في ذكرى الثورة الفلسطينية..عباس: مشروع القرار ليس عملا احاديا..ودفاع امريكا عن سياسات الاحتلال يزيدها عزلة

تابعنا على:   15:29 2014-12-31

أمد/ رام الله: قال الرئيس محمود عباس، إننا لن نقبل ولن نسمح بتهميش قضيتنا تحت ذريعة محاربة الجماعات الإرهابية التكفيرية في منطقتنا.

وأضاف، في خطاب متلفز اليوم الأربعاء، لمناسبة الذكرى الخمسين لانطلاقة الثورة الفلسطينية: نعتقد ونحن على حق، أن هزيمة هذه الجماعات عسكرياً وثقافياً، يمر عبر بوابة تحقيق السلام العادل، واستعادة حقوقنا التي نسعى لإنجازها بكل الوسائل المتاحة.

وتابع: إن التطرف يتغذى على التطرف، والقوة بدون عدل استبداد، والمنطق يقتضي الكيل بمكيالٍ واحد لا مكيالين، فأعمال وممارسات المستوطنين لا يمكن وصفها إلا بالإرهاب، وحماتهم حماةٌ للإرهابيين.

وقال في خطابه: لسنا نحن من يحرج أو يعزل الولايات المتحدة، بل من يزيدها عزلةً دفاعها عن سياسات إسرائيل، واستعمالها لحق النقض (الفيتو) عشرات المرات في مجلس الأمن، حتى لا تعاقب إسرائيل على أفعالها، ومن الواضح أن الحكومة الإسرائيلية لم تستوعب أو تتعظ من أن التحول الذي تشهده الساحة الأوروبية، من مقاطعة لمنتجات المستوطنات، والاعترافات المتتالية بدولة فلسطين من قبل الحكومات والبرلمانات سببه الأساس أن العالم بأسره قد ملّ هذا الاحتلال البغيض، الاحتلال الوحيد الباقي والأطول في التاريخ الحديث.

وأضاف عباس: إن قرار إسرائيل بضم القدس الشرقية، واعتبار المدينة موحدة وعاصمة لها، قرار باطل وغير شرعيٍ، ولا تعترف به أية دولةٍ في العالم، وقد أثبت أبناء القدس، مسلمين ومسيحيين، تمسكهم وحفاظهم على الهوية العربية للمدينة الخالدة حتى اليوم، بصمودهم وثباتهم وتحديهم طيلة هذه السنوات من عمر الاحتلال، رغم كل القوانين العنصرية التي تفرض عليهم، من مصادرة أراضيهم، ومنعهم من البناء، والضرائب الباهظة، وعزلهم عن بقية أرجاء الضفة الغربية بجدار الفصل العنصري وعشرات الحواجز. لم ولن نساوم على حبة ترابٍ من القدس، يؤازرنا ويقف إلى جانبنا عالمنا العربي والإسلامي وأحرار العالم.

وأوضح الرئيس عباس، أن المأزق الذي وصلت إليه عملية السلام بيننا وبين الإسرائيليين سببه استمرار التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، الذي حوّل مدننا وقرانا إلى معازل، وأوصل المفاوضات إلى طريقٍ مسدود، ما دفعنا للتوجه إلى المنظمات الدولية.

وأضاف: لقد أثبتنا للعالم بأجمعه نوايانا الصادقة، وبأن العقبة عدم وجود شريك إسرائيلي يؤمن بالسلام، والإصرار على مواصلة الاستيطان وتهويد القدس، ما أفشل كل المبادرات والجهود الدولية، وآخرها تلك التي بذلتها الولايات المتحدة الحليف الأول والأكبر لإسرائيل، طيلة تسعة أشهر برعاية الوزير جون كيري، الذي يعلم جيداً أن المسؤولية تقع على عاتق الحكومة الإسرائيلية التي لم توقف الاستيطان، ولم تلتزم بإطلاق سراح الدفعة الرابعة من أسرانا.

وحول مشروع القرار الفلسطيني العربي المقدم إلى مجلس الأمن الدولي، أوضح الرئيس أنه 'ليس عملاً أحادي الجانب، فالأعمال أحادية الجانب هي التي تقوم بها الحكومة الإسرائيلية، أما مشروع قرارنا فيتضمن المبادئ التي أجمع عليها المجتمع الدولي، وهي إنهاء الاحتلال الإسرائيلي الذي وقع عام 1967، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة المترابطة جغرافياً والقابلة للحياة وعاصمتها القدس الشرقية'.

