معبر رفح ..بوابة لتغيير معادلة سياسية

تابعنا على:   19:44 2014-12-27

كتب حسن عصفور/ بعد أربع سنوات تقريبا يتم التوقيع بالأحرف الأولى بين حركتي 'فتح' و'حماس' على ورقة 'تفاهمات فلسطينية – فلسطينية' خاصة، بعد أن قامت 'حماس' بتوقيع الورقة المصرية أولا دون أن يتم المساس بها أو تعديلها عكس ما طالبت به قيادة الحركة طوال أشهر عدة، ما يشير إلى أن العقدة لم تكن مصرية أو سورية أو إيرانية بقدر ما هي مصالح فصائلية، ولعل التوقيع وطريقته وشكل الإخراج المفاجئ لحركة فتح ووفدها الذي تواجد في القاهرة يعكس أن هناك عوامل عدة وقفت وراء تلك المفاجأة السياسية الكبيرة، والتي جاءت متعاكسة مع حلبة'الردح الإعلامي' ساعات قبل التوقيع بين طرفي الأزمة.. ودون أدنى شك أن التوقيع بذاته فعل مهم، وفي انتظار التوقيع الرسمي بحضور ممثلي مختلف القوى الفلسطينية ذات الحق في المساهمة ( الجهاد الإسلامي اعتبرته توقيع شهادة وليس توقيع مشاركة) ، سيكون من الضرورة تناول الحديث عن ما 'محصنات العمل المستقبلي' في وقت إلى ما بعد التوقيع الشامل ، خاصة البعد السياسي والشق التنفيذي في اتفاق طال انتظاره، وجاء في ظروف قد لا تبدو مريحة لكلا الطرفين المحاصرين بأزمات عدة..( والحديث عنه لن يكون في خانة التهويل أو التهوين مما هو ضرورة للنجاح)..

يبدو أن الفرج الأبرز - الملموس من جراء توقيع الاتفاق سيكون الوضع على الحدود المصرية – الفلسطينية ومعبر رفح، حيث أعلنت مصر بلسان وزير خارجيتها د.نبيل العربي( وله من اسمه نصيب بنبله السياسي وإيمانه العروبي) أن معبر رفح سيفتح بشكل كامل خلال الأيام العشرة القادمة، وستنتهي تلك الحالة المهينة التي حكمت الطريقة التي كان يتم التعامل بها لأهل غزة خروجا ودخولا من غزة وإليها، سيكون تعاملا جديدا يحكم العلاقة بين الطرفين. تصريح لا تقتصر أهميته على فتح المعبر بكل ما لها من ضرورة، ولكنه يعيد صياغة العلاقة الفلسطينية – المصرية بروح جديدة، أكملها الفريق سامي عنان رئيس أركان القوات المسلحة المصرية، ردا على الحملة الإسرائيلية المسعورة ضد فتح معبر رفح، حيث أعاد الفريق عنان تذكير قادة المحتل الإسرائيلي بأن هذه قضية فلسطينية – مصرية لاشأن لإسرائيل بها نهائيا، ما يؤشر أيضا أنه لن يكون هناك حضور أوروبي مراقب ..

التصريح المصري هنا يفتح بابا سياسيا لم يكن حاضرا منذ زمن، ولعل الانقسام وما حدث نتيجته من وضع سياسي خاص بعد سيطرة حماس على القطاع بالقوة المسلحة، كان مكبلا بشكل أو بآخر لفتح الموقف السياسي تجاه العلاقة الحدودية بين فلسطين ومصر، وربما ما كان بالإمكان قول ما قاله الفريق عنان وقبله الوزير العربي لو لم يتم توقيع الاتفاق الأولي، والإشارة تأتي من تحديد الأيام العشرة لفتح المعبر بطريقة عمل كاملة الطاقة والبعد السياسي الجديد..حيث ستفتح المصالحة أو بالأدق الاتفاق على المصالحة، باب عودة السلطة الرسمية للحضور على بوابة فلسطين الجنوبية في سياق وجود القطاع كجزء من السلطة الفلسطينية، وليس منعزلا عنها، ما سيمنح مصر قوة دفع بأن لا يتم حساب أفعالها كخطوات تساهم في تكريس الانقسام وتساعد 'تمرد'حماس على الشرعية الفلسطينية كما كان سائدا في الموقف خلال الفترة ما قبل 25 يناير..

