إيران ..و بداية الصعود وتوثيق النفوذ “” نظرة تحليلية”"

تابعنا على:   12:11 2013-11-25

سميح خلف

قد أثار الإتفاق النووي الإيراني مع الدول الغربية إهتماما كبيرا في الدوائر العالمية وخاصة في منطقة الشرق الأوسط بين متذمر ومؤيد لهذا الإتفاق في ظل الإحتفالات العارمة في إيران بعودة فريقها المفاوض منتصرا ، وفي ظل احتجاج واستنكار خليجي وإسرائيلي أيضا لفحوى هذا الإتفاق ، مما دفع الرئيس الأمريكي أوباما بإجراء اتصال هاتفي مع رئيس وزراء العدو الصهيوني مطمأنه بإلتزامات الولايات المتحدة الأمريكي نحو أمن إسرائيل ومن أهم ردات الفعل الإسرائيلية عندما تملصت حكومة نتانياهو من هذا الإتفاق واعتبرت نفسها سيدة القرار في حماية نفسها من الخطر الإيراني.

بعد غزو العراق في إبريل 2003 بقيادة الرئيس الأمريكي بوش وتحطيم البنية التحتية والتكنولوجية لدولة العراق العربي قد وفر هذا الغزو كما من الهدوء والاستقرار في إيران ، وبدأت إيران تستفيد من هذا الغزو لتأخذ امتداداتها في داخل التركيبة العراقية واللعب في الموازين الداخلية على أمل تشكيل الهلال الذي يبدا من إيران وينتهي بحزب الله مرورا بالعراق وسوريا .

لا أدري هل كانت الاستراتيجية الأمريكية غافلة عن التعقيدات والتراكمات التي يخلفها اجتياح العراق حيث لم تحصد أمريكا من تدمير البنية التحتية وآلاف القتلى التي خسرتهم والخزانة العربية التي مولت هذا العدوان أكثر مما حصدته إيران من هذا الغزو .

ولكن الحقيقة الآن في ظل متغيرات كبيرة تمر بمنطقة الشرق الأوسط ،أين المنظومة العربية المشتتة الركيكة المستضعفة والتي هي تمتلك أكبر مخزون من الطاقة في العالم .

بلا شك أن السياسة الغربية ليست معنية بدعم أنظمة عربية قوية ،وهذا ما حققته المواقف الأمريكية فيد عم ما يسمى الربيع العربي وتحطيم البنية التحتية لأنظمة وإن كانت دكتاتورية ولكن كان لها نفس تكنلوجي يصر على النمو الحضاري والعسكري أيضا من ضمن مهامه ، مما نتج عنه إحداث مناطق فراغ في العالم العربي تسللت من خلالها القدرات الإيرانية لتحقيق مصالحها وهذا لا يعيب إيران بقدر ما يعيب ضعف إدارة الأزمات وإدارة المتغيرات في المنطقة العربية ، فمن حق إيران كقوة طامحة لتلعب دورا كبيرا في المنطقة أن تملأ مناطق الفراغ على حساب الجهلاء في المنطقة العربية .

ربما التناقض في مواقف بعض الأنظمة العربية في موقفها من القوى الفاعلة في الربيع العربي هو أحد مكامن الضعف في انحسار أي مبادرة عربية لتلك الأنظمة لصياغة متغير عربي قوي .

فعلى سبيل المثال لا الحصر لا يخفى على أحد أن المعادلة في العراق في معادلة مذهبية بعد أن كان العراق يحكمه نظام علماني ، حيث تحول الصراع إلى صراع مذهبي إستفادت منه إيران ايضا ، وكما هو حادث في سوريا حيث تحول الصراع وبأيدي الإعلام والبرامج الغربية من صراع بين نظام علماني يقوده حزب البعث بدكاتورية الرئيس إلى صراع مذهبي سني ومتعدد الطوائف والمذاهب مما يسهل إختراقه ايضا.