وقال: نطالب في مشروع القرار بأمرين أساسين، هما تحديد الجدول الزمني لإنهاء الاحتلال خلال فترة لا تتجاوز نهاية عام 2017، تستبقها مفاوضات يمكن أن تستمر لمدة عام، يتوقف خلالها الاستيطان بشكل كامل.

وأكد الرئيس أنه آن الأوان بعد التجربة المريرة، والحروب العدوانية الإسرائيلية على قطاع غزة للتحلي بالمسؤولية، والارتفاع عن المصالح الفئوية الضيقة، والشعارات الشعبوية، بإنجاز مصالحةٍ وطنيةٍ حقيقية تنهي الانقسام، وتمكننا من الإسراع في إعادة إعمار قطاع غزة، بتمكين حكومة التوافق الوطني من ممارسة مسؤولياتها وصلاحياتها كافة، بدءاً من الإشراف على المعابر، ولكن أيضاً وأيضاً الإشراف على تنفيذ مشاريع إعادة الاعمار، بالتعاون مع الأمم المتحدة، كما هو متفق عليه. هذه بدايةٌ يجب أن يتبعها توحيد المؤسسات بما فيها المؤسسة الأمنية، فسلاحٌ شرعيٌ واحد وسلطةٌ شرعيةٌ واحدة، وإلا ميليشيات وفلتان أمني يرفضه الشعب الفلسطيني الذي عانى منه الويلات.

وفيما يلي نص خطاب الرئيس:

بسم الله الرحمن الرحيم

'وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ'  صدق الله العظيم

 

أيتها الأخوات، أيها الإخوة،

 

يا أبناء شعبنا الفلسطيني في الوطن والشتات، نحتفل اليوم معاً بالذكرى الخمسين لانطلاقة ثورتنا المجيدة في يوبيلها الذهبي، الثورة التي فجرتها حركة فتح في الأول من يناير كانون الثاني عام 1965، فأنهت بذلك مرحلة، وشرعت الأبواب أمام مرحلة جديدة.

 

انطلقت الثورة بعد سبعة عشر عاماً من النكبة، شهد شعبنا خلالها كل أشكال المعاناة، من لجوء وتشريد، وانقطاع التواصل بين أبنائه بحكم الحدود والجغرافيا السياسية، وغابت أو غيبت المرجعية التي تمثله، وانحصر حلم العودة والتحرير في المراهنة على هذا النظام أو ذاك، وعلى هذا الحزب أو ذاك، ما أتاح لإسرائيل فرصة تسويق دعايتها في العالم الخارجي بأنه لا وجود للشعب الفلسطيني، وأن الصراع فقط، هو صراع عربي إسرائيلي، ولم يعد اسم شعبنا يذكر إلا عندما تُذكر وكالة الأونروا.

 

كان المخاض لإطلاق الرصاصة الأولى صعباً ومعقداً، فثورة يقوم بها الفلسطينيون أشبه بالمعجزة، بل إننا بعد العملية الأولى واجهنا من يتهمنا بالتوريط وبالتفريط، ومن يطالب بملاحقتنا، وأكاد أجزم بأن سبب ذلك لم يكن كله سوء النوايا، وإنما العجز في مواجهة التحديات التي ستترتب على ممارسة الفلسطينيين للكفاح المسلح ضد إسرائيل.  

 

 

 

أيها الأحبة، حماة الحلم الفلسطيني

 

نصف قرن مضى من النضال والكفاح دون هوادة، قدمنا ولا زلنا نقدم تضحيات جساماً، شهداء وأسرى وجرحى، ومخيمات اللجوء لا زالت تعاني، والاستيطان مستمر وأخطره ما يجري في القدس وجوارها، وغزة لا زالت تعاني من ويلات ثلاث حروب عدوانية إسرائيلية، ينتظر أبناؤها إنهاء الحصار وإعادة الإعمار.

