تركيا وأردوغان من قلب «الإخوان» إلى عقل المصريين

تابعنا على:   01:20 2013-11-25

أمد / القاهرة - أمينة خيري:بعد دول الخليج المتحفظة عن حكم الجماعة والداعمة للمصريين، وأوروبا المراقبة لما يفعله «الإخوان» ويقاومه المصريون، وأميركا المذبذبة بين علاقة حب- كراهية تجمعها بالإسلام السياسي وصلة مصلحة مهددة تربطها بالدولة المصرية، وقطر المحبة للتنظيم والمحاربة لانقلاب الإرادة الشعبية، تصبح تركيا قلب «الإخوان» النابض ومعقل الأصابع الأربعة الحلبة الدولية الأولى التي تشهد مواجهة صريحة ومشاحنة عنيفة لصراع الحكم المصري وتنظيم «الإخوان» الدولي عبر ذراع معزولة وأخرى مغلولة وثالثة مخنوقة.

الاختناق أصاب المصريين من التدخل الرسمي التركي في شؤون الداخل المصري، تارة بغرام وانتقام الأول تجاه الرئيس المعزول محمد مرسي والأخير صوب الجيش، وتارة أخرى بأصابع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الأربعة التي رفعها ففجر ينابيع الإبداع «الربعاوي» ومكامن الابتكار «النهضاوي» في عصر ما بعد الانقلاب على مشروع الخلافة «الإخواني» الذي بات المصريون على دراية باستحالة فصله عن مشروع الخلافة العثماني، فخضع لموجات من التنقيب الشعبي وهوجات من التنظير الأهلي ما فجر هبات من استباق الشارع نفسياً للخطوات الديبلوماسية، وتعجله الإجراءات السياسية وتغلبه على اللوعة جراء فراق «مهند» والاشتياق إلى «ميرنا وخليل» والصبابة لغياب «هويام».

هيام أردوغان بمرسي ومصيره ومستقبل الجماعة وانغماسه في شؤون الأهل في مصر والعشيرة في ربوعها لم يكن سوى فصل من فصول الآثار العكسية والعوارض الجانبية لحرب الاستقطاب ومعارك الانجذاب ومشاحنات المواجهات بين «سيسي يا سيسي مرسي رئيسي» و «مرسي راجع إن شاء الله» من جهة و «كمل جميلك واترشح» و «مش بمزاجك» و «السيسي رئيسي» من جهة أخرى.

كذلك لم تكن الخطوات المصرية الرسمية المتخذة تصعيداً للموقف والمتبعة تصعيباً للجماعة إلا جزءاً من مسلسل الاصطفاف الشعبي وراء كل ما هو مناهض للجماعة والانحياز «الإخواني» إلى كل ما هو ضار بالجيش والشرطة والشعب المنقلب.

انقلاب المصريين على سنوات العسل مع تركيا، وهي السنوات التي طغت عليها متعة الترفيه وطراوة التسوق وحلاوة التبضع وأرباح الاستيراد ومكاسب الرحلات من دون انتباه شعبي يذكر للنواحي السياسية أو التفات أهلي إلى الجوانب الاستراتيجية أو اهتمام تجاري بأحلام الزعامة وتكتيكات الحماية ومشاريع الخلافة. وفي سنوات الإعجاب بمهند وزملائه والانبهار بهويام وأخواتها والاستمتاع برحلة التسوق إلى اسطنبول والإقامة بألفي جنيه مصري «يابلاش» والتربح من المنتجات المنزلية والمشغولات الخشبية ذات الذوق الأوروبي والقلب الشرقي، لم تكن مشروعات الخلافة كشفت النقاب عن نفسها أو أزاحت الستار عن خطواتها. ووقع المصريون فريسة الاندهاش وضحية الانبهار بالعثمانيين المتحولين أوروبيين بنكهة إسلامية ونبرة شرقية في كوكتيل أسطوري جمع بين محاسن النقيضين من غرب متمدين وشرق متدين.

تديّن الشرق الذي وجد نفسه بين شقي رحا سطوة الإسلام السياسي وخيبة الخطاب الوسطي دفع بالمصريين الذين اختاروا «الناس بتوع ربنا» (الإخوان) خلفاء لـ «الناس بتوع مبارك» (الحزب الوطني) رغبة في الخلاص وأملاً بالنجاة وحلماً باستنساخ نموذج تركي رأوه بالأمس «الإسلام السياسي كما ينبغي أن يكون» إلى معاداته بعدما فوجئوا به اليوم متحولاً إلى «السياسة الإخوانية كما لا ينبغي أن تكون».

