
ذكرى الشهداء عبد الفتاح حمود و أحمد محمد قاسم الأطرش و منهل شديد
لواء ركن/ عرابي كلوب
الذكرى السابعة والأربعون للشهيد القائد/ عبد الفتاح عيسى حمود (أبو صلاح)
ولد عبد الفتاح عيسى حمود في قرية (التينة) قضاء الرملة عام 1933م، هاجر مع أسرته (والدته وإخوته) عام 1948م إلى غزة حيث أن والده كان قد انتسب إلى الجيش الأردني واستقر عمله في مخيم عقبه جبر، وفي غزة أكمل عبد الفتاح حمود الدراسة حتى حصل على الثانوية العامة ثم سافر إلى القاهرة ليكمل دراسته في جامعة القاهرة، كلية الهندسة- تخصص بترول، وخلال سنوات دراسته تزوج بتاريخ 12/7/1954م، ثم عاد لإكمال الدراسة حيث تخرج من الجامعة عام 1957م.
برز أثناء دراسته الجامعية كقيادي تجديدي داخل الاتجاه الإسلامي حيث انخرط في الإخوان المسلمين، وليكون أحد قيادات التيار الوطني الثوري الداعي إلى إبراز الشخصية الفلسطينية المستقلة.
ساهم عبد الفتاح حمود بشكل رئيسي في تأسيس رابطة الطلاب الفلسطينيين في القاهرة حيث شغل منصب نائب الرئيس لخمس سنوات متتالية، تلك الرابطة التي كان يرأسها ياسر عرفات في تلك الفترة ، حيث كانت أول عمل حقيقي لإعادة وجود فلسطين كقضية وشعب على خارطة الأحداث .
بعد تخرجه من الجامعة توجه إلى مخيم عقبه جبر حيث عمل مدرساً لفترة محدودة في مدارس الوكالة .
تعاقد المهندس عبد الفتاح حمود للعمل في مؤسسة البترول والثروة المعدنية في الدمام وأصبح رئيساً لشعبة التكرير والأنابيب ، ثم انتقل للعمل مع شركة الزيت العربية الأمريكية ( أرامكو ) في الظهران إحدى مدن المنطقة الشرقية للمكلة العربية السعودية ، وبعد وصوله إلى السعودية ترك جماعة الإخوان المسلمين حيث كان في تلك الفترة ينقب ويبحث بين الرجال عن أولئك الذين يستطيعون أن يرسموا معه ما يخطط له ، وكان أن التقى المهندس كمال عدوان الذي كان يعمل مهندساً للبترول في شركة ( أرامكو ) وكذلك التقى بالمهندس سعيد المسحال على هدف واحد وهو وجوب تحرير فلسطين بأيدي أبنائها وبالكفاح المسلح بعيداً عن الوصايا والتبعية العربية الرسمية التي أضاعت فلسطين .
من هنا يمكن القول إن كلاً من المهندس عبد الفتاح حمود والمهندس كمال عدوان والمهندس سعيد المسحال كانوا طليعة تنظيم حركة فتح في العربية السعودية وكانوا على اتصال دائم بأخيهم خليل الوزير في الكويت ، حيث بدأ المهندسون الدعوة لحركة فتح سراً بالاعتماد أولاً على مجلة فلسطيننا وعلى المنشورات والبيانات التي كانت تصدرها حركة فتح .
لقد بذل كل من عبد الفتاح حمود ورفاقه جهوداً خارقة لتدعيم ركائز حركة فتح في المنطقة الشرقية للعربية السعودية .
تقدم في نهاية العام 1963م للعمل في شركة شل بقطر من خلال مسابقة أجريت للمهندسين للعمل في مجال البترول وكان ترتيبه الأول على ستون مهندساً تقدموا لهذه المسابقة، وأصبح عبد الفتاح عيسى حمود أول مهندس عربي يقف على باب بئر بترول وهو تخصص لم يكن مسموحاً به لأي مهندس عربي سوى المهندسين الأجانب من الأمريكان.
تبعه بعد وصوله إلى قطر كل من المهندس كمال عدوان والمهندس سعيد المسحال ليشكلوا رصيداً تنظيمياً يدعم تنظيم حركة فتح في قطر.
