صائد الأفاعى " الحلقة الثالثة ": مرسى طلب من المشير طنطاوى التوسط لتخفيف الصدام مع السيسي

تابعنا على:   13:48 2013-11-26

القاهرة / كتب محمد الباز / المواجهة الكبرى بين الجيش والإخوان جاءت بعد تسريب شائعة السيسى الذى اعتبر اقتراب النظام منه انتحارا سياسيا

السيسى رفض فى 3 يوليو عرض الاستفتاء مرة أخرى على مرسى لأنه أدرك أن الشعب لن يمنح الرئيس فرصة ثانية وأن الملايين الثائرة لن تقبل التفاوض

 لم يكن محمد مرسى ولا أهله ولا عشيرته يحبون المشير طنطاوى ولا غيره من قادة الجيش المصرى، ولم تكن كلمات الثناء والإطراء التى يتفوه بها فى المناسبات العامة إلا حيلة يدارى بها كراهيته لقيادات القوات المسلحة الذين لم يتخلص الإخوان من إحساس أنهم فى النهاية ليسوا إلا قيادات مؤسسة كان لها دور كبير فى حصار الجماعة وحماية مصر منها.

كان مرسى والذين معه يعرفون جيدا أنه إذا كانت قيادات الجيش قبلته رئيسا رغم انتمائه للإخوان، فإنها فعلت ذلك احتراما للشعب الذى اختار «رغم ما شابت عملية الاختيار من خداع وتزييف للوعى وتوظيف كاذب لاسم الله»، لكن هذا لا يعنى أنها يمكن أن تصمت على محاولات الجماعة لأخونة الدولة ومحو هويتها وإقصاء الجميع من أجل أن يظل رجالها على رقاب المصريين إلى الأبد.. من اليوم الأول لمرسى فى الحكم - وربما من قبله - والجماعة تدرك أنها لن تستطيع تطويع الجيش أو إدخاله فى بيت طاعتها.

وقد يكون ما فعله محمد مرسى بعد عزل المشير طنطاوى والفريق سامى عنان من منصبيهما دالا على ذلك، وموحيا به.

الواقعة تشير إلى أن رئيسا أقصى وزير دفاعه ورئيس أركان حرب الجيش، وجاء بقيادات جديدة، صحيح أن إخراج المشهد كان يحمل إهانة بالغة للرجلين الأول والثانى فى الجيش المصرى - وهو ما لم يتم الاتفاق عليه - إلا أنه لا يخرج عن كونه استبدالا بقيادات أخرى أكثر شبابا واستحقاقا وقدرة على العمل.

وقف محمد مرسى وسط أنصاره خطيبا فى نفس اليوم احتفالا بليلة القدر واعتبر أن ما فعله لم يكن قراره ولكنها كانت كلمة الله، ثم زف البشرى لأصحابه بأنه أنهى بذلك حكم «العسكرى»، فى حالة من خداع النفس متكاملة الأركان، لكن مرسى كان يبحث عن أى نصر حتى لو كان صغيرا أو مزيفا، حتى يثبت لنفسه ولجماعته أنه أصبح القوى والمسيطر على الجيش الذى لم يكن يرحب بأعضاء الإخوان فى صفوفه، وذلك طعنا فى وفائهم وإخلاصهم ووطنيتهم.

هذا الشعور الجارف من الكراهية لم يمنع محمد مرسى أن يدق باب المشير طنطاوى مرة أخرى.

كان الرجل الكبير وبعد خروجه من منصبه قد اعتزل الحياة العامة تقريبا، أصابته حالة عامة وكاملة من الإحباط، كان يعتقد أنه سيحصل على التكريم الذى يليق به، فهو أوفى بوعده عندما سلم السلطة لرئيس مدنى، وهو الذى أدار الفترة الانتقالية محافظا على ألا تقع أخطاء كبرى، وهو من البداية الذى وقف إلى جوار الثورة وحمى الشعب ولم يستجب لمبارك عندما طلب منه التصدى للثوار.. فليس طبيعيا ولا عادلا - من وجهة نظره بالطبع - أن يتم عزله بهذه الطريقة المهينة.

