العراق: وقفة مع الحقيقة_ 9_ ..!

تابعنا على:   19:31 2015-02-13

باقر الفضلي

بعد العاشر من حزيران الماضي/ 2014، يبدو وكأن العراق قد إنتقل الى مرحلة جديدة، كما تبدو في سيمائها الظاهر، أما في واقعها الحقيقي، فلا تبدو الصورة التي إعتادها الناس منذ أكثر من عقد من السنين، قد إنتابها شيء من التغيير الجوهري، أو أنها في الطريق الى التغيير المنشود؛ من إعادة اللحمة الوطنية، وبناء الدولة المدنية الديمقراطية، وإستتباب الأمن والإطمئنان وسيادة القانون، وإنحسار الفساد بكل أشكاله، وغيرها من عوامل الإستقرار والإنتعاش الإقتصادي، وإنخفاض معدلات البطالة..الخ..!!؟

وفي ظل أحداث العاشر من حزيران وما أستتبعها من تطورات لاحقة على الصعيدين السياسي والأمني، يصبح من المناسب الربط بين تلك الأحداث وبين التغيير الأكثر دراماتيكية خلال السنوات العشر الأخيرة من الحكم في العراق، والمتجسد في تكليف السيد حيدر العبادي رئيساً للوزراء، بدلاً عن السيد نوري المالكي رئيس الوزراء السابق، وما رافق ذلك من التغييرات الجديدة على صعيد الهيكل الوزاري ورئاسة الجمهورية والبرلمان، ومدلولات ذلك التغيير، الذي يبدو في ظاهره، وكأنه إعصار عاصف أحاق بالعملية السياسية، فكان من توابعه الإتفاق النفطي بين الحكومة الإتحادية وحكومة الإقليم، لتبدو الصورة الجديدة لتلك العملية وكأنها قد أعيد أرشفتها من جديد، وإستبدلت ألوانها لتبدو أكثر إشراقاً عما كانت عليه، بعد أن أسدل غبار الزمن عليها مسحة من القتامة والركود، فلا بد من صقل السطح بما يعطيه نظارة التجديد ولمعان الحداثة..!؟

فإعادة ترتيب أوراق العملية السياسية مجدداً ، لم يأت في جميع الأحوال من فراغ، إذ أن جميع الدلائل كانت تشير، الى أن ما كان يجري خلال فترة جاوزت العشرة سنوات وعلى كافة الأصعدة في العراق، خاصة بعد الإحتلال، وفي مقدمتها الصعيد الإقتصادي، ناهيك عن الصعيد السياسي، والعلاقات بين أطراف العملية السياسية نفسها، وهي أمور جرى البحث فيها كثيراً من قبل المتخصصين ومن الكتاب وتناولتها الكثير من مصادر الإعلام.. فجميعها كانت تشير الى ضرورة التغيير، لدرجة إنعكس الأمر، على برامج أغلب القوى والأحزاب السياسية، بل وبات الإعلان عن ضرورة التغيير، بحد ذاته، مطلباً شعبياً عاماً، وأحد الشعارات التنافسية بين الأحزاب نفسها في الإنتخابات، بل ومن أحد أسباب التناحر الداخلي بين تلك الأحزاب..!؟

ومع كل ما تقدم، ورغم ما بدت عليه أسباب التغيير من إكتسابها طابعاً داخليا، إتسم في ظاهره، بعمق التناقضات والخلافات بين قوى العملية السياسية نفسها، وإستقطاب الطائفية السياسية، وإستشراء الفساد، ليشمل اغلب قطاعات الدولة، مقروناً بركود إقتصادي، على الصعيد المحلي، وتحول البلاد مع الأيام الى الإقتصاد الريعي المهلك، فإنه رغم كل ذلك، كان للسيناريوهات المعدة للمنطقة، ما كان له الأولوية في التخطيط لإعادة ترتيب أوراق اللعبة السياسية في العراق، بعد أن وصلت العملية السياسية الى طريق مسدود، وأصبح على ما يبدو؛ من الضرورة أن يلعب العراق دوره المرسوم له في المنطقة، خاصة وإن بعض تلك السنياروهات لم تٌعط أوكلها حتى اليوم، وإنه أصبح من غير الملائم أن يظل العراق، بعيداً عن تفعيل تلك السيناريوهات، في الوقت الذي أصبح موقفه غير واضح المعالم بالنسبة لأهداف الخطط الموضوعة للمنطقة، وبالتالي فليس هناك ألا واحد من طريقين؛ إما القفز ما فوق العراق، أو إحتوائه بأي شكل من الأشكال التي تخدم أهداف الإستراتيجيات الموضوعة للمنطقة، وفي مقدمتها ما تدعى ب نظرية "الفوضى الخلاقة" المنسوبة للسيدة [ كوندا ليزا] ، وزيرة الخارجية الأمريكية في عهد الرئيس الأمريكي جورج بوش الأبن، أو ما ينسب للسيد بايدن من نظرية التقسيم، وغيرها مثل سيناريو مشروع الشرق الاوسط الجديد، أو الربيع العربي..!؟(1)

وليس بعيداً عن ذلك، ما نسب للرئيس الأمريكي الحالي من مقولته المشهورة " الذئب على الباب" التي وجهها للساسة العراقيين، والتي أعقبت سقوط الموصل بيد التنظيم المتطرف، ففي كل ذلك، هناك من الدلالات، ما يوحي بما يعنيه ما يدعى ب "التغيير الجديد" الذي حصل في العراق، والذي كان من دلالاته ما ورد على لسان السيد الرئيس الأمريكي، أو ما قصدته السيدة كوندا ليزا، فالذئب الذي يقف على الباب، والذي تمدد في وجوده ليدخل البيت ويسرح ويمرح كيفما يشاء، ليصبح بالنتيجة، من غير المتيسر إبعاده خارج الحدود، والفوضى الخلاقة، وما ورائها هدف لم يعد خافياً على أحد، أما الذئب فكل المؤشرات توحي بأنه لن يبرح المكان، قبل أن ينفرد بالشاة..!؟ (2)

فالتغيير المنشود لم يأت من مجرد رغبة جامحة، أو بعيداً عن مناخ المنطقة وطبيعة ما يدور فيها من الصراعات، فرغم التباين الملاحظ بين بعض أقطاب العملية السياسية، جاء الترتيب الجديد لأوراقها، بما يفهم منه إعادة جمع المتناقضات، بشكل يوحي للمراقب أو المشاهد للوحة السياسية الجديدة، بأن ثمة إنسجام واضح المعالم، قد طرأ على أطر العملية السياسية، ولعل في ما جسده التشكيل الجديد للسلطة التنفيذية، ما يوحي بذلك الإنسجام المتصور..!!
باقر الفضلي/ 2015/2/11
_________________________________________________________
(1) http://www.imn.iq/articles/view.268/
(2) http://ara.reuters.com/article/topNews/idARAKBN0GI1YW20140818?sp=true

اخر الأخبار