بوابة رفح، هي الثمرة السياسية الأبرز التي سيتم قطفها بعد توقيع الاتفاق على المصالحة الوطنية، ولعله سيكون الأكثر ملموسية والأكثر توافقا واتفاقا بين طرفي الأزمة( رغم ما قد يبرز من تباين السيطرة المدنية والأمنية على المعبر)، ما يمثل سعادة قد لا يشعر بها من ليس من سكان القطاع، الذين تم حصارهم لسنوات بمسميات مختلفة، حتى عندما يتم السماح بفتح المعبر تكون قوائم السفر وفقا لانتماءات سياسية، معاناة تفوق الكتابة بوصفها، وسيدرك كل فلسطيني من أهل القطاع قيمة جديد القرار المصري خلال أيام معدودة لن تنتظر تشكيل الحكومة التي يفترض أنها ستكون 'توافقية'، وسيتمكن كل من يريد السفر وحلمه بالخروج من قمقم الحصار والمحاصرة أن يرى نور حريته الجديدة، بأمل ألا تبرز'مطبات صناعية' تحول دون ذلك..

بوابة رفح، ستكون بوابة عبور سياسي نحو محطات وعلاقات تختلف عما قبلها، تبدأ بفتح صفحة جديدة مع مصر بكل ما تعني كلمة صفحة جديدة في التعامل مع أبناء القطاع المغادرين، خاصة أنها بوابتهم الوحيدة للعالم الخارجي، إلى حين فتح مطارهم من جديد وميناءهم المنتظر حلما بتغيير معالم العلاقة مع كوكب الأرض، كما أن قادم الأيام يتطلب دراسة الحكومة الفلسطينية القادمة بدراسة كل ما هو سياسي وقانوني لاستبدال العلاقات الاقتصادية – التجارية مع دولة الاحتلال بالسوق المصري بكل أبعاده، ودون ربط هذه المسألة المهمة جدا لأهل القطاع وحياتهم المعيشية وتطورهم الاقتصادي بتعقيدات المسألة القانونية المجردة، يمكن فتح السوق الغزاوي بشكل رسمي باتفاقات محددة وشرعية، دون أن تعلن السلطة إلغاء اتفاقاتها( المكبلة والمعلقة) مع إسرائيل، ولكنها تستطيع تجفيفها إلى الحد الأدنى..

وهذه البوابة، ستفرض بحثا عميقا لمسألة العملة المتداولة في الاقتصاد الفلسطيني خاصة داخل القطاع والسيولة التي تتحكم بها إسرائيل عبر تدوال العملة الإسرائيلية ( الشيكل)، ما قد يضطر السلطة وحكومتها القادمة في تدارس هذه المسألة وطبيعة عمل البنوك، ويمكن توقيع اتفاقات جديدة مع بعضها لتصبح بوابة عملها معبر رفح وليس معبر بيت حانون( ايرز)، مسألة شائكة ولكن تحرير الاقتصاد من التبعية الإسرائيلية يحتاج دراسة كل الاحتمالات الممكنة، بما فيها إيجاد بديل عملي لمسألة 'تجارة التهريب والأنفاق'، والتي أصبحت وكأنها جزء مهم من مكونات الاقتصاد في قطاع غزة.. قضية تبدو سهلة أمام ناظر البعض، لكن حقيقتها وواقعها وما أنتجته من وقائع ميدانية ستكون غاية في التعقيد، خاصة للمستثمرين بها أموال طائلة..

وستفتح بوابة رفح دراسة العلاقة للوجود الفلسطيني في خارج الوطن، خاصة من يتعرضون لأوضاع غاية في الصعوبة نتاج حراك شعبي عربي، ولا أدل على ذلك من فلسطينيي ليبيا وبعض قيادات تحتار أين تذهب بعد 'المسألة السورية'، خاصة قيادة حماس التي يمكن لها أن تذهب إلى القطاع بدلا من أن تحتار في خيار مقر بديل، وستكون غزة أكثر 'بركة ورحمة' من غيرها من بلدان لها وعليها.. ولمنع أن تتحول القيادات الفلسطينية رهينة في يد تلك البلدان..

بوابة رفح ..ستكون بوابة عبور لفلسطين جنوبا لوطن ينتظر استكمال تحريره، وسيكون لها دور في مستقبل صياغة النظام الفلسطيني في تحديه القادم بعد سبتمبر(أيلول)، إن كان التحدي ما زال قائما في أجندة العمل الوطني..

ملاحظة: تحدث الرئيس عباس بأن المصالحة ستخدم السلام مع إسرائيل، بينما تحدث الزهار بأن المصالحة ستخدم المقاومة.. تناسى كل منهما أن السلام غائب والمقاومة مجازة إلى حين..

 

تاريخ : 1/5/2011م  

اخر الأخبار