حرص طنطاوى على شيئين منذ خرج من منصبه، الخروج إلى نادى المشاة القريب من منزله كل يوم جمعة، يلتقى هناك أصدقاءه والمقربين منه، والتردد على مستشفى المعادى العسكرى مرة كل أسبوعين تحديدا يوم الاثنين لإجراء بعض الفحوصات الطبية والتحاليل.. وقد توقف تقريبا عن التردد على المستشفى بعد أن تم وضع مبارك تحت الإقامة الجبرية، فالمشير الذى أخرج الرئيس من منصبه لا يريد أن يقف فى مواجهة مع من يعتقد أنه خانه حتى لو كانت مواجهة بالصدفة البحتة.

حرص طنطاوى أيضا على ألا يتحدث كثيرا، كان يرد على كل من يسأله عن أحوال البلد وما يجرى فيها على يد مرسى بجملة واحدة فقط، هى: إن شاء الله كل الأمور هتكون تماما.. اللى جى خير، دون أن يزيد على ذلك شيئا.

وسط حالة الصمت والعزلة هذه وجد طنطاوى نفسه فى قلب الأحداث من جديد.

وهنا أنقل هذه الواقعة المنشورة فى جريدة المصرى اليوم فى 7 يوليو 2013، وهذا نصها: «قالت المصادر: الرئيس المعزول حاول خلق انشقاق داخل المؤسسة العسكرية، من خلال الاتصالات بقيادات عسكرية دون علم السيسى، للوقوف على قيادة تخلف وزير الدفاع، وأن أحد القيادات العسكرية أبلغ الفريق السيسى باتصال مرسى، وأن مرسى حاول اللجوء للمشير طنطاوى وزير الدفاع السابق، إلا أن الأخير رفض، وقال إن القوات المسلحة فصيل واحد لا يمكن اجتزاؤه، فطالبه مرسى أن يتدخل للتخفيف من عبء الصدام مع السيسى، لكن المشير لم يستجب».

لم ينف أحد هذه الواقعة، ولم يعلق عليها مصدر عسكرى لا معروف ولا مجهول، وهو ما يقطع بصحتها، وهو ما يعنى أن مرسى وصل فى علاقته بالسيسى إلى مرحلة من اليأس دفعته إلى التفكير للاستعانة مرة أخرى بالمشير طنطاوى وزيرا للدفاع، ورغم أنه كان تفكير اليائس، إلا أنه أيضا كان تفكير الخبيث، فقد يكون تعامل مع الأمر وقتها على أن طنطاوى هو الوحيد الذى لا يمكن أن يخرج عليه السيسى أو يغضب من عودته لوزارة الدفاع فهو له بمثابة الأب، وهو ما فطن إليه طنطاوى، بل رفض أيضا أن يتوسط لتخفيف الصدام بين الرئيس ووزير الدفاع، ربما لمعرفته بأن السيسى سيستجيب له، وهو ما لم يكن طنطاوى يرغب فيه، فالجميع كان يرغب فى وصول الصدام إلى قمته حتى ينتهى كابوس حكم الإخوان.

كان السيسى يعرف جيدا ما الذى يفعله الإخوان، كان يرصد تحركاتهم من حوله، لكنه لم يهتز، لم يستطع أحد من قيادات الجماعة الذين يلتقون به وعلى رأسهم محمد مرسى أن يعرفوا موقفه الحقيقى، أو يخمنوا ما الذى يمكن أن يقدم عليه فى خطوته القادمة، وهى ميزة اكتسبها السيسى من عمله فى جهاز المخابرات الحربية.. لا أحد يمكن أن يعرف بسهولة رأيه أو موقفه الحقيقى.. تعبيرات وجهه محايدة صعب أن تعرف ما يخفيه صاحبها.

