
غسان مطر منحوت كالرجل الروماني ، مروان خسر رجل اخر
مروان صباح
من اللقاء الأول ، تتحول الصدفة إلى صداقة دون أن تعرف كيف ولماذا ، هي علاقة تشكلت بيني وبين غسان مطر ، فنان الشعب والمقاومة ، وأيضاً ، الملحن والشاعر صلاح عاشور ، في ذروة الأحداث العربية وعلى وجه الخصوص الفلسطينية ، علاقة استثنائية ممزوجة بالفن والمقاومة والبحث عن الحياة والإنسان ، لم نحتكم في علاقتنا ، نحن الثلاثة ، إلى شهادة ميلاد بقدر احتكامنا إلى العقل والوعي اللذين تراكما بقضايا مختلفة ، وهذا ، يجعلني ككاتب استحضر غسان ، ليس المقاتل أو كناطق بيان الحركة الاصلاحية الذي قام بها العميد عزيز الأحدب نتيجة الحرب الأهلية اللبنانية ، عندما قام أبو الطيب المسئول الثاني لقوات 17 ، في حينها ، بتأمينه بواسطة ملالة عسكرية إلى مبنى الإذاعة ، كانت تسمى ، طريق الموت ، أو كمعلق سياسي أو فنان من الطراز الثقيل ، فحسب ، بل ، غسان المحرر في جريدة النهار قبل أن يبدأ عمله في الإذاعة والتلفزيون اللبناني وعن علاقته المميزة بالأب ، مؤسس النهار جبران تويني ، فكان يعي جيداً بأن الكتابة ، وهو ، بالمناسبة لديه من الكتابات والآراء التى اعتبرها الراحل ليست نهاية الطريق ، لأن ، هناك أشياء بلغنها وأخرى لم نبلغها بعد ، فتعلم ، هو لا سواه ، وقد نقله لي في إحدى الجلسات ، أن الكتابة لا بد أن تكون نقية من الشوائب ، وهذا ، بالفعل ما أهله الدخول إلى الإذاعة كصوت رخيم ، حاد النبرة بالإضافة لأدائه المميز في اللغة العربية ، وأيضاً ، في مجال التلفزيون كان مخرج حقيقي لكل كواليس الخفية للإعلام ، ومراسل إذاعة لبنان ، حيث ، كُلف بتغطية زيارة البابا بولس السادس عام 1967 م إلى القدس .
كان الشاهد البليغ على القضية الفلسطينية وهي تتنامى في لبنان ومؤثر عاطفي في مجال الإعلام ومحترف مهني بالتمثيل ، وفي حفلة غناء للعندليب الأسمر عبدالحليم الذي كان يشرف على اعدادها تلفزيون الجمهورية اللبنانية ، حيث ، كُلف غسان بتقديم العندليب والإشراف على الحفل ، تعانق العندليب مع الحضور وارتفعت موجة الأغاني الوطنية التى لم تروق لمدير الأمن العام في وقتها ، بالسيتينات ، تلقى غسان مكالمة في حمى وطيس صيحات الجمهور وتلاحمها مع عبد الحليم ، بضرورة إنهاء الحفل ، لكن ، قال مقولته الشهيرة ، والتاريخ سجلها ، بأنني في هذه الليلة وقعت على قرار فصلي من التلفزيون اللبناني ، حيث . استمر الحفل بالأغاني الثورية والوطنية حتى النهاية وفي اليوم التالي ذهب وقدم استقالته .