 

هذا جزءٌ من الواقع أدركه وأعيشه وأتألم منه كما تتألمون، ولكن للواقع أيضاً وجه آخر، هو ما أنجزناه وننجزه، وواجبنا أن نتوافق عليه حتى نكمل المسيرة، التي بدأناها بقيادة شهيدنا وقائد ثورتنا الأخ أبو عمار، الذي ترك لنا إرثاً عظيماً علينا أن نحافظ عليه، بألاّ نيأس، وبأن نفتح نوافذ عندما تغلق الأبواب، وأن نكون جزءاً من حركة التاريخ، وأن نحافظ على وحدة شعبنا، ونتمسك ولا نساوم على شرعية تمثيله ومؤسساته الدستورية، وثوابتنا الوطنية.

 

لا بد لنا جميعاً، في حركتنا فتح، وفي كل فصائل العمل الوطني، وكذلك أبناء شعبنا الفلسطيني أينما وجد في الوطن وخارجه، أن نستذكر بأن مسيرة الخمسين عاماً قد نقلت قضيتنا إلى سلم أولويات المجتمع الدولي، حيث يتوالى الاعتراف عالمياً بالدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وبوجوب إنهاء الاحتلال الإسرائيلي الذي وقع عام 1967، والحل العادل والمتفق عليه لقضية اللاجئين الفلسطينيين على أساس قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194، وحسب ما ورد في مبادرة السلام العربية، وهو ما عزل وضيق الخناق على سياسات الحكومة الإسرائيلية، التي تضع أقرب حلفائها في موقف صعب ومحرج في المؤسسات الدولية، أمام مشروع القرار الفلسطيني العربي الذي قدمناه إلى مجلس الأمن الدولي بشأن الجدول الزمني لإنهاء الاحتلال وإقامة دولتنا المستقلة.

 

الأخوات والإخوة

 

فتح منذ انطلاقتها، ثم قيادتها لمنظمة التحرير الفلسطينية، بقيت وفية لمبادئ لم تحد عنها، وهي التمسك بالوحدة الوطنية، وعدم الاستئثار بالنضال وبالقرار، فنشأت تنظيمات فلسطينية عدة وجدت مكانها ضمن أطر ومؤسسات المنظمة، وكان بعضها مرتبطاً بأنظمة عربية، غير أن ذلك لم يحل دون تمكننا من المحافظة على قرارنا المستقل، مع إلزام أنفسنا تجنب التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية.

 

أرسينا الديمقراطية والتعددية نهجاً لنا، في وضعٍ كانت كل التنظيمات تحمل فيه السلاح، وهو ما أسماه الأخ أبو عمار (ديمقراطية غابة البنادق).

 

تعرضنا خلال مسيرة الخمسين عاماً إلى تحدياتٍ ومؤامراتٍ وصراعاتٍ لا تحصى، وكانت فتح وقيادتها بالخصوص هي المستهدفة، كونها العمود الفقري للثورة ومنظمة التحرير، فعلى يد إرهاب الدولة الإسرائيلي تم اغتيال عدد كبير من قيادات الصف الأول: الإخوة الشهداء ياسر عرفات، أبو يوسف النجار، كمال عدوان، كمال ناصر، ماجد أبو شرار، أبو جهاد خليل الوزير، أبو إياد صلاح خلف، أبو الهول هايل عبد الحميد، إضافة إلى عدد كبير من الكوادر، ومن ممثلي  منظمة التحرير الفلسطينية وقادتها.

 

لم يقتصر الأمر على ما كانت تقوم به إسرائيل ضدنا من اعتداءات وصلت إلى حد اجتياح لبنان، وصولا إلى حصار بيروت عام 1982، بل واجهنا محاولات عديدة من قبل أنظمة دولٍ شقيقة للسيطرة على قرار فتح ومنظمة التحرير المستقل، عبر استخدام أدوات وضعت تحت تصرفها أموال، وقدمت لها تسهيلات عديدة، ولكن تلك المحاولات باءت بالفشل الذريع، وغيب النسيان، بل لحق العار كل من ارتضى لنفسه أن يكون مطية، لتثبت فتح أنها عصية على القسمة، وأن أبناءها يتوحدون  دائما وأبداً خلف قيادتهم الشرعية ومشروعهم الوطني،

 

وأن التغيير وتجديد المراتب التنظيمية يتم من خلال المؤتمرات الحركية، وعبر الممارسة الديمقراطية الحرة، أما من يقفون في شراك التبعية والإغراء الرخيص، والمزاودة، والمغامرات العبثية، فإن فتح الواحدة الموحدة تلفظهم، وتواصل مسيرتها، وهي اليوم بصدد الإعداد لعقد مؤتمرها السابع على أرض الوطن خلال فترةٍ زمنيةٍ قصيرة، وسيكون هذا المؤتمر بإذن الله نقلةً نوعية في مسيرة الكفاح نحو الاستقلال والدولة.