يطلق المتخصصون فى علم النفس السياسى على الذين يخفون مشاعرهم وآراءهم ومواقفهم وراء وجه ثابت الملامح لا تتغير، أنهم أصحاب وجه لاعب البوكر.. ويبدو أن هذا الوجه تحديدا هو الذى استطاع به عبدالفتاح السيسى أن يدخل الإخوان فى مصيدته التى لن يخرجوا منها إلى الأبد.

تعامل السيسى مع الإخوان منذ اللحظة الأولى التى أصبح فيها وزيرا للدفاع يقودنا إلى المفتاح الثالث لشخصيته، وهو مفتاح الجرأة المطلقة.

لم يخطئ الحس الشعبى هذه الصفة فى السيسى، التقطها ربما من اللحظة الأولى التى أطل فيها يعلن عزله لمحمد مرسى من منصبه نزولا على رغبة الشعب المصرى الذى خرج إلى الميادين بالملايين، فأشار إليها فى الأغنية التى أصبحت أيقونة للثورة رغم تهافتها - تسلم الأيادى - ففيها تحية إلى «الرجل الجرىء».

سترتبط الجرأة بعبدالفتاح السيسى طويلا، وربما سيتوقف هذا على القرار الذى من المفروض أن يأخذه حيال ترشحه للرئاسة، وهو المطلب الذى يطارده به الكثيرون، بل أصبح سؤال: هل يترشح أم لا؟ هو الأكثر إلحاحا على الحياة السياسية المصرية، فلو قرر أن يكمل لتأكدت شجاعته، خاصة أنه يدرك حجم الدمار الذى خلفه مبارك والإخوان وراءهم، ثم أنه لن يكون مقبولا منه أن يتحجج بأى شىء.. فالمصريون يتوقعون منه المعجزات، وهو ما يجعله فى مأزق حقيقى، فلا يستطيع أن يتقدم.. ولا يستطيع أن يتأخر.

قد تعجبك شجاعة السيسى وتنشد فيها القصائد، لكن ما فعله يتجاوز الشجاعة التى تتطلب من صاحبها أن يتصرف بعد أن يحسب لخطواتها موضعها، ما فعله جرأة، وهى تلك التى يتصرف صاحبها دون أن يلتفت وراءه، لا يحسبها كما يقولون، فهو يقرر وينفذ ثم يتعامل مع رد الفعل مهما كانت خطورته أو ضخامته، صاحب الشجاعة ينجح، لكن صاحب الجرأة يصنع التاريخ، وهو ما فعله السيسى تحديدا، فقد أعاد رسم خريطة المنطقة من جديد، أوقف مخططا هائلا كانت تخطط الجماعة من خلاله لحكم المنطقة كلها، وليس مصر وحدها لخمسة قرون كاملة.

جرأة السيسى هى التى جعلته لا يصمت على ما تردد عن انتمائه لجماعة الإخوان المسلمين، لم يكن الأمر مجرد شائعات يتداولها المصريون فى جلساتهم الخاصة، بل تحول إلى ما يشبه اليقين، وهنا لا أضع يدى على ما تناولته وسائل الإعلام المصرية، بل سأستند إلى ما كتبه «دانيال بابيس» وهو باحث أمريكى ينشر دراساته ومقالاته فى مجلة «ناشيونال إنتريست».

بعد إقالة طنطاوى وتصعيد السيسى كتب «بابيس» أن نفوذ ضباط الجيش المتعاطفين مع الإخوان أكبر مما تخيل الجميع، فهؤلاء إما أعضاء بالجماعة بشكل صريح، أو متعاطفون معها لكن الجماعة تنكر عليهم عضويتهم، ولأن السيسى متعاطف مع الجماعة فهى تنكر عضويته، لكن أحد القادة أخبر بابيس - كما ادعى هو - بأن السيسى ينتمى إلى أسرة الجماعة الرسمية.