وبعد انتصار الجيش الأردني وقوات الثورة الفلسطينية ، معاً ، في معركة الكرامة ومن مقولة الفدائي الأول ، للملك حسين بن طلال رحمه الله ، كلنا فدائيون ، ارتأى غسان أنه من الضروري انتاج عمل فني يليق بنتائج المعركة والتى كانت في مضمونها رد موجع لإسرائيل عن هزيمة 1967م ، أراد من خلال كلنا فدائيون أن يتحول الفيلم في المستقبل إلى ارشيف مصور يُحفظ بالذاكرة العربية للأجيال المتعاقبة ، باشر غسان على نفقته الخاصة بعد حصوله على أتعابه من تلفزيون لبنان الإعداد مع الكاتب اللبناني والراحل أنطوان غندور بكتابة السيناريو ، وحيث ، اخرجه المخرج الراحل برج فازليان ، بتنفيذ تصوير العمل في المملكة الاردنية الهاشمية ، هناك حادثتين ، تلح الذاكرة على استحضارهما ، الأولى ، تُبلغ عن حجم مهنية وحرص الممثلين على إتقان العمل ، فقد لاقى مصيره الممثل الأرمني غاري غرابيديان أثناء استعمال الإخراج قنبلة دخانية لتصوير مشهد لعملية فدائية ، وبالرغم ، من خروجه سالما في أول الأمر ، إلا أنه ، أبى إلا أن يعود إلى موقع الحادث لإنقاذ زملائه فحُرق ومات مع البعض الآخر ، والحادث الثاني ، ظهر بشكل مفاجئ عند مشارف البيادر ، حين كان غسان وزملائه يصورون مشهد من مشاهد الفيلم ، توقفت سيارة ذات سقف مكشوف وترجل منها رجل بقامة ملك ، كان هو ، لا سواه ، الراحل ، الملك الحسين ، قد ، عزم على أن يشارك غسان والآخرين بعض الطعام والشراب على الرصيف ، وعندما استودعهم نظر في عيني غسان ، قال نعم صدقت ، كلنا فدائيون .
يتلعثم القلم من أين يبدأ ، فمحطاته كثيرة وقد لا تحصى ، ابتداءً بعلاقته المميزة والعميقة بالراحل ياسر عرفات وعلاقته الخاص مع الرئيس محمود عباس الذي أطلق عليه لقب فنان الشعب ومنحه وسام الدولة تقديراً لمساهماته وإنجازاته ، وعلاقته بأبو حسن سلامة ، وطائيته بالكرم ، كما كان يحلو أن يلقبه بحاتم الطائي ، هي ، سيرة ومسيرة ، حملت في طياتها العديد من الإبداعات ، ومنذ لقاءنا الأول كنت على الدوام أشاهد رجل منحوت ، كالرجل الروماني ، يحمل صخرة على كتفه ، العريض ، كصخرة سيزيف التى أعتقد البعض أنها مجرد عملية صعود وهبوط ، إلا أن ، غسان كان قد تأبط المستقبل ، عندما كان في مكان خفي يصنع بصمت ، الحاضر . ناضل الراحل وأنا أشهد ، بالكلمة والفن وكان منتمياً إلى قضيته حتى العظم وإلى أرضه المسلوبة ، وأحب لبنان وعشق شعبها المقاوم الذي فقد فيها من خلال اغتيال غادر وجبان ، أعز الناس على قلبه ، والدته وزوجته اللبنانية وابنه جيفارا دفاعاً عن كلمة حق ، قالها ولم يأبى ضميره ، أن يصطف في طابور الشيطان الأخرس ، ووجد في مصر أمّه التى فقدها ، حيث ، كانت له المكان الدافئ .
وأخيراً ، ابو جيفارا ، لقائنا عند الميزان ، ونحن نقف أمام العادل بحجتنا التى يمتلكها قلة من الأقوام التى تعاقبت على حياة الدنيا ، هي ، الدفاع عن الحق ، ومن هنا ، ادعو الرئيس الفلسطيني أبو مازن ، ليس كوني كاتباً ، لكن ، كوني ابن أخيك ، أن تطلب من الرئيس عبد الفتاح السيسي باسم الشعب العربي الفلسطيني وباسمك شخصياً ، أن يقف جندي عند جثمان الراحل كي يكفن بعلم فلسطين ، فنحن لدنيا غسان مطر واحد ، رحمك الله يا ابو جيفارا .
والسلام
كاتب عربي