3 محطات تاريخية في حياة المرأة الإيرانية

تابعنا على:   14:29 2015-02-13

أمد/ طهران: خفيفات الخطى، ملتفات بالأسود الفضفاض، لا يظهر من وجوهن إلا القليل، هكذا أصبحت صورة المرأة الإيرانية راسخة في الأذهان، عانت من الاضطهاد في مختلف العهود، باستثناء فترة الشاه رضا بهلوي، الذي أُعجب بفكر مصطفى كمال أتاتورك، وحاول نشر الثقافة الغربية في إيران.

شاركت النساء في الثورة الإسلامية عام 1979، التي شكلت منعطفًا كبيرًا في تاريخ إيران، وسقط منهن المئات، واعترف آية الله الخميني، قائد الثورة، بأنهن لعبن دورًا بارزًا في التظاهرات، وأن الثورة الإسلامية مدينة لهن.

تخيلت المرأة الإيرانية أن الثورة ستكون «بشرة خير» لها، وستحصل على حقوقها كاملة، وستصبح مثل المرأة الغربية، لكن سرعان ما تحولت «الثورة الإسلامية» إلى «ثورة ضد المرأة»، حيث فقدت حريتها، وضاعت حقوقها، وتعرضت للتعذيب.

وفي الذكرى الـ36 الثورة الإسلامية، يرصد «المصري لايت» 3 محطات في تاريخ المرأة الإيرانية.

شاركت النساء في الثورة الإسلامية عام 1979، التي شكلت منعطفًا كبيرًا في تاريخ إيران، وسقط منهن المئات، واعترف آية الله

وبدأت شرارة الحركة النسوية في إيران منذ مطلع القرن العشرين تزامنا مع الثورة الدستورية التي جاءت بأول برلمان إيراني عام 1909، حيث شاركت المرأة الإيرانية بقوة في تلك الثورة ضد الاستبداد، لكن لم تتبلور مطالب نسوية محددة حينها، وتشكلت مؤسسات نسائية بدائية بمطالب محدودة ما اعتبر تحديا للنظم الاجتماعية البالية، ما دفع التنظيمات النسوية ممارسة نشاطا سريا في البلاد.

وفي الوقت نفسه، لجأ رضا شاه بهلوي الذي حكم إيران من  إلى المرونة أكثر وحاول استخدام قوة النساء، حسب متطلبات العصر، وحاول اقتفاء أثر الزعيم التركي مصطفي كمال أتاتورك في تركيا، وكان مواليا للإنجليز وكان هدفه الأساسي نشر الثقافة الغربية في إيران، وأصدر عام 1939، قانونًا ينصّ على حظر ارتداء الحجاب في المؤسسات الحكومية وغير الحكومية، ويقال إن النساء الإيرانيات كن يمكثن في البيوت تجنبا للشرطة التي كانت تجبرهن علي خلع الحجاب بالقوة، وجعلَ من ذلك التاريخ يومًا أسماه «يوم حرية المرأة»، وكان «بهلوي» يرى أن الحجاب سبب لتخلف الإيرانيات، لكن بعد أعوام في عهد حكومة ابنه الشاه محمد رضا بهلوي كان الحجاب في إيران طوعيًّا، وأعطى النساء الحق في التدريب، وأصبح بمقدورهن العمل في المعامل، لكنه لم يمنح المرأة حقوقا سياسية تذكر وعلى سبيل المثال لم يفتح المجال أمام دخول النساء إلى البرلمان.

قاومت المرأة التهميش المتعمد وحاولت لعب دورا سياسيا ودينيا، وفي عهد الشاه رضا بهلوي، تعددت تيارات هؤلاء النساء ما بين الإسلامية، والقومية، واليسارية، متأثرة بالحركات المماثلة في الغرب والحركة النسائية في مصر، إلا أنه بصفة عامة، كان حضور المرأة في حقل النشاط الاجتماعي والسياسي والإداري ينحصر نسبيا في شرائح الطبقة العليا من المجتمع.