نجد أن دولا تدعم الإسلام السياسي السني في تلك المناطق وفي مناطق أخرى تحاربها كما حدث في مصر مثلا ، تشتت في المواقف وعدم الثبات على استراتيجية موحدة لا يمكن في موازين القوى أن تحجم الامتداد والنفوذ الإيراني على سبيل المثال ، بل أصبحت المعادلة السورية أكبر من مربعات النفوذ والمال السياسي في المنطقة العربية ، حيث أصبحت محل توافق دولي لم تهمل فيه إيران كدولة قوية ، وبالتالي كل المناخات الآن وبعد الاتفاق النووي أصبح الباب مفتوحا أمام إيران لأكثر امتدادا ونفوذا في المنطقة العربية ذات قدرات الطاقة الهائلة.

الإتفاق الإيراني الغربي حول النووي إتفاق استغلته إيران بذكاء جدا حيث لم ينفي قدرة إيران النووية ، بل اعتراف من الدول الكبرى بأن إيران دولة نووية وقادرة على تصنيع السلاح النووي واعتراف بتقسيم نفوذ في المنطقة وعلى حساب العرب أيضا .

بلا شك أن الإيرانيين ليسوا بحاجة في هذه الفترة الإنتقالية والتي مدتها 6 شهور لأن يثبتوا أنهم قادرين على مواجهة أي متغير ، بل أن في إيران قوى علمية وتكنولوجية قادرة أن تستمر في مشروعها النووي في التخصيب في اليورانيوم والبلوتونيوم في أي وقت تشاء.

الإتفاق وبتخفيض نسب اليورانيوم إلى 5% وتجميد ما هو تركيزه 3.5% إلى ثبوت العدد في نهاية الـ6 شهور ، لم تخسر إيران كثيرا إذا ما جمدت أيضا وعطلت بعض أجهزة الطرد المركزي ، فالقوة التكنولوجية الإيرانية حاضرة في أي وقت تشاء .

ربما إيران صارعت قرارات العزل الدولي والحصار وتصدير البترول والعائدات والتحويلات كثيرا ولكن يقع الإيرانيون محل إعجاب في ظل هذا الحصار من وعي وطني ووعي يستند إلى أصول تاريخية في إنجاز قدرات تكنولوجية سواء نووية أو كلاسيكية متطورة جدا ، حيث أصبحت ترهب الترسانة العسكرية الغربية والصهيونية أيضا ،وهذا مما دفع الغربيين في سلوك المفاوضات لأكثر من 10 سنوات وخاصة أن إيران تتحكم في مضيق هرمز وتتحكم استراتيجيا في دول النفط في الخليج العربي .

ربما أيضا من حيث الاستقراء أن الإيرانيين يناورون على الغرب بقيادة أمريكا ، والغرب يريد أن يخرج بماء الوجه من معضلة إيران النووية من هذا الإتفاق ، فخلال 6 شهور قد تكون إيران قد حققت خطتها المرحلية والاستراتيجية في التنمية الداخلية وإيجاد الضروريات وامتداداتها الإقليمية والدولية بما يعزز قدراتها نحو وضع أفضل لتحدي قادم ومفروض ايضا لتكون إيران أيضا دولة نووية تتقاسم النفوذ وتلغي قاعدة سايكس بيكو في المنطقة .

إسرائيل تجد نفسها الآن في عزلة بسبب موقفها من الإتفاق حيث لم يتمكن اللوبي الصهيوني في أمريكا والغرب من إيقاف عجلة الاتفاق ، وعندما تتحدث إسرائيل عن حماية نفسها من السلاح النووي الإيراني فإن لدى إيران من صواريخ بالستية وتقنيات عسكرية ما هو قادر ايضا على الفتك بالمدن الصهيونية على أرض فلسطين ، فإيران ليست بحاجة لسلاح نووي في مواجهتها مع الإحتلال الصهيوني ، بل إيران تسعى لحيازة التكنولوجيا النووية لإحداث توازن عالمي جديد في المنطقة والعالم وهذا من حقها أيضا .

إسرائيل عندما تهدد وهي ترتعد خوفا من الغول الإيراني ليست قادرة الآن على توجيه أي ضربة عسكرية لإيران وهي ليست أكثر امكانيات من دول الغرب التي تراجعت عن تهديدات متكررة قامت بها في عهد نجاد الذي صرح عبر منبر الأمم المتحدة ومنابر دبلوماسية مختلفة بإزالة إسرائيل.

