
من يقصي من..؟
كتب حسن عصفور/ عبر سنوات طويلة لجأ تيار 'الإسلام السياسي' خاصة جماعة الإخوان المسلمين إلى استخدام 'فزاعة' العمل على إقصائهم من المشاركة في الحياة السياسية، وتعايشوا مع هذه المقولة وكأنها 'حقيقة سياسية' ولم يفكر أي منهم في حقيقة هذه المسألة دون استخدام الكلام العشوائي في وصف مسار الأحداث، خاصة مع أنظمة الحكم العربية بغالبيتها القائمة، وربما غير سوريا لم تشهد حركة الإخوان والتيار الإسلامي غير المسلح عربيا لملاحقته، منذ 'الصفقة التاريخية' لهم مع نظام السادات إثر مقتل الزعيم الخالد جمال عبد الناصر والاستقواء بهم بعد أن فتح لهم أبواب العمل دون قيود سياسية أو اقتصادية، وسمح لهم ببناء منظومة متكاملة من المؤسسات الأهلية تحت مسميات مختلفة من 'العمل الخيري'، باتت اليوم تشكل بناء أخطبوطيا في مصر المحروسة مع قوة اقتصادية مالية لم يتوقف كثيرون عند مصدرها، بل إن فترة الرئيس السابق مبارك تعايشوا معه لفترات طويلة واستفادوا من العلاقة معه أفضل كثيرا من غيرهم من قوى أخرى، وهم التنظيم السياسي الوحيد الذي كان يسمح له بالعمل وسط الجامعات المصرية بمسيمات طلابية وجمعيات في حين تحرم كل قوى مصر من هذه الميزة..
وفي دول الخيلج العربي يشكلون ركيزة تحالف سياسي خاص مع أنظمة الحكم بها، ولم نسمع يوما عن 'صدام سياسي' مع حكامها ، رغم أن الوجود الأمريكي السياسي – الأمني والعسكري بها هو الأقوى والأوسع خارج أوروبا، ولكنهم يشاركون الصمت أو التأييد، ولعل مشاركتهم لدولة قطر في سلوكها السياسي العام مع التواجد الأمني – العسكري الأمريكي الأكبر في المنطقة، في وقت ارتضوا أن يحلوا تنظيمهم الإخواني القطري كي لا يغضبوا الحكم الأميري بها.. في حين أنهم يتمتعون بعلاقة تحالف سياسي في الجزائر عبر تنظيمهم الرسمي المعروف باسم 'حركة مجتمع السلم – حمس-'، وربما تعرضوا في تونس لملاحقة لم تكن مقبولة من القوى الوطنية، هم وقوى ديمقراطية أخرى.
لكن الصورة العامة أنهم تعايشوا وتعاملوا مع الواقع القائم عربيا وفقا لمصالحهم دون غيرهم، ولعل المشهد الأخير منذ الحراك العربي أظهر ما يضمرون وطريقة تفكيرهم تجاه العلاقة مع القوى الأخرى، ولقد كشف الدكتور يوسف قرضاوي جوهر 'الفكر السياسي' لحركة الإخوان المسلمين وتيار 'الإسلام السياسي' عندما تحدث وعبر خطبة الجمعة التي تتخصص قناة 'الجزيرة القطرية' بنقلها من الدوحة، حيث دعا القرضاوي الشعب العربي خاصة في مصر بعدم انتخاب 'العلمانيين' و'غير المسلمين'، المسألة هنا ليست رأيا فكريا أو سياسيا، فهو حر فيما يقول أو يتحدث، ولكن في قمة التفكير الانتهازي المخادع الذي يقف في جوهر ممارسة وسلوك هذه الجماعة.. فحزب الإخوان المسلمين يتحالف مع بعض تيارات علمانية فيما يسمى بـ'التحالف الديمقراطي'، فيما شكلت تونس تحالفا سياسيا من حزب 'النهضة' الإسلامووي والذي كان محل دعم وإسناد مطلق من القرضاوي ودولة قطر، ولذا كانت أول زيارة لرئيس الحزب بعد الانتخابات لدولة قطر 'زيارة شكر وامتنان' وطبع قبلة على رأس الشيخ القرضاوي. حزب تحالف مع حزبين 'علمانيين' لتشكيل المشهد السياسي التونسي الجديد فقط لأنه لا يستطيع أن يحكم منفردا بقوة الصوت الانتخابي..
وربما تكشف أحداث ليبيا عمق الانتهازية والإقصائية التي تكمن في فكر تيار إسلامووي ينتعش ضمن ظروف إقليمية – دولية لم تعد سرا على أحد، فحكم ليبيا الراهن هو نتاج 'تحالف أطلسي' عربي، أنتج شراكة 'إسلاموية – علمانية'، وفي المغرب العربي هناك حزب يقيم أفضل صلات التواصل مع القوى الديمقراطية بعلمانييها ويساريها.. حزب مغربي يريد أن يكون للمغرب وحدها وليس وكيلا لغيرها تحت مسميات مختلفة..
وسلوك إخوان مصر بعد الثورة يشير بلا مواربة إلى طريق يختزن مفهوما 'إقصائيا' يميل كثيرا إلى سلوك حماس في قطاع غزة، وقبلها في أول حكم إخواني في المنطقة حكم السودان بقيادة الجنرال البشير.. وكيف أنه حكم لم يستطع التعايش مع الترابي وليس مع علمانيي السودان..
يتباكون على التحالف لو كانت الضرورة تفرضها، ويتنكرون لها أن أحسوا أن الأيام لهم .. جوهر ثقافتهم 'إقصاء الآخر' ..ولعل ثورتهم ضد طيب أردوغان بعد أن طالب مصر أن تكون دولة علمانية نموذجا ملموسا لما يفكرون .. وردة فعلهم كشفت أنهم لا يستطيعون 'قبول الآخر' بسلاسة.. ويبدو أن خطبة الشيخ القرضاوي جاءت لتمحو آثار حديث أردوغان..
الغرور لم يكن يوما طريقا للنجاح .. والأغلبية البرلمانية لا تعني أيضا أنها ضمانة الانتقال إلى عالم أكثر تطورا.. التغيير الحقيقي للتعايش والتعامل مع الآخر هو السبيل للنجاح.. وكفى لثقافة 'الإقصاء' الكامنة في جوهر فكر بعض الجماعة وتيارها السياسي، وقبلهم القرضاويين مهما تلونوا.. ويبقى السؤال من يقصي من حقا سلوكا وممارسة وثقافة ونهجا، إن باتت له الغلبة..؟!
ملاحظة: 'المحاصصة الديمقراطية' الليبية تميزت بنكهة غريبة.. اقتل القذافي تصبح وزيرا للداخلية .. اعتقل نجل القذافي تؤول لك وزارة الدفاع.. ولكل مدينة ليبية نكهتها الوزارية.. بشاير 'ديمقراطية' التحالف الأطلسي الجديد..
تنويه خاص: تصريحات الزهار الأخيرة تكشف أن بعضا في حماس ليسوا متحمسين للمصالحة.. يريدونها بمقاس المصلحة القائمة في القطاع..
تاريخ : 23/11/2011م