اشتغل المهندس/ عبد الفتاح حمود مع شركة شل حيث عين نائباً لرئيس قسم العمليات البحرية.
أرسلته الشركة في دورة تدريبية عام 1966 إلى هولندا ، وكانت قطر المحطة المهمة في حياته التي قربت المسافة إلى ذلك المستقبل وتوضحت معالم جديدة أمام عينيه .
رافق عبد الفتاح عيسى حمود ميلاد حركة فتح منذ الخطوات الأولى لتأسيسها، فشارك فيها فكراً وتخطيطاً وتنظيماً وأنخرط في كل تفاصيلها.
شكل عبد الفتاح حمود مع المهندس كمال عدون وأخوة آخرين اللبنة الأولى لتنظيم حركة فتح في العربية السعودية، وأثناء انعقاد المؤتمر الأول لحركة فتح في دمشق الذي حضره عبد الفتاح حمود تحدث بإسهاب عن الثورة ومقتضياتها والتضحيات التي يفترض أن تقدم من أجل نجاحها وتحقيق أهدافها، وكان حديثه يمتلئ بالمصداقية والجدية، أثارت إعجاب الحاضرين، ولفت النظر إليه وإلى قدراته وقدمته لمن لم يعرفه في الماضي كقائد ومسؤول قادر على أن يتحمل المسؤولية، وفي هذا المؤتمر انتخب عضواً في اللجنة المركزية للحركة وأوكلت إليه مهمة (أمين سر إقليم الأردن).
استقال المهندس عبد الفتاح حمود من عمله في شركة شل بقطر في شهر أكتوبر عام 1967م حيث وضع أولاده وزوجته في سيارة الفولكس فاجن التي يملكها بعد أن باع أمتعته الشخصية وعاد إلى مدينة الزرقاء بالأردن يوم 9/10/1967م ونزل في بيت والده حيث استقر هو وزوجته وأولاده الخمسة في غرفة واحدة وصفها لأحد أصدقائه فقال (هل تعلم بأنني لا زلت أعيش بأولادي الخمسة وزوجتي في غرفة واحدة نتقاسم بلاطاتها لنفرش عليها الفرشات عندما يأتي الليل ولكنها في نفوسنا جميعاً أوسع من بيتنا في الدوحة، وأن أم صلاح أعتقد أنها ستتأقلم مع الحياة الجديدة، قد تتبرم بعض الشيء ولكن لا حيلة بيدي أو بيدها فأنا مصمم على هذا النهج من الحياة وهذا الأسلوب من العيش، عمري 35 عاماً ولكني أحس أنني ولدت من جديد، لكنني أنمو بسرعة كبيرة.
عندما أصبح المهندس عبد الفتاح حمود عضوا في اللجنة المركزية لحركة فتح وأمين سر إقليم الأردن اختار أسلوب عمله بنفسه ورسم برامج لقاءاته واتصالاته مستخدماً سيارته التي جاء بها من هولندا ، واختار نظام التقشف أسلوباً للتصرف بالمال ، وكان يرى ببعد نظره وفكره الثاقب أهمية تكوين جمعية لرعاية أسر الشهداء والمعتقلين والجرحى والمعاقين متذكراً معاناة عائلات شهداء الثورة الفلسطينية في عام 1936م وما سبقها وما تلاها من ثورات .
وفي رسالة أخرى لأحد الأخوة بتاريخ 17/12/1967م قال فيها: إنها حياة جديدة هذه التي بدأت الآن، إنني بدأت أجمع في فمي بصقة كبيرة لأقذف بها في وجه العام الماضي الأسود الذي أغرقني في الريالات الزائفة والآيس كريم والكوندشنات ، لقد كان شعاره طلقة على الحدود خير من ألف كلمة تقال ، إن عمري الآن أصبح خمس وثلاثون عاماً حيث تقول شهادة ميلادي ذلك ، ولكنني أمام نفسي أعتقد أنني ولدت حديثاً ، حديثاً جداً ، ولكني أنمو بسرعة .