وحتى يؤكد بابيس انتماء السيسى لجماعة الإخوان المسلمين فقد أشار إلى أنه شارك فى إجهاض انقلاب عسكرى كان يخطط له طنطاوى وعنان ضد مرسى فى 24 أغسطس 2012، كلامه هو كما قاله: «تمكن السيسى كرئيس للمخابرات الحربية من الحصول على معلومات حول انقلاب 24 أغسطس، وتعقب المسؤولين العسكريين الموالين لطنطاوى وفصلهم، وهناك شواهد أخرى تؤكد كلامى، فطارق الزمر القيادى الجهادى وأحد مؤيدى مرسى، وهو ضابط سابق بالقوات المسلحة اعترف بأن اختيار السيسى كان يهدف لإجهاض انقلاب عسكرى على مرسى».

وهنا لابد أن نتوقف قليلا أمام ما قاله الباحث الأمريكى ليس بسبب أهميته ولا دقته، ولكن بسبب حالة التشوش والتشوه الكبيرة التى تعترى كلامه.

أولا: لدى الباحث الأمريكى معلومات مغلوطة، فهو يخلط بين طارق الزمر وابن عمه عبود الذى كان ضابطا فى القوات المسلحة وتحديدا فى المخابرات الحربية، ولم يكن طارق كذلك أبدا، لكنه أضاف لطارق هذه الصفة ربما ليضفى على ما ذهب إليه بخصوص السيسى بعضا من المصداقية، فقد حصل على المعلومة من أحد مؤيدى مرسى الكبار وأحد ضباط الجيش السابقين كما يدعى.

ثانيا: لا نعرف على وجه التحديد من كلام بابيس، هل أصبح السيسى وزيرا للدفاع لأنه كشف محاولة انقلاب طنطاوى وعنان على محمد مرسى، وذلك من خلال المعلومات التى توفرت له من خلال عمله مديرا للمخابرات الحربية، أم أن مرسى استخدمه بالأساس لإفشال الانقلاب، وكانت المكافأة هى تعيينه وزيرا للدفاع؟ فالفارق بينهما - إذا كان هذا حدث من الأساس - يعنى الكثير.

ثالثا: لو فرضنا جدلا أن السيسى كشف محاولة انقلاب على مرسى، أو أن مرسى هو الذى عرف بالمحاولة واستخدم السيسى فى إبطالها، فهل كان معقولا أن يتم تكريم من خططوا للانقلاب بمنح طنطاوى قلادة النيل وعنان وسام الجمهورية، لماذا لم يقم محمد مرسى بمحاكتمهما.

إننى أعذر الباحث الأمريكى بالطبع.. لأن مصادره جميعها من الإخوان المسلمين ومن يؤيدونهم، فقد حاول محمد البلتاجى من خلال حوار أجرته معه جريدة الشروق أن يوحى للجميع - وكان الحوار بعد أيام قليلة من عزل طنطاوى وعنان - أنه كانت هناك محاولة للانقلاب على الرئيس المدنى المنتخب، وأن ما حدث كان تصحيحا للأوضاع، وأن الرئيس سوف يكشف تفاصيل محاولة الانقلاب هذه، لكن مرت الأيام والشهور وخرج مرسى من قصر الاتحادية دون أن يكشف شيئا، ودون حتى أن يشير إلى أدنى شىء عن المؤامرة والانقلاب عليه، وهو ما يعنى أن الجماعة كانت تروج لهذا السيناريو من باب صنع بطولة لرئيسها.. فهو يقظ يكشف المؤامرات ويبطل مفعول محاولات الانقلاب.

