مصر إلى أين..؟

تابعنا على:   19:42 2014-12-27

كتب حسن عصفور/ تشهد مصر حالة جدل سياسي – فكري هي الأكثر سخونة منذ انتصار ثورة 25 يناير، يعتقد الكثيرون أن نتاجها سيكون عاملا مصيريا في رسم أي مصر ستكون في المستقبل، وما هي ملامح الدولة المصرية ومدى قدرتها على الاحتفاظ بمكاسبها الثورية لبناء مصر المعاصرة الديمقراطية التي يمكنها أن تعيد لها قدرتها النهضوية في مكانة إقليمية تسمح لها بالريادة وليس بالتبعية أو الانزواء كما تخطط قوى إقليمية وعالمية لمصر بعد الثورة.. ولم تكن الجمعة التي خرجت بها تيارات 'الإسلام السياسي' خاصة التيارات السلفية إلا نذير بدخول مفاهيم ورؤى تريد الذهاب بمصر نحو منحنى يتجاوز البعد الديمقراطي للدولة المدنية، وهو ما دفع غالبية القوى المصرية بما فيها قوى الحكم من مجلس عسكري وحكومة إلى التفكير نحو إيجاد طريقة جديدة لحماية 'الثورة ومكاسبها'،عبر صياغة مبادئ رئيسية للدستور المرتقب تخضع منذ الآن إلى حوار وطني بين مجمل القوى السياسية، ويهدف إلى التوافق الوطني على تلك المبادئ، 'تمهيدا لإصدارها في إعلان دستوري جديد، يضمن أن يأتي الدستور الجديد معبرا عن توافق الشعب كله، على أن يحقق نظاما ديموقراطيا يؤكد حقوق الإنسان المصري، ويضمن مدنية الدولة وسيادة القانون والتوازن بين السلطات، ويوفر ضمانات تكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية وصيانة القيم ويؤكد أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع، وأن الشرائع السماوية للمصريين من غير المسلمين هي المرجعية، فيما يخص أحوالهم الشخصية وشؤونهم الدينية»، كما جاء في نص بيان مجلس وزراء مصر.

وسبق للأزهر الشريف أن أصدر 'وثيقة سياسية' اعتبرتها غالبية القوى تشكل مرجعية وأساسا للدستور، فيما تقدم 'التحالف الديمقراطي' والذي كان يضم قوى رئيسية منها حزبي الوفد والتجمع وكذلك حزب الإخوان – الحرية والعدالة، بوثيقة استندت لوضع 'مبادئ أساسية' ضامنة لدستور مصر المنتظر، وجاءت تلك الوثائق لتشكل حلا لمعضلة خلاف دخل إلى قلب قوى الثورة، بين 'الانتخابات أولا' أو 'الدستور أولا'، لذلك جاءت محاولة الأزهر الشريف ووثيقة 'التحالف الديمقراطي' في حينه كرسالة آمان مصرية، إلا أن تطورات لاحقة كشفت أن 'التيارات الإسلامية' عدا (الحركة الصوفية) رفضت أي فكرة لما سمي بالمبادئ الضامنة للدستور أو ما سمي من البعض بالمبادئ الحاكمة للدستور، وهو ما أربك موقف الإخوان المسلمين وحزبهم، فتراجعوا عن تأييدهم لما جاء في الوثيقة التي وافقوا عليها مع أحزاب أخرى، وأيضا ترحيبهم بوثيقة الأزهر الشريف، ما دعا حزب التجمع اليساري للانسحاب من 'التحالف الديمقراطي' وتهديد حزب 'الوفد' بسحب تحالفه مع الإخوان أيضا، بعد أن تراجعوا عن الوثيقة المشتركة التي وافقوا عليها سابقا، ما أدى إلى قول أحد قادة الوفد بأن الإخوان لا يحترمون 'عهودهم' وسرعان ما يتراجعوا عن تحالفاتهم..