 

 

 

الأخوات والإخوة الأحباء،

 

عبر مسيرة الخمسين عاماً، وحدت منظمة التحرير الفلسطينية أبناء شعبنا في أماكن تواجدهم كافة، من فصائل وقوى سياسية وجاليات ونقابات وغيرها، وأصبحت المنظمة بيت الفلسطينيين وعنوان هويتهم ووطنهم المعنوي.

 

وبقيت أبواب المنظمة مفتوحة، على قاعدة أن النضال يتسع لكل من يضع المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار، ويلتزم بقراراتها ومؤسساتها، ولحرصنا على الوحدة الوطنية كنا نبادر إلى احتواء أي تنظيم ينشأ بضمه لمنظمة التحرير، وهو ما حاولناه مع حركة حماس منذ أن نشأت عام 1987، بدعوتهم إلى مجلسنا الوطني في الجزائر عام 1988 أثناء الانتفاضة الأولى المباركة، انتفاضة أطفال الحجارة، ورغم تمنعهم فقد واصلنا الحوار معهم، فعقدت لقاءات عدة في القاهرة وفي الخرطوم تعبيراً عن مدى حرصنا على الوحدة الوطنية، وشارك الأخ المرحوم أبو عمار ببعضها، بل إنه طلب مشاركة قيادات الإخوان المسلمين في مصر في مساعينا، وحرصنا بعد قيام السلطة الوطنية وعودة القيادة إلى أرض الوطن على إشراكهم في المؤسسات، دون أن نتوقف أمام النقد والتجريح، وفي أحيانٍ كثيرة التخوين لكل القيادة وعلى رأسها الأخ أبو عمار.

 

 واصلتُ وبعد تحملي مسؤولية قيادة المنظمة والسلطة المساعي لتحقيق الوحدة الوطنية، وكان إصراري رغم ضغوط كثيرة طالبتني بعدم السماح لحماس بالمشاركة في انتخابات المجلس التشريعي عام 2006، أن يشاركوا، لأنهم جزء من الشعب الفلسطيني، ومن حقهم بالمشاركة في الانتخابات، وعندما حصلوا على الأغلبية كلفت من اختاروه رئيساً للوزراء، ودعوته في رسالة التكليف بأن تلتزم حكومته بكل ما وقعت عليه منظمة التحرير من اتفاقيات ومعاهدات بصفتها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ومرجعية السلطة الوطنية.

 

وأمام فشل الحكومة التي تشكلت من لون واحد، والحصار المالي الذي فرض علينا جميعا، فإن قيادة حماس بدلاً من أن تبحث عن مكمن الخطأ، شنت حملة ظالمة على قيادة السلطة والمنظمة، وحملتها مسؤولية الحصار أو المشاركة فيه، وفي أجواء التحريض تلك حصلت المأساة التي لا زلنا نعاني منها جميعا وهي الانقلاب، والانقسام بين شطري الوطن، الذي كان أكبر المستفيدين منه، إن لم يكن المستفيد الوحيد هو الحكومة الإسرائيلية، التي فرضت الحصار على غزة، وتوسعت بالاستيطان في الضفة، متذرعةً بين حينٍ وآخر بأنها لا تعرف مع من تتفاوض، مع غزة أم رام الله.

 

آن الأوان بعد التجربة المريرة، والحروب العدوانية الإسرائيلية على القطاع للتحلي بالمسؤولية، والارتفاع عن المصالح الفئوية الضيقة، والشعارات الشعبوية، بإنجاز مصالحةٍ وطنيةٍ حقيقية تنهي الانقسام، وتمكننا من الإسراع في إعادة إعمار قطاع غزة، بتمكين حكومة التوافق الوطني من ممارسة مسؤولياتها وصلاحياتها كافة، بدءاً من الإشراف على المعابر، ولكن أيضاً وأيضاً الإشراف على تنفيذ مشاريع إعادة الاعمار، بالتعاون مع الأمم المتحدة، كما هو متفق عليه.