وكخطوة أولى تم تأسيس مدارس للبنات ما اعتبر نشاطا ثوريا حينها، ثم تأسست جمعيات علنية تم حظر جميعها لاحقا في زمن رضا شاه حتى البدء في تأسيس جمعيات نسائية إما حكومية أو مرتبطة بالأحزاب في السنوات الأولى لحكم محمد رضا بهلوي.

واستمر محمد رضا بهلوي في تطبيق سياسة أبيه بشكل أكبر، وأعطى النساء حقوقا سياسية واسعة لخلق نساء مؤيدات له وأسس منظومة تعبر عن مشكلات النساء، وأعطى المرأة حق التصويت، وإمكانية دخول البرلمان، كما سمح لوالدة ولي العهد إدارة شؤون البلاد حتى يبلغ ابنها 20 عاما، وارتفعت ‏نسب‏ ‏المتعلمات،‏ ‏ونسبة‏ ‏مشاركة‏ ‏المرأة‏ ‏في‏ ‏العمل.

وكان «الخميني» قد أفتى بحرمة المشاركة السياسية للمرأة في الستينيات، بعد أن تأزمت العلاقة بينه وبين نظام الشاه في مسألة المرأة، لأسباب لا تتصل بشكل مباشر بمباشرتها الحقوق السياسية. بعد تقديم مشروع قانون يعطي ‏‏المرأة‏ الحق ‏في‏ ‏تطليق‏ ‏الرجل،‏ في إطار محاولة نظام الشاه‏‏ ‏توسيع‏ ‏مفهوم‏ ‏مساواة‏ ‏الحقوق‏ ‏بين‏ ‏الرجال‏ ‏والنساء‏ ‏في‏ ‏جميع‏ ‏المجالات‏، وتراجع المشروع خوفاً من معارضة الخميني والفقهاء، ‏لكن بعد ذلك بسنوات‏ ‏وتحديدا عام 1967، ‏صدق‏ ‏البرلمان ‏على‏ ‏مشروع‏ ‏قانون‏ ‏ ‏‏يحق‏ ‏للنساء بموجبه ‏تطليق‏ ‏أزواجهن،‏ ‏بعد‏ ‏الحصول‏ ‏على‏ ‏موافقة المحكمة، ‏واستُبِعد الفقهاء من‏ ‏صياغة‏ ‏مشروع‏ ‏القانون‏.

مع اندلاع حركة المعارضة الشعبية من الفترة بين عامي 1978 و1979، انفتح المجال بدرجة أكبر للمرأة من العائلات المتدينة والتقليدية، للخروج إلي الحياة العامة، واعتمدت الثورة الإسلامية علي استثارة دور المرأة ومشاركتها، ونزولها إلي الشوارع للمساهمة في إسقاط الشاه، وقال «الخميني» في مستهل هذه المرحلة «إن انتصار الثورة الإسلامية في إيران مرهون بدور المرأة التي تلعب الدور الكبير في المجتمع الإيراني»، لكن هذه المقولة كانت مقدمة طبيعية لالتفات رجال الحكم الديني الجديد في إيران إلي وضع المرأة الإيرانية الذي احتاج من منظورهم إلي تغييرات جذرية.

وشاركت المرأة الإيرانية مشاركة فاعلة في الثورة الإسلامية عام 1979، ما تجلى في الملايين من النساء اللواتي شاركن في التظاهرات الجماهيرية ضد نظام الشاه، ونزلت النساء من جميع الطبقات وخاصة الطبقة الوسطى إلى الشوارع، وكان لهن الدور الأكبر في نجاحها، كما كان لهن دور أيضاً في تأسيس الجمهورية الإسلامية في إيران عندما سقطت 600 امرأة يوم «الجمعة الأسود» عام 1979، الذي شكل الخطوة الأولى لتأسيس أول نظام إسلامي في عهد الحرب الباردة.