«ما لا ينبغي أبداً هو استمرار السكوت على تدخلات أردوغان في الشأن المصري بعد ثورتين وفترتين انتقاليتين علمت المصريين الحكمة ولقنتهم الخبرة وجعلتهم يسحبون سفيرهم نفسياً قبل أن تسحبه الخارجية». إنها الديبلوماسية المصرية بالفطرة، أو هكذا يلقبها تاجر أدوات منزلية في منطقة ميدان الجامع التجارية في شرق القاهرة. المحل عامر بكل أنواع المستلزمات المنزلية المتعددة الجنسيات، فمن أدوات المائدة الفرنسية التي يكاد لا يشتريها أحد لفداحة أسعارها، إلى معدات مطبخ صينية يكاد لا يقتنيها أحد لرخص أسعارها، إلى مستلزمات تركية تجمع بين الحلاوة الفرنسية والمواءمة الصينية.

استعر المحل أمس بمناظرات سياسية ومقاربات اقتصادية ومناقشات اجتماعية واشتياقات درامية في ضوء التطورات الرسمية المصرية - التركية، فمن تاجر يؤكد أنه على استعداد لتحمل جانب من الخسارة في حال تم وقف الاستيراد من تركيا إلى عميل يقسم بأغلظ الأيمان أنه سيشتري الصيني الركيك أو الفرنسي الرزين «لكن كله إلا التركي» إلى عامل التوصيل الذي يدلو بدلوه مؤكداً أن الصيني أفضل لأنه أخف ولا يسبب آلام الظهر، إلى صبي المقهى الذي أتى حاملاً المشروبات ومؤكداً أن السحلب هذا الشتاء سيكون مصرياً خالصاً وليس تركياً مستورداً.

استيراد المفاهيم واستنساخ النماذج من الدول ليسا بالسهولة التي يبدوان عليها ولا بالمباشرة التي يروج لها. هذا هو أحد أبرز الدروس التي تعلمها المصريون منذ هبت عليهم رياح الربيع، فلا ماليزيا مجرد «طبيب في المنزل» اسمه مهاتير محمد، ولا تركيا «قصة زعيم» تحول من زعيم سياسي إلى بطل شعبي اسمه رجب طيب أردوغان. ورغم أن الدرس الثاني لم يتم استيعابه بعد، إلا أنه في الطريق.

الطريق الذي سار فيه أنصار «الشرعية والشريعة» يوم الجمعة الماضي الدامي وتفننوا في الحرق وأبدعوا في الخراب هاتفين «سلمية سلمية» حفلت بأصابع تركية غير تلك المرفوعة بالأصابع الأربعة. فقد كتب بعضهم على الجدران: «شكراً رجب طيب أردوغان» بعد تأكيد أن «سيسي قاتل» والتذكرة بأن «مرسي راجع».

رجوع مرسي من عدمه لم يعد شغل المصريين الشاغل أو هم أردوغان الأوحد أو محدد العلاقات الأهم، بل تحول عام من حكم «الإخوان» إلى نبراس يضيء الطريق للجميع. فهناك من بات يفهم المشهد السياسي المصري باعتباره جزءاً لا يتجزأ من مشروعات القوى الإقليمية وخطط الدول الغربية وأحلام الجماعات العشائرية. وهناك من أصبح واعياً بأفضلية مشروع الجماعة على مصلحة الوطن، وأسبقية منظور العشيرة على مفهوم الشعب.

الشعب الذي بدأ أحد أبنائه ورقة بحثية في مادة «الإسلام السياسي» في جامعة خاصة بعبارة منقولة من «إخوان ويكي» قادر على تحديد أولوياته الديبلوماسية واختيار اهتماماته الوطنية. «وكان الإمام حسن البنا ينظر إلى تركيا على إنها دولة الخلافة ومصدر حماية الأمة الإسلامية من التشتت والتشرذم في ظل محتل متربص، فعمل بقدر استطاعته على العمل لعودة الخلافة». ما كتبه الطالب أجج مناقشة حامية في الفصل الدراسي، بين مؤيد للخلافة ومشروعها على حساب الدول ومعارض لها ومشروعها لمصلحة الدول.

وتظل مسائل الديبلوماسية وسحب السفراء وطردهم وإعادتهم لا تؤثر كثيراً بين الشعوب، شأنها شأن مهند وهويام ورحلة إسطنبول ومتعة التسوق والسلع المنزلية التي يشتاق إليها الشعب لكنه يمتنع بناء على قائمة الأولويات.

عن الحياة

اخر الأخبار