حركة فتح .. الخط الأحمر الذى لا يمكن تجاوزه

تابعنا على:   12:57 2014-12-31

محمود سلامة سعد الريفى

في مثل هذا اليوم 1/1/1965م , أشرقت على فلسطين شمس يوم جديد يُعلن للعالم بداية مرحلة جديدة من إدارة الصراع مع العدو الإسرائيلي المحتل , وهزيمة مشروعه الاستعماري التوسعي بإقامة دولة اسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات انطلاقاً من أرض فلسطين بعدما ظن أن الفلسطيني مع نكبة العام 1948م يمكن أن ينسى أرضه ووطنه ويتعاطى مع الوضع السائد أمراً واقعاً لا يمكن تغيره أو حتى السعي لتغيره , وفى غمره ذلك تأتى المفاجأة الصادمة لدولة الاحتلال ذاتها ولدول العالم الداعمة لها متزامناً مع احتفالات العواصم العالمية برأس السنة الميلادية , ويُسجل هذا اليوم في حينه بداية مرحلة جديدة على طريق تحرير الأرض المحتلة تمثلت بانطلاقة حركة التحرير الوطني الفلسطيني " فتح ", وتأتى الانطلاقة لتعبر عن انعطاف تاريخي في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي ، واوجدت معادلة جديدة هي واحدة من أرقامها الصعبة التي لا يمكن اسقاطه أو اهماله , أو الاستغناء عنه بالإقصاء والنكران حيث تمكنت حركة فتح من تحديد بوصلتها من مفهوم النضال الوطني لتحقيق الحرية للأرض و الإنسان الفلسطيني , ولذلك تنطلق بفكر وطني ثوري يعتمد الكفاح المسـلح وحـرب استنزاف القوات الاسرائيلية نهجاً للمقاومة و النضال بالتراكم لتحقيق تحرير فلسطين , واعتمدت على أفكارها الراسخة ومبادئها السامية لأجل ذلك , وتمكنت من تطوير أدواتها النضالية , واقتحام الحلبة السياسية الدولية خاصة بعد قيام السلطة الوطنية الفلسطينية التي جاءت نتاج اتفاق أوسلو للسلام في سبتمبر من العام 1993م ..

أعلنت الحركة عن نفسها بعد قيام احدى مجموعاتها العسكرية بتفجير "نفق عيلبون", وبذلك تُعلن انطلاقة "حركة فتح" رسميا كحركة وطنية فلسطينية تنتهج الكفاح المسلح طريقاً لتحرير فلسطين كل فلسطين وحينها صدر البلاغ العسكري التاريخي الأول عن قوات العاصفة يتبنى الهجوم, لتتوالى بعد ذلك صدور البيانات و البلاغات المعلنة عن عمليات الحركة وبذلك تمكنت فتح من اثبات وجودها وحضورها على الساحتين الاقليمية و الدولية بالدم والبندقية المقاتلة.

شهدت نهاية الستينات مرورا بسبعينيات وثمانينيات القرن المنصرم تطوراً ملحوظاً كماً ونوعاً للعمليات الفدائية التي نفذتها فصائل منظمة التحر الفلسطينية وكانت الصدارة للنشاط المقاوم لمجموعات حركة فتح سواء فى الداخل المحتل أو حتى المتسللة من الخارج وخاصة من الجنوب اللبناني , وشرقي نهر الأردن , والجولان السوري , وفعلياً لا يمكن معرفة العدد الكبير لخسائر قوات الاحتلال الإسرائيلي من الأرواح و العتاد بسبب سياسة التكتيم المعمول بها في المؤسسة العسكرية الاحتلالية التي لا تجيز التصريح واعطاء المعلومات الدقيقة عن حجم الخسائر, وعلى الرغم من تحفظ قادة الاحتلال إلا أن تداعيات الفعل المقاوم بقى شاهداً على ردود أفعالهم , وتاريخ الحركة الوطنية المناضلة حافل بألاف العمليات الفدائية النوعية سطر خلالها رجال فتح ملاحم بطولية مثلت علامات مضيئة مشرفة لمن قاتل وقاوم واستشهد وأسر لأجل فلسطين , ولذات الهدف استشهدت ألاف من كوادر و مقاتلي الحركة وبضمنهم 14 من قادة اللجنة المركزية للحركة ونواتها الأولى خلال المشوار الثوري وعلى رأسهم الشهيدين القائدين المؤسسين "ياسر عرفات وخليل الوزير" .