 

هذه بدايةٌ يجب أن يتبعها توحيد المؤسسات بما فيها المؤسسة الأمنية، فسلاحٌ شرعيٌ واحد وسلطةٌ شرعيةٌ واحدة، وإلا ميليشيات وفلتان أمني يرفضه الشعب الفلسطيني الذي عانى منه الويلات.

 

هذه مقدمات للاستحقاق الأهم، وهو إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني، لنعود إلى الشعب صاحب الولاية ليقول كلمته الفصل.. وأسأل الله العلي القدير في الذكرى الخمسين للانطلاقة، أن يفتح العقول والقلوب لما فيه خير شعبنا وقضيته.

 

أخواتي إخواني، أيها الصامدون المرابطون..

 

في القدس عاصمة فلسطين الأبدية، ودرة التاج وبوابة الأرض نحو السماء، مسرى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، التي تحتضن كنيسة القيامة إلى جوار المسجد الأقصى المبارك، تجري اليوم أشرس وأخطر معركة على مصير القدس ستحدد أبعاد الصراع مع الاحتلال، وسيكون لها تداعياتها الخطيرة بسبب ما تقوم به المجموعات اليهودية المتطرفة من اعتداءاتٍ شبه يومية على المسجد الأقصى وعلى المقدسات المسيحية، بحماية ومشاركة قوات جيش الاحتلال، وبحضور شخصياتٍ سياسية إسرائيلية رسمية من وزراء وأعضاء كنيست، فهذه الممارسات ستحول الصراع إلى صراع ديني سيلهب المنطقة والعالم، ويأتي على الأخضر واليابس.

 

إن قرار إسرائيل بضم القدس الشرقية، واعتبار المدينة موحدة وعاصمة لها، قرارٌ باطل وغير شرعيٍ، ولا تعترف به أية دولةٍ في العالم، وقد أثبت أبناء القدس، مسلمين ومسيحيين، تمسكهم وحفاظهم على الهوية العربية للمدينة الخالدة حتى اليوم، بصمودهم وثباتهم وتحديهم طيلة هذه السنوات من عمر الاحتلال، رغم كل القوانين العنصرية التي تفرض عليهم، من مصادرة أراضيهم، ومنعهم من البناء، والضرائب الباهظة، وعزلهم عن بقية أرجاء الضفة الغربية بجدار الفصل العنصري وعشرات الحواجز.

 

تحيةً لأهلنا في قدسنا الشريف، تحية لصمودهم، تحية لتحديهم، تحية لأرواح شهدائهم، وللشهيد الرمز الطفل محمد أبو خضير، الذي أحرقوه ثم قتلوه.

 

لم ولن نساوم على حبة ترابٍ من القدس، يؤازرنا ويقف إلى جانبنا عالمنا العربي والإسلامي وأحرار العالم، وأُحيي بهذه المناسبة وبكل اعتزاز الموقف الشجاع الثابت للأردن الشقيق والملك عبد الله الثاني، ضد المساس الخطير بالمقدسات وبخاصة المسجد الأقصى المبارك، وأعبر بهذه المناسبة عن شكرنا وتقديرنا للإخوة قادة الدول العربية والإسلامية الشقيقة، على كل دعمٍ وعون يعزز صمود أهلنا في القدس ويحمي هويتها.

 

أيها الإخوة في الوطن والشتات

 

عجلة التاريخ لن تعود إلى الوراء، ففلسطين الشعب والأرض حقيقة ساطعة، والدولة الحرة المستقلة قادمة، وقريباً بإذن الله، فعلى هذه الأرض المباركة ما يستحق الحياة، والشعب الذي تعددت تجاربه في النضال سينتصر، وحركته الوطنية التي كانت أول الرصاص وأول الحجارة، وطليعة المقاومة الشعبية السلمية، وشهيدها الأخ الوزير زياد أبو عين، ستواصل حمل الأمانة والوفاء لدماء الشهداء، ومعاناة الأسرى.