كان المهندس عبد الفتاح حمود من الأعمدة الأساسية التي نهضت على أكتافها حركة التأسيس والبناء الفتحاوي، مارس عمله السري في الدعوة لحركة فتح معتمداً على مجله فلسطينياً والمنشورات والبيانات التي كان يوزعها على صناديق بريد الفلسطينيين، حيث كان القائد أبو جهاد يقول إن الشهيدين عبد الفتاح حمود وكمال عدوان هما من أبرز الأسماء التي نهضت على أكتافهم حركة التأسيس والبناء والتنظيم في بدايات الثورة حيث بذلوا جهداً خارقاً لتدعيم ركائز التنظيم لحركة فتح في العربية السعودية وفي ظل ظروف العمل السري.
كان عبد الفتاح حمود شعلة متعددة في الفطنة والذكاء وكان مثالياً آخر في حركة فتح ومثالاً للطهارة والنبل والهدوء والتضحية ونكران الذات، لقد عاش عبد الفتاح حمود متقشفاً إلى حد الكفاف مكتفياً بهذه الثروة الطائلة من الحب الجارف الذي كان يحيط به من الجميع طوال حياته وحتى لحظة استشهاده بتاريخ 28/2/1968م.
كان عبد الفتاح حمود على قناعة تامة بالثورة الشعبية وحرب الشعب وبهذا الخصوص قال (في الخامس من حزيران برهان على أن الجيوش يمكن أن تهزم والأنظمة تتهاوى، ولكن الثورة الشعبية وحرب الشعب مهما كانت الصعاب في طريقها لا يمكن أن تهزم، الآن الأنظمة في حالة سقوط والشعب في حالة نهوض وعلى الطليعة أن تمسك بالفرصة السانحة) ، كان عبد الفتاح حمود في تلك اللحظة قد أصبح متفرغاً في حركة فتح
كان المهندس عبد الفتاح حمود شاباً ذكياً لماحاً ، كريم النفس ، أبياً ، لا يقبل الضيم ، ولا يسكت على ظلم ، ولا يجامل ولا تأخذه في الحق لومة لائم ، كان أبو صلاح وطنياً عاشقاً لفلسطين متفرداً في صفاته الأخلاقية الحميدة العالية وفي حبه للتضحية والعطاء ، يؤثر الآخرين على نفسه ولو كان به خصاصة .
المهندس عبد الفتاح حمود كان مثالاً للعمل الدؤوب يمضي وقته متنقلاً بين منزله في مدينة الزرقاء ومكان عمله في عمان وأحراش جرش ، وكان حريصاً على صرف المال والمواد والحاجات في موقعها الصحيح مهما كانت الظروف لأنه مؤمن بأن مال الثورة توأم مال اليتيم ، فلا يجوز التصرف به إلا في حدود الضروريات ، كان أبو صلاح قائداً حكيماً ومتزناً صادق الوعد وفي العهد ، كان عبد الفتاح حمود رجلاً وجد ليبني وليؤسس ، فمن دوره في تأسيس وزارة النفط السعودية وأعمال شركة( أرامكو ) للبترول ،وشركة( شل ) للبترول كمهندس بترول ، إلى دوره في تأسيس حركة فتح إلى دوره في تأسيس جمعية أسر الشهداء .
كان المهندس عبد الفتاح حمود رجل مبادئ ، ورجال المبادئ كثيراً ما يدفعون بالجانب الذاتي إلى الخلف ليتصدر المشهد وجه القضية العامة وهي قضية فلسطين .
من أقواله (أن الأمل سيظل لا معنى له دون أن يسعى الإنسان بنفسه لتحقيق آماله).
(أخشى ما أخشاه في المستقبل أن يتحول التفرغ للعمل النضالي إلى وظيفة أو وسيلة لكسب العيش وبدلاً من أن تكون تضحية تصبح مكسباً ومغنماً وهذا سيفرز طبقة نفعية همها المحافظة على مكتسباتها ومواقعها بدلاً من أن تتسابق لإحراز إحدى الحسنين).
استشهد القائد المهندس/ عبد الفتاح عيسى حمود (أبو صلاح) بتاريخ 28/2/1968م نتيجة حادث سير في المفرق بالأردن، حيث كان في طريقه إلى الشام مكلف بمهمة لدى القيادة ، ونقل جثمانه إلى عمان حيث شيعت جنازته عشرات الآلاف من الجماهير الغفيرة التي أحبته لتواضعه ونبل أخلاقه ووجدت فيه القائد الصادق الأمين.