في الذكرى ال50 لانطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة نستذكر ما قاله الزعيم الراحل "جمال عبد الناصر" بحق حركة فتح بعد معركة الكرامة التي استبسل فيها مقاتلو فتح وحُفرت على صدر الوطن و في و نُقشت بأحرف من نور في سطور التاريخ المضيء المقاوم المقاتل لحركة فتح ومثلت ولا زالت ارثاً مهماً من تاريخ الحركة المقاتلة , وكان ذلك بعد مواجهة مباشرة بين قوات حركة فتح وبعض وحدات الجيش الأردني حيث دارت رحى معركة أطلق عليها معركة "الكرامة" وقعت في 21 آذار 1968 حين حاولت قوات الجيش الإسرائيلي القضاء على قوات الثورة الفلسطينية التابعة لحركة فتح واحتلال الضفة الشرقية لنهر الأردن لأسباب تعتبرها إسرائيل استراتيجية تهدف منها إلى ضم أجزاء من الاردن قريبة من العاصمة عمان على غرار ما حدث مع الجولان السوري المحتل دون أن تنجح بمخططها والسبب أن مقاتلو فتح استبسلوا خلال المعركة ولقنوا القوات الاسرائيلية المهاجمة درساً لن تنساه دولة الاحتلال ولا جنودها ممن التحموا مع فدائي فتح لتعود القوات الاسرائيلية مدحورة تجر ذيول الهزيمة تاركة وراءها خسائرها من القتلى , والعتاد العسكري من الدبابات و ناقلة الجند.. حينها قال : أن حركة فتح وجدت لتبقى.. ويكملها القائد الخالد " ياسر عرفات .. فتح وجدت لتبقى .. وتنتصر" ويبقى هذا الشعار خالداً .

فتح وجدت لتبقى و تنتصر اصبح فيما بعد شعاراً خالداً له ما له من دلالات , وترسيخ لمبادئ الحركة السامية التي انطلقت لأجلها , ويمثل الانتصار و تحقيق الهدف بالحرية و العدالة وحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني هدفاً أسمى مهما طال الطريق المحفوف بالمخاطر الا أن ايمان المقاتل بالنصر المؤزر نهاية طبيعية لمشوار نضالي استمر طويلا و لا زال مستمراً دون كلل أو ملل , وهذا يمثل سر قوة حركة فتح التي يتوارث أبناءها الانتماء لفلسطين و للحركة أجيالاً بعد اجيال , وعلى نفس الخطى الواثقة و الثابتة معبرين عن حبهم وانتماءهم لحركة رائدة , حامية للمشروع الوطني الفلسطيني , وتمثل الصدارة في كل مشهد يخص القضية الفلسطينية .. دون أن يكون لمن حاولوا تهميش دورها , أو النيل من وحدتها , أو نضالاها أي تأثير , وذهبوا أدراج الرياح كم ذهب من حاول قبلهم , وتبقى حركة فتح برؤيتها الواقعية , مبادئها السامية و نسيجها الحركي , واطرها التنظيمية ومؤسساتها العاملة تمثل وعاءاً جامعاً للكل الفلسطيني , على اعتبار أنها كبرى الحركات الفلسطينية والحفاظ علي وحدتها و تماسكها مطلب وطني مقدس تمليه القيم الثورية و النضالية تجاه حركة مضى على وجودها في المشهد الفلسطيني و الاقليمي و الدولي نصف قرن حافل بكثير من الأحداث و المحطات التاريخية و المفاصل المهمة للقضية الفلسطينية التي عانت الاهمال ومحاولات الاندثار , وتكون ارادة حركة "فتح" بنقل القضية الفلسطينية إلى دائرة الحدث , وتَصدر المشهد , ومثل ذلك انبعاثه جديدة للفلسطيني وبداية مشوار طويل لازال مستمراً لأجل انتزاع الحق الفلسطيني بإقامة الدولة الفلسطينية و عاصمتها القدس الشريف وفق قرارات الشرعية الدولية , وهذا يتطلب المزيد من الالتفاف حول القيادة الفلسطينية ممثلة بالرئيس " أبومازن" , والحفاظ على قوة وتماسك الحركة والعمل على اسنادها ودعمها بكل المجالات , لأن قوة "فتح" هي قوة للشعب الفلسطيني و للمشروع الوطني التحرري في مواجهة مشاريع الاحتلال التهويدية , ولأجل استمرار الحركة بعطائها بذات الزخم , وتحمل مسؤولياتها التاريخية تجاه الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة يستمر العرس الديمقراطي الفتحاوي و يتم انتخاب هيئاتها القيادية ومكاتبها الحركية وقيادة القواعد تهيئةً لعقد المؤتمر السابع للحركة حيث يساهم ذلك بفرز قيادات حركية يسند إليها المهام القيادية و التنظيمية ترتقى لمستوى الحدث و تتحمل أعباء المسؤولية الوطنية , وما تتطلب المرحلة الدقيقة التي تمر بها قضية شعبنا نحو التحرر الوطني .