لقد نشرت سيناريو هذا الانقلاب الذى روج له الإخوان المسلمون فى حينه، وكانت هناك بالفعل إشارات إلى أن ثلاث جهات رصدت مكالمات تليفونية بين طنطاوى وعنان من بينها جهة أمريكية، وكانت المكالمات تدور حول استغلال مظاهرات 24 أغسطس التى دعا إليها أيامها السياسى محمد أبوحامد ودعمه فيها الإعلامى توفيق عكاشة، على أن تكون هذه المظاهرات مناسبة لعزل محمد مرسى، وكان هناك اعتقاد أن هذه المظاهرات يمكن أن تكون بالملايين كما روج لها أصحابها.. وأن الجهات الثلاث التى رصدت المكالمات قدمتها لمحمد مرسى الذى تصرف على الفور، حيث استدعى طنطاوى وعنان وبعض أعضاء المجلس العسكرى، وبعد أن عرض المعلومات التى حصل عليها، خير طنطاوى وعنان بين محاكمتهما أو عزلهما دون اعتراض منهما، ودون أن يتحدث أحد منهما بعد خروجه إلى الإعلام، وقد حاول الإخوان المسلمون التأكيد على صدق هذه الرواية أن طنطاوى وعنان اختارا الصمت صمتا تاما بعد أن خرجا من قصر الاتحادية.

نشرت هذا السيناريو وقتها وأنا غير مقتنع به على الإطلاق، ووضعت على هامشه مجموعة من التساؤلات، كان أهمها لماذا عفا محمد مرسى عن طنطاوى وعنان إذا كانت لديه بالفعل أدلة تدينهما؟ هل هو الآخر مدان فيما يعرفه عنه طنطاوى وعنان، ولذلك اختار الجميع الخيار الأصلح وهو الصمت؟ وبالطبع لم يرد أحد.

كان يمكن لعبدالفتاح السيسى أن يصمت على ما يتردد عن إخوانيته، لكنه قرر أن يواجه الأمر وبحسم، لم يتحدث هو، بل ترك أدمن الصفحة الرسمية للقوات المسلحة على الفيس بوك ليرد، كان الرد حاسما من خلال رسالة واضحة عنوانها، ويبقى السؤال الحائر.. ماذا يريدون من القوات المسلحة.. ومتى تهدأ مصر؟ وكان هذا بعض ما جاء فيها:

وصفت الرسالة كل من حاولوا إيهام الشعب المصرى بأن وزير الدفاع الجديد عبدالفتاح السيسى هو رجل الإخوان، وأنه قد غدر بأعضاء المجلس العسكرى السابقين بأنهم مجموعة من الحمقى، لأن وزير الدفاع تقلد كل مناصبه القيادية فى عهد المجلس الأعلى السابق وحتى الوصول إلى منصب مدير المخابرات الحربية، وأنه تقلد منصب مدير المخابرات الحربية فى عهد الرئيس السابق، والذى لابد من موافقته حتى يتم تعيين مدير المخابرات الحربية، والجميع يعرف مدى عداء النظام السابق للإخوان المسلمين، ومن الواضح أن كل من يلتزم دينيا أو أخلاقيا أصبحوا يعتبرونه من التيار الإسلامى أيا كان الفصيل.

أراد السيسى من خلال أدمن الصفحة الرسمية للقوات المسلحة أن ينفى إخوانيته، بدليل قاطع فلو أنه كان كذلك، أو لو أنه كان مجرد متعاطف معهم لما استطاع أن يترقى داخل القوات المسلحة ولما أصبح مديرا للمخابرات الحربية.

هل أسعد هذا الإخوان المسلمين؟

 بالطبع لا، فقد رأوا فيه متمردا ومصرا على أن يعلن استقلاله عن جماعتهم، وكان يمكن له أن يصمت تماما، لكنه لم يترك أى فرصة ليؤكد تحديه للجماعة ولرئيسها إلا وانتهزها.

وهنا نشير إلى واقعة أخرى ليست دليلا على تحدى السيسى فقط للإخوان، ولكن على جرأته البالغة فى مواجهتهم، كانت الجماعة قد كثفت الشائعات التى تشير إلى أن محمد مرسى على وشك حسم قراره بإقالة الفريق عبدالفتاح السيسى، ورغم أن الأمر لم يخرج عن كونه مجرد شائعة فإن السيسى تعامل معها بجدية شديدة، وكان الرد هذه المرة عبر مصدر عسكرى صرح لبعض الصحف دون أن يفصح عن هويته.