ومن الذكاء الإيراني أيضا الذي يذكر قادرة على فرز زعامات المرحلة وبناء على مقتضيات الوضع الداخلي والخارجي عندما انتخب الإيرانيون رئيسا معتدلا يحقق مصالحها وبدون تنازلات استراتيجية .

يبقى السؤال الآن أن العرب يدفعون ثمن هذا الاتفاق وهذا الاعتراف وهل ممكن أن تمتد خطوط وخيوط الاتفاق بين إيران والعرب بزعامة المملكة العربية السعودية إلى هدنة أو توافق في المصالح في ظل نمو الصراع المذهبي أم لا ؟

 بلا شك أيضا أن العرب مقبلين على أزمة حقيقية في حين أنهم لا يمتلكون أي قرار سيادي بالرغم من أن السعودية قد حاولت دبلوماسيا الفكاك اللحظي من بعض معطيات السياسة الأمريكية في مصر ومناطق أخرى وعندما رفضت العضو المراقب في مجلس الأمن ، ولكن تبقى السعودية غير قادرة على اتخاذ مواقف جريئة نتيجة مقتضيات دولية وتآلف دولي أصبح الآن واقعا بين الدول الغربية وإيران ، ويمكن لدول الخليج أن تلعب دورا الآن في مدة 6 شهر لحماية منظومتها في المنطقة ولكن هذا لا ينفي أيضا وجود إيران كقوة كبيرة فاعلة ذات نفوذ إقليمي في المنقطة ، وهو لن يغير شيئا .

ولكن ماذا عن القضية الفلسطينية والمقاومة التي دعمتها إيران في المنقطة مثل حزب الله وسوريا والمقاومة الفلسطينية وفصائلها المقاومة ؟

 فالقضية الفلسطينية والمسجد القصى يهدد وتستباح ساحاته يوميا في ظل طموحات إسرائيلية لإقامة الهيكل في ظل الضعف العربي والانقسام الفلسطيني ، في حين أن البرنامج الأساسي للسلطة قد اعترف بإسرائيل وقام بالتنسيق معها في كافة المحافل الأمنية وغير الأمنية وهذا يتناقض مع الدول الإيراني القادم في المنطقة إلا إذا كانت البنود الغير معلنة في الاتفاق مع الدول الغربية تنص على خطوط عريضة في الصراع العربي الصهيوني أ والصراع الإسلامي الصهيوني في المنطقة ، في حين أن بعض فصائل المقاومة قد اخطأت استراتيجيا في قراءة ظاهرة ما يسمى الربيع العربي وخسرت إيران كقوة كبرى في المنطقة واعتمدت على غيوم متأرجحة لا تفهم أين ستمطر وأين لا تمطر .

إجمالا إن وجود إيران كقوة كبرى في المنطقة وما ترسمه السياسة العريضة في سوريا ستعطي معطيات جديدة للصراع العربي الصهيوني ، ومن هذا ربما كان سقف الـ6 شهور هو استداراكا لمتغيرات هامة في المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط ، فربما إسرائيل الآن ليست بحاجة إلى المفاوضات التي استمرت 20 عاما لتستمر مزيدا من الوقت ، فهي حصدت كل ما تريد في الواقع الفلسطيني على الأرض ولن يكون هناك حل للدولتين بل ربما ستكون هناك خيارات أخرى بعد سقوط برنامج السلطة الفلسطينية لحل الصراع العربي الصهيوني بناء على وجود إيران في الخارطة الإقليمية ، هذا فلسطينيا.

أما عربيا فمازالت جزر في الخليج العربي هي طمب الصغرى وطمب الكبرى وأبوموسى هي محتلة من الستينات من قبل إيران ، فهل يمكن في ظل هذا الاتفاق الغربي الإيراني والإعتراف بقوة إيران الإقليمية أن تدعوها للإنسحاب من تلك الجزر على قاعدة نفوذ أكبر من المنقطة ، أم ستبقى تلك الجزر محتلة من قبل إيران إلى مزيدا من الاحتالالات عن طريق المعادلات المذهبية في منطقة الخليج مما يحدث عدم استقرار وزعزعة وربما أكثر من ذلك في السعودية والكويت وقطر وكل دول الخليج.

 

اخر الأخبار