لقد صدقت يا أبا صلاح أيها القائد القدوة ، ورفعت هاماتك عالياً ، عندما انتصرت على نفسك الأمارة بالسوء ، وطلقت مفاتن الدنيا وأنت ما زلت في ربيع العمر يافعاً .
هذا ومن خلال حرص السيد الرئيس محمود عباس فقد منح سيادته المناضل الكبير المهندس المرحوم/ عبد الفتاح عيسى حمود وسام نجمة الشرف من الدرجة العليا تقديراً لدوره الوطني والنضالي.
رحمك الله يا أبا صلاح وأسكنك فسيح جناته إلى جوار الأنبياء والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً
ذكرى استشهاد أحمد محمد قاسم الأطرش
ولد/ أحمد محمد قاسم الأطرش في شفا عمر عام 1938م في عائلة عربية أصيلة وطنية مناضلة معتدة بالنفس والشهامة والكرم والوفاء، فوالدة/ محمد قاسم الأطرش شيخ عشيرة الأطرش ومن المناضلين البارزين في ثورتي 1936- 1939م حيث شارك في عدة عمليات فدائية ضد اليهود.
بعد أن حلت النكبة بالشعب الفلسطيني عام 1948م وشرد من دياره إلى المنافي هاجرت أسرته إلى دمشق حيث أكمل دراسته الأساسية والثانوية فيها، وبعدها انتسبت إلى كلية الآداب في الجامعة اللبنانية.
التحق أحمد الأطرش بحركة فتح عام 1964م حيث شارك في عمليات العاصفة الأولى انطلاقاً من جنوب لبنان وكان يقوم بإرسال الدوريات الفدائية عبر الحدود اللبنانية إلى داخل الأرض المحتلة.
أشرف أحمد الأطرش عام 1964م على الأعداد الأول لدورة عسكرية أقيمت سراً في طرابلس شمال لبنان، حيث ضمت هذه الدورة اثنى عشر متدرباً من حركة فتح وكان التدريب في مسمكة تخص شخص يدعى (غالب طمبوزة).
بعد أن قام الأخ/ أبو جهاد الوزير بترتيب أول دورة عسكرية للضباط في الجزائر قام أحمد الأطرش بترشيح كل من على عباس وأخيه زياد الأطرش للالتحاق بهذه الدورة.
كان أحمد الأطرش من أبرز القيادات العسكرية على الساحة اللبنانية في ذلك الوقت وخاصة داخل المخيمات الفلسطينية في جنوب لبنان.
ركز أحمد الأطرش نشاطه على الأعداد العسكري والانطلاق للعمليات الفدائية من جنوب لبنان
عندما انتقل الأخ/ أبو جهاد وأسرته من الجزائر إلى لبنان عام 1965م حول منزله في بيروت إلى مستودع للأسلحة والذخائر، وكان أحمد الأطرش هو الذي يتولى الاتصال مع الأخت/ أم جهاد لاستلام الأسلحة منها ومن ثم نقلها إلى الفدائيين في جنوب لبنان.
يقول الأخ/ زكريا عبد الرحيم (أبو يحيى) أنه كان يقوم بشراء الأسلحة والمتفجرات في لبنان وكان يعطي نصفها للأخ/ أحمد الأطرش والنصف الثاني كان يسلمه للأخ/ أبو عمار الذي كان ينقلها بسيارته الفوكلس واجن سوداء اللواء إلى دمشق.
بعد اعتقال جلال محمد كعوش واستشهاده في أقبيبة المخابرات اللبنانية المكتب الثاني من جراء التعذيب، بدأت المخابرات بالبحث عن أحمد الأطرش حيث تم اعتقاله ومكث في المعتقل لمدة خمسون يوماً ذاق خلالها أبشع أنواع التعذيب كي يدلي بمعلومات أو يعترف إلا أنه صمد في وجه ذلك مما اضطرت أجهزة الأمن للإفراج عنه، فصدرت إليه تعليمات بالمغادرة إلى دمشق.
انتقل أحمد الأطرش إلى سوريا وانخرط على الفور في مجال العمل العسكري مع الشهيدين أبو صبري صيدم وأبو علي إياد، حيث استمر في تنظيم الدوريات الفدائية المرسلة إلى داخل الأرض المحتلة.