 

لن نقبل ولن نسمح بتهميش قضيتنا تحت ذريعة محاربة الجماعات الإرهابية التكفيرية في منطقتنا، كنا أول من أدان هذه الجماعات ووقف ضدها وعرى أهدافها المشبوهة باستعمال اسم فلسطين، ولطالما رفعنا صوتنا مطالبين برفع الظلم عن شعبنا وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، حتى لا تبقى إسرائيل فوق المحاسبة وفوق القانون الدولي، ولكي لا يتذرع نظام أو تنظيم بأنه يدافع عن الشعب الفلسطيني ضد الظلم التاريخي الذي لحق به.

 

ونعتقد ونحن على حق، أن هزيمة هذه الجماعات عسكرياً وثقافياً، يمر عبر بوابة تحقيق السلام العادل، واستعادة حقوقنا التي نسعى لإنجازها بكل الوسائل المتاحة.

 

إن التطرف يتغذى على التطرف، والقوة بدون عدل استبداد، والمنطق يقتضي الكيل بمكيالٍ واحد لا مكيالين، فأعمال وممارسات المستوطنين لا يمكن وصفها إلا بالإرهاب، وحماتهم حماةٌ للإرهابيين.

 

إن المأزق الذي وصلت إليه عملية السلام بيننا وبين الإسرائيليين لا علاقة له بداعش أو غيرها، بل سببه استمرار التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، الذي حوّل مدننا وقرانا إلى معازل، وأوصل المفاوضات إلى طريقٍ مسدود، ما دفعنا للتوجه إلى المنظمات الدولية.

 

الأخوات والإخوة

 

لقد أثبتنا للعالم بأجمعه نوايانا الصادقة، وبأن العقبة عدم وجود شريك إسرائيلي يؤمن بالسلام، والإصرار على مواصلة الاستيطان وتهويد القدس، ما أفشل كل المبادرات والجهود الدولية، وآخرها تلك التي بذلتها الولايات المتحدة الحليف الأول والأكبر لإسرائيل، طيلة تسعة أشهر برعاية الوزير جون كيري، الذي يعلم جيداً أن المسؤولية تقع على عاتق الحكومة الإسرائيلية التي لم توقف الاستيطان، ولم تلتزم بإطلاق سراح الدفعة الرابعة من أسرانا.

 

كان قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 29 نوفمبر تشرين الثاني عام 2012، الاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية إنجازاً تاريخياً صوتت لصالحه 138 دولة وعارضته تسع دول فقط، لتغدو مكانة فلسطين القانونية دولةً تحت الاحتلال، مما يعطينا حق الانضمام إلى مختلف المنظمات والمعاهدات الدولية.

 

إن مشروع القرار الفلسطيني العربي المقدم إلى مجلس الأمن الدولي، ليس عملاً أحادي الجانب، فالأعمال أحادية الجانب هي التي تقوم بها الحكومة الإسرائيلية، أما مشروع قرارنا فيتضمن المبادئ التي أجمع عليها المجتمع الدولي، وهي إنهاء الاحتلال الإسرائيلي الذي وقع عام 1967، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة المترابطة جغرافياً والقابلة للحياة وعاصمتها القدس الشرقية.

 

نطالب في مشروع القرار بأمرين أساسين، هما تحديد الجدول الزمني لإنهاء الاحتلال خلال فترة لا تتجاوز نهاية عام 2017، تستبقها مفاوضات يمكن أن تستمر لمدة عام، يتوقف خلالها الاستيطان بشكل كامل.

 

لقد حرصنا ونحرص على إقامة أفضل العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، وعبرنا عن شكرنا لما تقدمه لنا من مساعدات، وبأهمية ومركزية دورها في تحقيق السلام، وبأنها الوسيط القادر على إحداث الاختراق إنْ تمسك بالنزاهة والحيادية، وأعلى من شأن مبادئ حقوق الإنسان والقانون الدولي.