واعتبرت الحكومة الإسلامية الإيرانية أن صورة المرأة في عهد الشاه لا تتفق مع تعاليم الإسلام الصحيح، والنموذج الأخلاقي المرتجي، ومن ثم، فبعد خمسة أشهر من قيام الثورة، وقبل تمرير الدستور الجديد، وانتخاب رئيس جديد للبلاد، قام المجلس الثوري بتمرير قانون يسهل تعدد الزوجات، كما صدر قانون آخر يقضي بأن تؤول حضانة الأطفال إلي الأب بعد الطلاق، كما اتخذت الحكومة قرارا بوقف عمل المرأة في منصب القاضية بدعوى أنه ليس من المشروع للمرأة أن تكون قاضية في ظل القانون الإسلامي، وفي هذه الفترة أيضا، تم إعدام وزيرة الثقافة في عهد الشاه، فرخ روبارسا، لاتهامها بالمشاركة في تعزيز النظام الملكي في إيران.

وأسس مجموعة من النساء الارستقراطيات أثناء بداية الثورة مجموعة «نساء الثورة الإسلامية»، لكنها لم تدوم وتبعثرت وتشتت خلال فترة زمنية قصيرة، لأنها كانت تقليدا للغرب، وبالرغم من توجيه تلك المجوعة العديد من الاتهامات للغرب حول جعلها المرأة سلبية وعديمة الدور إلا أنها  لم تستطيع تحرير نفسها من تلك الإيديولوجية، وذلك يرجع إلى تلقي جميع العضوات في تلك المجموعة للتدريب في الغرب من جهة، وتبنيهن للأفكار الوضعية من جهة أخرى.

ولم يكن الخميني يملك مشروعاً منظماً ومحددا عن المرأة وحقوقها، وجاء خطابه بعد الثورة ليمجد دور المرأة في الثورة، وأكد دور المرأة كصانعة للإنسان، وأن التفريط في حقوق النساء يقود الشعوب نحو الانهيار، وأشار إلى ضرورة  مساواة المرأة بالرجل، وقال: «لا فرق بين المرأة والرجل؛ فكلاهما إنسان، أما ما يوجد من فوارق طبيعية بينهما فلا علاقة له بالطبيعة الإنسانية لكلا الجنسين»، مضيفا: «المرأة كالقرآن، فكلاهما أوكلت إليه مهمة صنع الرجال، ويريد لهن أن يكن متواجدات في الساحات الثقافية والاقتصادية والعسكرية، ويبذلن الجهد جنباً إلى جنب مع الرجال، أو متقدمات عليهم».

رغم اعتراف «الخميني» بدور المرأة في الثورة الإيرانية، إلا أنه أسقط حرياتها المكتسبة تحت حكم الشاه، وأصدر قرارات متتالية في هذا الشأن، حيث علّق العمل بقانون حماية الأسرة، وأوقف قرارات تعيين المرأة في القضاء، وجعل الطلاق حقًا للزوج فقط، وفرض زيا موحدًا معروف بـ«الشادور»، ويُطلق عليه بالفارسية «افيرانى»، ويُقال إنه يعود إلى عهد الإمام جعفر الصادق، وهو عبارة عن قطعة واحدة يغطي الجسم من الرأس إلى القدمين عدا الوجه والكفين.

فرض «الخميني» على المرأة البقاء في المنزل حتى عام 1984 عندما نشبت الحرب بين إيران والعراق، وظهرت الحاجة إلى قوة المرأة، لأن إيران كانت تشهد حربا، فظهر «الخميني» وألقى بيانًا قال فيه: «بإمكان المرأة مزاولة السياسة والانضمام إلى الأعمال الاقتصادية والاجتماعية، وذلك بدون وضع الأخلاق الإسلامية وسط الأخطار والمهالك»، لكن البيان لم يزد شيئًا على وضع المرأة، لأن نظام «ولاية الفقيه» بعيد عن الديمقراطية.

