معنى التوقيت الغربي لمقابلات الأسد

تابعنا على:   10:18 2015-02-18

غازي دحمان

باتت لقاءات الرئيس السوري بشار الأسد مع وسائل الإعلام الغربية تثير تساؤلات حول توقيتها ومحتوياتها، تتعدى كونها مجرد تعبئة مساحات إعلامية، أو حتى مسألة تسليط الضوء على نزاع يحتل مكانة ما لدى الرأي العام الغربي. لو كان الأمر كذلك لجاءت هذه اللقاءات ضمن سياق إعلامي أوسع ومن دون تلك الضجة الإعلانية التي ترافقها.

ولكي نكون واقعيين لا بد من الإعتراف ان الطاقم الإعلامي المحيط بالأسد هو الذي يختار توقيت إجراء هذه المقابلات بناء على طلبات مقدمة من وسائل إعلام غربية وتجري المفاضلة بينها، من حيث إختيار توقيت إجرائها، بناء على تقديرات تتعلق بدرجة فعاليتها وإنتشارها، ولكن أيضا لأن إجراءها وبثها في هذا التوقيت يلبي ربما حاجة غربية لدى مجتمعات تتعامل مع الإعلام بمنطق الرشادة الذي تتعامل به مع السوق، ولا شك أن القائمين على تسويق المنتج الإعلامي الغربي يعرفون مدى حاجة السوق لهذا النمط من المحتويات في توقيتات محدّدة.

ليس خافياً أن الأسد يستفيد من المتغيرات والأحداث، وغالباً ما تبدو لقاءاته وكأنها محاولات إنغماس ضمن نسق قيد التشكل أو سياق جار في إطار بيئة يكون الطلب فيها شديداً على هذا النوع من التصريحات، ولديها قابلية لإستهلاكها، بيئة مستفزة أو مستنفرة أو تنتظر إجابات محددة، لذا يمكن تمرير أشياء كثيرة بغض النظر عن جوهر طروحاتها بقدرالإهتمام بالقالب الذي تطرح فيه، مثل تصريحات الأسد بعد حادثة «شارلي ايبدو» وبعد الغارة الإسرائيلية على القنيطرة أو تصريحاته بعد إحراق الطيار الاردني معاذ الكساسبة، وهنا يتضح مدى دور شركات العلاقات العامة التي تسانده في الغرب ورصدها للمناخ السياسي والمزاج الشعبي بوصفها عناصر مساعدة على تمرير محتوى معين من دون الحاجة إلى فلسفته وتبريره.

يحاول الأسد في هذه التصريحات التي يطلقها عبر لقاءاته إيصال رسائل الى متلقين من شرائح مختلفة ومتضاربة أحياناً، فهو يخاطب المواطن الغربي العادي عن مخاطر التطرف الإسلامي ويقدم نفسه كشريك له في القيم ونمط الحياة والسلوك وموقفه من الإرهاب الذي يتسق مع الإستجابة الغربية تجاه هذه الأفعال عبر محاربة من يقف وراءها بكل الوسائل الممكنة، كما يخاطب الفئات والشرائح ذات الثقافة اليسارية التي تنادي بالسيادة وعدم التدخل في شؤون الدول الخارجية.

غير أن الحقيقة ان تصريحات الأسد ورغم كل ما يقال فيها عن إنكاره لحقائق تبدو بمثابة مسلمات خبرها السوريون وأخذت غالبية سكان المنطقة علماً بها، من خلال معايشتهم اليومية للأحداث، مثل القصف بالبراميل المتفجرة وإستهداف البيئات الحاضنة للثوار وممارسة العقاب الجماعي، إلا ان الرأي العام الغربي قد لا يكون شكّل ذات الصورة عن الحدث، وهو يشاهد روايتين متناقضتين، ولأن رواية الثورة مأسوية وصادمة إلى حد يفوق الخيال وتلطم الضمير الغربي، فإن هذا النمط من التصريحات يشكّل نوعاً من الدعم النفسي لهذا الرأي العام الذي يعتبر نفسه صاحب النموذج الأخلاقي الأرفع في الكون، وهو لا يحتاج سوى تفنيد رواية الثورة والإصرار عليها وتقديم الرواية الأخرى التي تتحدث عن محاربة تطرف ودولة وقوانين، على الأقل من أجل موازنة الصورة وإيقاف صعود رواية الطرف الآخر عن إبادات جماعية تحصل في سورية وإعادة الحالة إلى حيز اللبس والحيرة، وتالياً الخروج من حالة الإحساس بتأنيب الضمير والعجز. من هنا يتعمّد الأسد تكذيب حتى سلمية الثورة في أشهرها الاولى بعد أن انتبه الى خطئه حين اعترف بهذا الأمر، حتى لا تتأسس على هذه البيّنة مقتضيات كثيرة، وكأنه يقول للرأي العام الغربي: ها أنا أقدم لك طوق نجاة من الأزمة وحتى من مجرد الشك بإمكان حصول تقصير ما تجاهها.

غير ان تصريحات الأسد يجري توظيفها من قبل المكونات السياسية الغربية ومن هياكل صناعة القرار، ذلك أن العملية السياسية الغربية تسمح بتباين الرؤى وظهورها بشكل جلي في مخرجات السياسة الخارجية، وتضع في الإعتبار المصالح المباشرة للدولة وهذا مبرر عقلاني ومنطقي في السياسات الغربية، لكن هناك أيضاً ضرورة مهمة لوجود غلاف أخلاقي تبريري يساعد على تمرير تلك السياسات، وقد كشفت التجربتان البريطانية والأميركية في التصويت ضد قرار التدخل في سورية مدى إندماج هذين البعدين وأثرهما في إتخاذ القرار، كما ظهر الدمج الواضح بين توجهات الرأي العام وتأثيرها في إتجاهات التصويت لدى ممثليه في دوائر صنع القرار.

على ذلك، لا يبدو مهماً إذا كان كلام الأسد خلال مقابلاته منطقياً أم لا، كما ليس مهماً تفحص مدى النجاح في طرحه، والرأي الذي يستخلصه من قام بالمقابلة، كما فعل محرر «فورين بوليسي» الذي وصف الأسد بالمنفصل عن الواقع أو المجرم. المهم ما هي الأهداف التي يريد الإعلام الغربي تحقيقها، ليس لدى الشارع السوري بالتأكيد، ولكن ضمن بيئته نفسها، والواضح أن الهدف الاول تطبيعي بإمتياز يتمثل بالسماح بقبول رواية الأسد للأحداث، وذلك كتمهيد لتبرير الإنسحاب الذي سيجريه صنّاع القرار لاحقاً، أو تهيئة لإعادة التموضع تجاه الأزمة. وهنا يلفت الإنتباه أن هذا الزخم الإعلامي يأتي بعد تصريحات جون كيري الغريبة بأنه آن الاوان كي يضع الأسد مصلحة شعبه في المقدمة، بعد سنوات من دعوة مستمرة له بالرحيل، والغريب أنه في المقابلتين («فورين بوليسي» و»بي بي سي») جرى تكرار تصريحات كيري واعتبارها سؤالاً مركزيًا في الحوار!

عن الحياة اللندنية

اخر الأخبار