 

لسنا نحن من يحرج أو يعزل الولايات المتحدة، بل من يزيدها عزلةً دفاعها عن سياسات إسرائيل، واستعمالها لحق النقض (الفيتو) عشرات المرات في مجلس الأمن، حتى لا تعاقب إسرائيل على أفعالها، ومن الواضح أن الحكومة الإسرائيلية لم تستوعب أو تتعظ من أن التحول الذي تشهده الساحة الأوروبية، من مقاطعةٍ لمنتجات المستوطنات، والاعترافات المتتالية بدولة فلسطين من قبل الحكومات والبرلمانات سببه الأساس أن العالم بأسره قد ملّ هذا الاحتلال البغيض، الاحتلال الوحيد الباقي والأطول في التاريخ الحديث.

 

الأخوات والإخوة الفلسطينيون

 

يا أبناء أمتنا العربية

 

نتابع والألم يعتصر قلوبنا الأحداث المأساوية التي تشهدها دول عربية عدة، حيث تستباح الدماء والأعراض والممتلكات، وكأن هناك مخططاً جهنمياً لتدمير وتشويه صورة أمتنا وديننا، ما يستوجب التوحد والتصدي لوأد هذه الفتنة التي تكاد تمزق النسيج الوطني والاجتماعي في هذه البلدان.

 

لقد اتخذنا موقفاً معلناً منذ بداية أحداث ما يسميه البعض بالربيع العربي، هو احترام إرادة الشعوب، مطالبين في الوقت نفسه بتجنب وتجنيب الفلسطينيين المقيمين في هذه الدول التورط في الصراع الداخلي، وتحملنا في نفس الوقت مسؤولياتنا بتأمين أقصى ما نستطيعه من مساعدات  للإخوة اللاجئين وبخاصة في سوريا، وقبلها في العراق، ممن تعرضوا للأذى والتهجير.

 

إن عدم انحيازنا لهذا الطرف أو ذاك، لا يعني تخلينا عن واجباتنا القومية، فقد دعونا ولا زلنا ندعو إلى الحوار بين الأنظمة وقوى المعارضة المعتدلة، إيماناً منا بأنه لا حل عسكري للصراع ، وسنواصل اتصالاتنا وجهودنا، ولن نتوقف فالجرح جرحنا، والدم دمنا.

 

الأخوات والإخوة...أيها الفلسطينيون الصامدون،،

في الذكرى الخمسين للانطلاقة، نجدد العهد ونجدد القسم، بأنه لا تنازل ولا مساومة على ثوابتنا الوطنية، وإعادة بناء ما دمره الاحتلال في قطاع غزة، وسنعزز الصمود والثبات في القدس والضفة الغربية، وسنرعى ونوفر العون لأشقائنا في مخيمات الشتات لحين العودة إلى أرض الوطن، وستبقى قضية إطلاق سراح أسرانا البواسل همنا الأول وشغلنا الشاغل، فهم الضمير الوطني ورمز الوحدة والصمود.

إخوتي وأحبائي...

أتوجه بالتحية لكم فرداً فرداً، وأُحيي صمودكم، أُحيي أحبتنا في سجون الاحتلال ومعتقلاته، أُحيي جرحانا البواسل وأدعو لهم بالشفاء العاجل، وأُحيي أهلنا في القدس وفي قطاع  غزة الحبيب، وأهلنا في الضفة الغربية، وأهلنا في دول الشتات واللجوء، وأُحيي فرسان المقاومة الشعبية السلمية والمتضامنين الأجانب المشاركين في مقاطعة منتجات المستوطنات والفعاليات ضد جدار الفصل العنصري والاستيطان.

والتحية كل التحية لأرواح شهدائنا ولروح شهيدنا القائد مفجر الثورة الأخ أبو عمار ورفاقه وإخوانه.

أُحيي أشقاءنا في الدول العربية والإسلامية، وأصدقاءنا الأوفياء في مختلف دول العالم.

وأتوجه في الختام بأحر التهاني والتبريكات إلى أبناء شعبنا كافة بمناسبة أعياد الميلاد المجيدة ورأس السنة الميلادية، والمولد النبوي الشريف، متمنياً أن يكون العام القادم، عام الاستقلال والحرية.

عاشت الذكرى الخمسون لانطلاقة فتح، انطلاقة الثورة الفلسطينية، عاشت فلسطين حرة مستقلة، عاشت القدس عاصمتنا رمزاً للتعايش والمحبة بين الأديان والشعوب.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

اخر الأخبار