النساء في ايران - المرأة الايرانية - مرأة ايرانية

وشهدت مرحلة التسعينيات والألفية الثالثة نضالًا كبيرة من قبل المرأة للحصول على حقوقها السياسية والاجتماعية، حيث دخلت البرلمان، وغالبيتهن أصبحن يستطعن القراءة والكتابة.

وبدأت المشاركة النسائية الواسعة في عام 1997، حيث فاز محمد خاتمي برئاسة الجمهورية، وعين امرأة كمساعدة له في مجال البيئة، وأخرى مستشارة له، وشهدت إيران ارتفاعًا في عدد النائبات للوزراء والمديرات في الدوائر الحكومية، وكانت هذه الفترة هي فترة الانفتاح الاجتماعي.

عانت المرأة في إيران اضهطادًا كبيرًا في فترة حكم الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، حيث لاحق قوات الأمن النساء بسبب لباسهن.

بعد عامين من توليه الحكم، وضع «نجاد» نفسه في مواجهة مع النساء، حيث بدأت قوات الأمن بتنفيذ ما يُسمي بـ «حملة التصدي للحجاب السيئ» بموجب قانون «المجازاة الإسلامي»، فالمادة 638 تنص على مسؤولية الأمن في مواجهة هذه المخالفات.

تقول آسية أميني، من الناشطات الحقوقيات المدافعات عن حقوق المرأة في إيران، في مقابلة مع «دويتشه فيله»: «ساءت وضعية المرأة الإيرانية في عهد أحمدي نجاد، الكثير من الناشطين يقبعون في السجون والباقون يعيشون تحت رحمة الخوف لأنهم يخضعون لمراقبة دائمة.. حياتنا برمتها كانت تحت المراقبة، واعتقال أقاربنا، وقل نشاطنا رغم كل المحاولات التي قمنا يها. ولم يعد بإمكاننا إجراء اتصالاتنا سواء بالهاتف أو بالبريد الإلكتروني، كل شيء كان خاضعا للرقابة».

وفي عام 2004، أظهرت دراسة أجريت على 12 ألف امرأة إيرانية، أن 66.3% تعرضن للعنف، وعانت 10% بسبب العنف الشديد، و28.5% تعرضن لعنف جسدي، بالإضافة إلى أنه تم رش النساء غير المحجبات بـ«الأسيد الحارق» من قبل مجموعات لا يعرف أحد انتمائها.

كما يتم تعذيب النساء في السجون وتصويرهن عاريات، حيث كشفت الرسامة والناشطة الإيرانية آتينا فرقداني، المفرج عنها قبل فترة من سجن «إفين» بطهران، عن حالات التعذيب والإساءة وتصوير النساء في الحمامات من خلال كاميرات سرية في القاطع الثاني الخاص بالنساء والذي تشرف عليه استخبارات الحرس الثوري الإيراني، وهو ما أكدته الناشطة مهين صارمي التي فرت من طهران إلى باريس، بقولها: «ظروف النساء السجينات أكثر خطورة من الرجال السجناء، لأن الملالي والحرس يمارسون أبشع أنواع التعذيب الجسدي والنفسي على النساء».

كما يُعاقب القانون على العلاقات الجنسية خارج مؤسسة الزواج، وتصل العقوبة إلى الجلد في العلن، أو الرجم، أو السجن لعدة سنوات.

وتعاني النساء في طهران من مشكلة البطالة، حيث تُشير الإحصاءات الرسمية إلى أن 38.5% من النساء لا يجدن فرص عمل ملائمة.

وتمنع إيران المرأة من حضور المباريات، وتم اعتقال امرأة حاولت حضور مباراة لكرة الطائرة للشباب، واتهامها بالدعوة ضد النظام، في يونيو 2014، وحُكم عليها بالحبس لمدة عام، وبرر المحافظون القانون قائلين إن الشباب يستخدمون عبارات وألفاظ نابية، تتعارض مع وجود النساء.

اخر الأخبار