كان التصريح الأول: الجيش لن يسمح بتكرار سيناريو خروج المشير طنطاوى والفريق سامى عنان مع الفريق أول عبدالفتاح السيسى.

وكان التصريح الثانى: المساس بقادة القوات المسلحة خلال الفترة الراهنة سيكون أشبه بحالة انتحار للنظام السياسى القائم بأكمله.

لم تكن هذه تصريحات لمصدر عسكرى عابر، بل كانت غضبة من السيسى شخصيا، أعلن فيها أن العبث مع الجيش وقيادات القوات المسلحة ليس له رد إلا نهاية النظام القائم.. لأنه بذلك يقدم على الانتحار، ولأن محمد مرسى أدرك أن الغضبة حقيقية فقد تراجع على الفور، وخرج يمتدح الفريق السيسى ويثنى عليه.

المواجهة بين السيسى والإخوان المسلمين كانت مبكرة إذن.. وإذا كان هناك من يتردد فى الإشارة إلى هذه المواجهة الآن حتى لا يقال إن السيسى كان يخطط للإزاحة بمرسى مبكرا فيستغل ذلك فى الإساءة إلى الثورة والتعامل معها على أنها انقلاب، فإننا لا نتحرج الآن.. فقد كان قائد الجيش يعرف جيدا أن هذا النظام لن يستقيم ولن يصلح من الأمر شيئا، وأنه حتما سيسير إلى مصرعه.. ولم يكن أمامه إلا أن يمد له من حبل الغى حتى يشنق به نفسه.

قد يدفع البعض بأن السيسى رجل المخابرات والمعلومات لا يمكن أن يخطو خطوة دون أن يحسب لها حسابا، ودون أن يكون قاس رد الفعل جيدا، وعرف كيف سيواجهه، وبذلك فهو إلى الشجاعة أقرب من الجرأة، لكن ما سارت إليه الأمور بعد ثورة يونيو يؤكد أن الجرأة هى التى حركته، لم ينظر إلى رد فعل جماعة تنتزع نزعا من السلطة بكل مكاسبها، ولم ينظر إلى رد الفعل العالمى وهو يعرف جيدا أن هناك حلفاء للجماعة ومن مصلحتهم أن تستمر فى السلطة، نظر فقط إلى أن هناك شعبا يريد أن يتخلص من حكم فاشى ورئيس فاسد فقرر أن يستجيب وليكن ما يكون.

لقد عرض كثير من الذين اجتمع معهم الفريق السيسى يوم 3 يوليو وهو اليوم الذى انتهت فيه مهلة الـ48 ساعة أن يتم السعى لدى مرسى لقبول الاستفتاء على استمراره فى الرئاسة من عدمه، لكن السيسى رفض الفكرة من الأساس، ليس لأن مرسى سيرفضه لعلمه أنه لا يمكن أن يربح فى هذا الاستفتاء، ولكن لأن السيسى كان يعرف جيدا أن الشارع لم يعد يقبل بفكرة الاستفتاء، فقد انتهى مرسى يوم 2 يوليو الذى خرج ليتحدث عن الشرعية فى مواجهة الملايين التى خرجت تطالبه بالرحيل.. وهو ما أدركه السيسى فقرر أن مرسى لابد أن يرحل مهما كانت النتائج.

هناك من بين صفات عبدالفتاح السيسى ما يدعم جرأته.. فهو شخص من الصعب أن يباغته أحد، لا يمكن أن تفاجأه بشىء، ولذلك يدخل المغامرة ويصل إلى أقصى درجات خطورتها دون أن يخاف، فكل ما ستسفر عنه الأحداث سيواجهه، وهو ما يعتمد عليه كثيرون من المقربين منه ويجزمون أنه فى النهاية سيرشح نفسه للرئاسة.. فليس هو الشخص الذى يترك مشكلة هو أحد أطرافها فى نصف الطريق ويمضى.

 

اليوم السابع

 

 

اخر الأخبار