على أثر أزمة النقيب البعثي/ يوسف عرابي بتاريخ 9/5/1966م والتي أدت إلى مقتله واتهام قيادة حركة فتح بذلك واعتقالها لدى المخابرات السورية أوكلت مهمة قيادة حركة فتح لكل من الأخت أم جهاد والأخ/ أبو علي إياد والأخ/ أحمد الأطرش، حيث تولت اللجنة القيادة الجديدة، وكان نصب أعينها العمل في اتجاهين الأول هو السعي لتكثيف الاتصالات بهدف الإفراج عن القيادة المعتقلة والثاني السعي لتثبيت أوضاع الحركة ومواصلة العمل العسكري وكان للاتجاهين معاً دوراً بارزاً في تغيير مسار هذه القضية، حيث مكثت قيادة الحركة في السجن لمدة ثلاثة أشهر والباقي مكث لمدة خمسة أشهر.
هذه الحادثة وضعت مصير حركة فتح والقضية الفلسطينية في دائرة الخطر وفي مهب الإعصار، حيث سرعان ما تكشفت نوايا القوى التي دفعت باتجاه تفجير تلك الأزمة التي كان يراد منها السيطرة على قيادة قوات العاصفة في دمشق بقوة السلاح.
كان أحمد محمد الأطرش من أبرز قيادات العمل الوطني الفلسطيني في المجالين التنظيمي والعسكري وبشكل خاص في مخيمات اللاجئين في جنوب لبنان.
لقد استمرت المساهمة البارزة للشهيد/ أحمد الأطرش في قيادة العمل العسكري والإعداد للدوريات حتى تاريخ استشهاده الواقع بتاريخ 28/2/1967م.
بتاريخ 28/2/1967م وأثناء إشراف كل من أحمد الأطرش ومنهل شديد وأبو علي إياد على تدريب عسكري للمقاتلين في معسكر الهامة الواقع بضواحي مدينة دمشق وأثناء التدريب انفجر اللغم الذي كانوا يتدربون عليه مما أدى إلى استشهاد كل من/ أحمد الأطرش ومنهل شديد وأصيب الأخ/ أبو علي إياد إصابة بالغة في عينه وساقه التي استعاض عنها بعصا.
تم توديع الشهيدين/ أحمد الأطرش ومنهل شديد بما يليق بهما حيث شاركت جماهير شعبنا الفلسطيني في دمشق بوداع الشهيدين وكذلك شارك الأخ أبو جهاد الذي ابن الشهيدين وألقى قصيدة حماسية بعد مواراتهم الثرى.
رحم الله شهيدنا البطل / أحمد الأطرش والشهيد منهل شديد وكل الشهداء الأكرم منا جميعاً وأسكنهم فسيح جناته.
ذكرى الشهيد منهل توفيق مكاوي شديد
منهل توفيق مكاوي شديد من مواليد بلدة علا – بالضفة الغربية عام 1942م درس في مدارسها المرحلة الابتدائية والإعدادية وتحصل على الثانوية العامة فيما بعد عام 1960م حيث عمل مدرساً آنذاك.
بعد نيل الجزائر استقلالها عن فرنسا وفي الثالث والعشرين من شهر سبتمبر عام 1963م صدر قرار من رئاسة الجمهورية الجزائرية بممارسة مكتب فلسطين بالعاصمة الجزائرية لنشاطه العام في خدمة القضية الفلسطينية، لقد كان تأسيس مكتب فلسطين في الجزائر هو أول تجسيد عملي وعلني ملموس لحركة فتح.
يقول القائد/ أبو جهاد لقد كانت المهمة الأولى لهذا المكتب هي فتح الأبواب أمام مئات الطلبة الفلسطينيين للالتحاق بالجامعات الجزائرية وكذلك فتح الأبواب أمام مئات المعلمين الفلسطينيين ليقوموا بعملية التعريب والتدريس في الجزائر، فضلاً عن أعمال أخرى عديدة كانت الجزائر بحاجة ماسة لها بعد الاستقلال.
منهل شديد كان من أولئك المدرسين الذين حضروا إلى الجزائر ليعمل مدرساً هناك ويساهم في عملية التعريب حيث عمل لمدة وجيزة في مدارسها.