حركة فتح كغيرها من الحركات التاريخية تعرضت لمحاولات عدة كانت تهدف من النيل من وحدتها وقوتها وتماسكها بعدما تعاظم المد و الدعم الجماهيري لها , وهذا ما لا يروق لبعض القوى العربية و الاقليمية و الدولية التي حاولت جاهدة على احتواء الحركة و الالتفاف عليها و تطويعها لتكون بيد ذلك الطرف أو ذاك , دون أن يحدث ذلك بسبب القيادة القوية التي وقفت بوجه كل المحاولات المشبوهة وحالت دون حرف الحركة عن مسارها وبرنامجها الثوري , وتمكنت من الصمود أمام سيل من الضغوطات ومحاولات اخضاع الحركة, لتخرج قوية متسلحة بإرادة المقاتل الثائر من يحمل فكراُ ونهجاً ثورياً ترسخت تعاليمه بقوة , وهذا من شأنه أن يوجه رسالة لكل المحاولات التي ولدت ميتة لمن يحاولون الخروج عن شرعية حركة فتح.

بعد 50 عاماً من المقاومة , والصمود لأجل انتزاع الحق الفلسطيني , واقامة الدولة الفلسطينية على جزء من تراب فلسطين التاريخي , لم يكن ذلك تنازلاً عن تحرير الأرض من نهرها إلى بحرها , لكن استشراق حركة فتح وبعد نظرها وقراءتها لواقع السياسة الدولية جعلها تعتمد المرحلية بالتحرير ولذلك وافقت على قرارات مجلس الامن 242 و 338 والنضال لتطبيق القرارات واقعاً يفتح المجال امام قيام الدولة على حدود حزيران 1967م وعاصمتها القدس , دون التنازل عن شبر واحد من فلسطين , وفى هذا الاطار يسجل لحركة فتح وللرئيس "أبو مازن" مواقفه الثابتة من الحق الفلسطيني , وسيذكره التاريخ كما ذكر سلفه القائد الخالد "ياسر عرفات" وخطابه الشهير في الأمم المتحدة أمام مرأى ومسمع العالم وكلماته التي لازالت فاعلة " جئتكم بغصن الزيتون بيدي , وبندقية الثائر في اليد الأخرى .. لا تسقطوا الغصن الأخضر من يدى" , وعلى ذات الطريق تمكن الرئيس " محمود عباس" من انتزاع الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية ويتم اعتراف 138 دولة بفلسطين دولة بصفة عضو مراقب في الأمم المتحدة خلال الجلسة التي عقدت يوم 29/11/2012م , وكان ذلك مهماً ووضع القضية الفلسطينية في دائرة الاهتمام , واعطى زخماً وتأييدا واسعاً للخطوات الفلسطينية في المحافل الدولية على طريق نقل ملف القضية لمجلس الأمن الدولي ليصدر قراره بشأن الصراع العربي الإسرائيلي وانهاء احتلال دولة لدولة أخرى خلال فترة زمنية محددة وبات هذا التوجه حاضراً بعد الاعترافات المتتالية لبرلمانات الدول الأوربية بالحق الفلسطيني واقامة دولته المستقلة , ولم يكن هذا ليكون لولا السياسة الحكيمة و المتزنة واتقان لعبة السياسة التي يتمتع بها الرئيس "محمود عباس" والدبلوماسية الفلسطينية.

بعد 50 عاماً من النضال , ورغم محاولات الطمس للهوية الفلسطينية , ومحاولات فرض سياسة الأمر الواقع , ورغم اجراءات التهويد الاحتلالية وتزوير التاريخ , و برغم محاولات الهيمنة والاقصاء و الالتفاف و التشويه التي فشلت وتحطمت على صخرة صمود وقوة الحركة تمكنت حركة فتح منذ انطلاقتها الأولى من اسقاط كل المشاريع التصفوية للقضية الفلسطينية , واسقاط كل المعادلات المتنكرة للحق الفلسطيني , وافشال كل خطط التفتيت وبث الشقاق وايجاد معادلة واحدة لا يمكن القفز عنها أو استثناءها لسان حالها يقول لا سلام و لا أمان في المنطقة بدون احقاق حق تقرير الشعب الفلسطيني و اقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس حقاً مشروعاً راسخاً ثابتاً.. و أن حركة فتح خطاً أحمر , ورقم صعب في أي معادلة , وأنها قوية بجماهيرها و باقية لطالما بقيت فلسطين .. ولحركة فتح في يوبيلها الذهبي أن تفخر بما حققته من انجازات تاريخية مكنتها أن تكون الحاضنة للمشروع الوطني باقتدار , وواجب وطني أن يحتفى بهذا اليوم التاريخي , وتجديد البيعة لحركة فتح وقياداتها التاريخية ..

اخر الأخبار