
غزة تعيش فينا
د.كامل خالد الشامي
لسنا كبقية سكان الأرض نعيش في مدن وقري عادية, نبدل المصابيح المحترقة ونجلس حول المدفأة الكهربائية لنخفف من وطأة الشتاء الذي جاء الينا هذا العام متأخرا ـ لكننا وفي نهاية اليوم نستقبل الليل المظلم-علي الرغم من أن فاتورة الكهرباء مدفوعة ولكن دون الحصول علي كهرباء- نخلد الي النوم مثقلين بهموم كثيرة ونحلم أحلاما مبهمة ونري عوالم غريبة غير عوالمنا.
لم يزرنا المطر في هذا الشتاء, ولا الرياح الباردة, ولم تنبت شقائق النعمان في حقولنا, ولم تزرنا البلابل المهاجرة, شبابيكنا تقفل علي خجل وأبوابنا موصدة علينا من جميع الجهات,ولكننا نتحرك باتجاه طوابير الغاز والكاز نقطع الوقت في صراع مع الصبر والنفس, ولا تخلوا طوابيرنا من مشاحنات او مشاجرات, وفي نهاية كل طابور نحصل علي القليل مما نحتاج اليه ثم نعود أدراجنا لنصنع حكاياتنا من جديد .
غزة مدينة تحكمها أشياء كثيرة الفقر والحصار والانقسام وتنقصها الطاقة باستمرار وهي تعمل علي ضوء الشمعة الخافت أو حتي في الظلام, واصبحنا نعمل أشياء كثيرة في الظلام تعودنا علي عملها مع الوقت, وقد أصبح الظلام جزءا من جياتنا.
من بين الهدوء والصمت ينطلق صوت انفجار صاروح من طائرة اسرائيلية ليرعب الأطفال ثم يختفي هذا الصوت ويعود الأطفال الي الهدوء ثانية, عيون العدو علي غزة
فهم يقصفونها بين الفينة والفينة, لكن غزة تعيش فينا وهي لن تموت وستصمد.
في شوارع المدينة وأزقتها وحاراتها يجلس الرجال والشباب أمام عتبات منازلهم وفي المقاهي وعلي الأرصفة, يكسر صمتهم صوت بائع الماء وصاحب بسطة الخضار وسائق الأجرة, وقد أعياهم البحث عن رغيف الخبز, ابواق السيارات ورائحة الفلافل
لم تعد بتلك الشدة التي عرفتها غزة في الماضي.
وهناك علي بحر غزة الذي هجره زواره ,فقد انتهي موسم الصيف وعادات الأمواج ترتطم بالشاطئ وحيدة دون منازع ما عدا بعض الصيادين القلة الذين جاءوا ينشدون الهواء الطلق والهدوء وربما سمكة وقعت في غفلة منها في شباكهم.
غزة تحمل كل جراح الأرض بعد أن تقاتل عليها رجالها فانقسمت بين محبيها, لكن جروحها لا تبدوا وكأن الزمن يداويها وهي تنزف وتنزف بصمت, لكنها ما زالت تقبض علي الجمر وتنظر باستغراب مما يحدث لها,لكن غزة تعيش فينا.
أستاذ جامعي وكاتب مستقل
جامعة غزة