التحق منهل توفيق شديد بحركة فتح عام 1964م عن طريق الأخ / أبو جهاد ورشح إلى أول دورة للضباط الفلسطينيين في كلية شرشال العسكرية، حيث طلب الأخ أبو جهاد من الحكومة الجزائرية المساعدة في الإعداد والتدريب العسكري لعقد دورات عسكرية في الجزائر ومنها طلبة إدخال بعض المدرسين والطلبة إلى الكلية، حيث وافقت الحكومة الجزائرية على الطلب وعقدت أول دورة عسكرية للضباط في كلية شرشال في بداية عام 1965م حيث كان عدد المتدربين عشرون شاباً من أبناء تنظيم حركة فتح ومن بينهم على سبيل المثال لا الحصر كل من الشهيد/ زياد الأطرش، مصطفى وافي، فوزي أبو سكران، علي عباس، محمود عرسان، والشهيد/ منهل شديد وآخرون، واستمرت الدورة لمدة عام كامل أعقبها التدريب المكثف لمدة شهرين في دورة وحدات خاصة ومن ثم جرى الاحتفال بتخريج أول مجموعة من الضباط الفلسطينيين في شهر فبراير عام 1966م، وقام الرئيس الجزائر الراحل/ هواري بومدين بتخريج تلك الدورة.
عاد عام 1966م الملازم/ منهل توفيق شديد إلى دمشق وانيطت به مهمة الإعداد للعمليات العسكرية والتدريب للأرض المحتلة.
أسهم منهل شديد في تجنيد وإلحاق عدد من أبناء شعبنا الفلسطيني في حركة فتح، قاد منهل شديد التدريب العسكري في معسكر تدريب الحركة بإلهامه في سوريا، وأثناء قيامه بتدريب مجموعة من الفدائيين على كيفية استخدام الألغام المضادة للآليات والدبابات، قام بفك أمان اللغم وطلب من المتدربين الابتعاد عن المكان حفاظاً على أرواحهم حيث أصبح اللغم جاهز للانفجار في هذه اللحظة انفجر اللغم أثناء الشرح وذلك نتيجة الضغط عليه مما أدلى إلى استشهاد كل من الملازم/ منهل توفيق مكاوي شديد وأحمد محمد قاسم الأطرش وإصابة الأخ/ أبو علي إياد إصابة بالغة في عينه وساقه.
لقد مضى الشهيد البطل/ منهل توفيق شديد إلى جوار ربه مكللاً بالغار والفخار، هذا وقد تم مواراة جثمانه الطاهر مع الشهيد/ أحمد الأطرش في المقبرة بدمشق بعد أن تم الصلاة عليهما حيث شاركت جماهير غفيرة من أبناء شعبنا الفلسطيني والسوري في وداع الشهيدين إلى مثواهم الأخير وبما يليق بهما.
وقد شارك الأخ أبو جهاد في الجنازة والقى مقاطع من قصيدة يقول فيها:
- بعث الشهيد ودحرج الحجر.
- من قال إني لاجئ كفر.
- مزقت أكفاني وهاآنذا خلف الحدود أجابه الخطر
لقد كان الشهيد/ منهل شديد متحمساً حيث كان يدرك أن مهمته الأساسية للتدريب والتحضير والإعداد يشكل بذلك الرصيد الأساسي للقواعد الارتكازية والعمليات البطولية.
كان منهل شديد صاحب نظرة أخويه للتربية حيث توجه بحسه ووعيه إلى تربية الأجيال الذين أصبحوا الآن قادة عسكريين.
لقد كان الشهيد/ منهل شديد رجل العمل والممارسة يحضر لدوريات القتال والاستطلاع ودوريات العمق في تلك الفترة بعد الانطلاقة مباشرة، وكان يشرف على التفاصيل والأهداف، وكان يجسد بنضاله وحركته الدؤوبة الفكر الوطني الثوري الصادق الذي أطلقته حركة فتح في الفاتح من يناير عام 1965م، فكان مع المقاتلين منذ انطلاقة هذه الثورة العملاقة حتى سقط شهيداً.
رحمك الله يا شهيدنا البطل/ منهل توفيق شديد ورفيق دربك الشهيد / أحمد محمد الأطرش وأسكنهما الله فسيح جناته.