفعلية التي سنستمر بالبناء فوق مداميكها التي غدت متعالية وتبشر بمستقبل قريب واعد لهذا البلد إلى أن نستكمل الإصلاح الذي كنا قد بدأناه في عام 1998.. بل وقبل ذلك بأكثر من إثنين وأربعين عاماً وحقيقة أننا سنبقى نواصل الإستكمال وذلك لأنه طالما أن هناك حياة فإنه لابد من مواصلة المسيرة الإصلاحية التي ستكون طويلة وفي بعض الأحيان ستكون صعبة وشاقة لأن هناك دائماً وبإستمرار، إنْ في الأردن وإنْ في كل دول الكرة الأرضية، من سيبقى يرفض الجديد ومن سيبقى يشد إلى الخلف.
إنَّ أصحاب المواقف الجامدة المسبقة، الذين يثبت يوماً بعد يوم أنهم لا يملكون لا الجرأة ولا الإقتدار على التخلي عن مواقفهم هذه التي تجاوزتها حركة التاريخ، ربما أنهم مصابون بمرض التحجر الذهني والفكري ولا يستطيعون لا رؤية ولا فهم كل هذه التحولات التي شهدها بلدنا، وكلها في إتجاه المستقبل وإلى الأمام، خلال الأعوام الثلاثة الماضية أو أنهم يعرفون ويدركون هذا كله ولكنهم من قبيل «المكابرة» الجاهلية يرفضون الإعتراف بكل هذه التحولات التي يجب الإستمرار بالبناء فوقها لأن الإصلاح لا نهاية له ما دام أن الحياة مستمرة وأن عجلة التاريخ متواصلة الدوران.
لقد بقي هؤلاء، والمقصود هنا هو الحزب الأكبر أي جماعة الإخوان المسلمين التي نختلف معها على الكثير من قضايانا الوطنية وقضايانا القومية إلاَّ أننا نحترم «المعقول» الذي تطالب به وتقوله،.. يرفعون شعارات صاخبة وبسقوف عالية ومرتفعة وقد بقوا يشكلون مجرد صدىً لـ«إخوانهم» في مصر وفي غيرها لكنهم وهُمْ لم يتقدموا ببرنامج عمليٍّ واحد.. والأسوأ والمستغرب حقاً أنهم اعتصموا بالإنكفاء والإنعزال ورفضوا كل محاولات الحوار والتفاهم ورفعوا راية: «إننا قادمون» لظنهم أن «تفاحة» الحكم اقتربت من أنْ تسقط في أحضنهم وبهذا فإنهم قد أضاعوا فرصة تاريخية كان يجب أنْ يستغلوها قبل أن تحلَّ تلك الكارثة السياسية بحزبهم الأم في مصر.
والآن، ورغم كل هذه المتغيرات إنْ عندنا هنا في الأردن وإنْ عند غيرنا والمثال على كل هذا هو الذي جرى ولا يزال يجري في مصر وفي تونس وفي ليبيا بالإضافة إلى ما يجري في سوريا والعراق، فإنَّ «إخواننا»، هداهم الله وغفر لهم ما تقدَّم وما تأخَّر من ذنوبهم.. وبخاصة ذنوبهم السياسية، لا زالوا يضعون أكفهم فوق عيونهم حتى لا يروا كل هذه المتغيرات والمستجدات ولا زالوا يغرقون في أوهامهم السابقة.. ولذلك فقد سمعنا قبل فترة من «مراقبهم» العام ما لا يجوز أن يقال بعدما ثبت أن الأردنيين، شعباً ونظاماً، يقفون على أرض صلبة وبعد ما شهدت أرض الكنانة كل هذه التحولات التي شهدتها وسمعنا أيضاً من أحد قادتهم دعوة لـ»المصالحة» بدون إيضاح منْ عليه أن يصالح وأنْ يتصالح مع مَنْ.
لم يحدث إنقسام في بلدنا، والشكر والحمد لله، حتى في ذروة هبوب رياح «تسونامي» الربيع العربي لا بين مكونات الشعب الأردني ولا بين هذا الشعب ونظامه وقيادته حتى تكون هناك مثل هذه الدعوات لـ»المصالحة» من بعض قادة الإخوان المسلمين ولهذا فإن على هؤلاء أن يدركوا أنَّ الخلافات والإختلافات في وجهات النظر لا تعني «الإنقسام» بل تعني الحيوية والسعي المستمر نحو الأفضل وتعني أننا سنبقى بحاجة إلى الحوار الهادف البناء البعيد عن مجرد تسجيل المواقف لدغدغة عواطف الأردنيين الذين باتوا يعرفون كل شيء والذين سئموا «الفوارد» الأسبوعية التي بقيت تُساق إلى ساحة المسجد الحسيني.. للصراخ ولإطلاق الشعارات الخيالية وأيضاً للشتم وللإتهام وللأسف.
لا يوجد أي إنقسام في الأردن حتى يدْعو بعض قادة «الإخوان» إلى المصالحة بل أنَّ الموجود هو بعض الإختلاف في وجهات النظر وعلى غرار ما هو قائم في كل البلدان الديموقراطية وما هو غير مسموح به وعلى الإطلاق في دول «الممانعة والمقاومة»!! وفي أنظمة الإنقلابات العسكرية السابقة واللاحقة.. والإختلاف في وجهات النظر لا يحتاج إلى أيِّ «جاهات عشائرية» ولا إلى أي مصالحة إنه يحتاج إلى الحوار وإستمرار الحوار الهادف البنَّاء وهذا هو ما يجري في بلدنا يومياً إن بين أصحاب وجهات النظر المتعارضة وليس المتناقضة وإن بين القيادة وبين شعبها بكل مكوناته.

عن الرأي الاردنية

اخر الأخبار