الخلاف السياسي – الفكري حول المبادئ السياسية للدستور والتوافق عليها، تشكل اليوم القضية الرئيسية التي تشهدها مصر، خاصة أن المجلس العسكري والحكومة يراها ضرورية لتأكيد 'هوية مصر ودورها الحضاري' وحمايتها من أخطار بدأت تهددها ، وجسد بيان الحكومة المصرية هذه المسألة مشيرا إلى أنه «في ضوء ما أثير على الساحة الوطنية أخيرا من تعارض بين الشعارات التي ترفعها القوى السياسية وبما يوحي بمحاولة البعض التفرّد بالساحة ورفع شعارات بعيدة عن روح الثورة وظهور أعلام غريبة عن الدولة المصرية، يؤكد مجلس الوزراء على قلقه البالغ من هذا التحول الذي يتناقض مع الدعوة للم الشمل وتحقيق أهداف ثورة 25 يناير». هذا البيان فتح نقاشا ساخنا جدا بين 'القوى الديمقراطية – المدنية' من جهة وتيار 'الإسلام السياسي' من إخوان وجماعات وسلفيين، الذي تراه القوى الديمقراطية ضرورة لابد منها قبل الانتخابات القادمة،ليكون بمثابة إعلان دستوري يعزز من الإعلان السابق، الذى رآه كثيرون أنه جاء متسرعا.. بينما تراه الأخرى، افتتاتا على حرية الشعب في الانتخابات القادمة، ومصادرة لحرية الناخب، وهددت بأنها لن تسكت في حال إقرار تلك 'المبادئ السياسية' قبل الانتخابات..

الخلاف الدائر اليوم فوق أرض المحروسة، لم يعد حالة جدلية بين أي مصر تكون، بل هناك قوى بدأت تعمل ضمن 'أجندات خاصة' وعبر أساليب عدة، منها التمويل متعدد المظاهر، وهو ما أشار إليه البيان الحكومي بشكل ما، فهناك نقاش متسع لمسألة أخرى، فيما يعرف اليوم بقضية التمويل الأجنبي، وتقف الولايات المتحدة أبرز القوى المتهمة في هذه القضية، من خلال تقديم ملايين الدولارات إلى بعض المنظمات المصرية الشبابية، تحت عناوين 'تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان'، مسألة فتحت بابا لنقاش مجمل المال الأجنبي الذي يدخل مصر لقوى وفئات تحت أغطية ونشاطات مختلفة، لم يقتصر على المال الأمريكي فحسب، بل هناك اتهامات مباشرة لبعض دول خليجية بأنها أخذت تقدم مئات الملايين إلى قوى تحت غطاء مؤسسات وجمعيات أهلية ومؤسسات إعلامية بهدف التلاعب بالأجندة الوطنية وفقا لحسابات تبتعد عن الجدول المصري، وإدخال مصر وثورتها في إشكاليات وخلافات لا تسمح لها بالعودة لاحتلال دورها الريادي القومي – الإقليمي، وأيضا منعها من النهوض الاقتصادي والتنموي وإبقائها في دائرة التبعية الاقتصادية لضمان السيطرة على موقفها السياسي..

فما يحدث اليوم في مصر ليس سوى مقدمة على معركة مصر القادمة وأي مصر تكون، هل مصر الدولة المدنية الديمقراطية، أم مصر التي تفتح طريق الفتنة السياسية – الدينية من خلال 'المصيدة الديمقراطية' لمرة واحدة، مخاوف يتم نقاشها، رغم أن غالبية القوى الديمقراطية ترى صعوبة أن يتم ذلك، إلا أن العمل لمنع الاحتمالات من سرقة الثورة المصرية عبر التوافق على صياغة 'وثيقة المبادئ الأساسية الدستورية' تشكل عاملا لحمايتها من أي احتمالية في ظل 'تدخلات غربية – عربية' عبر مال سياسي ونشاطات متعددة المظاهر والتلاوين..وهي القضية التي تريد إنجازها الحكومة المصرية عبر وثيقة يتم صياغتها ترتكز على مجمل الوثائق الدستورية التي تمت سابقا..

ولكن، هل ستقبل الحركات الإسلامية وتحديدا إخوان مصر بتلك المبادئ وتدخل في مواجهة مع المجلس العسكري والحكومة والقوى الديمقراطية، أم أنها ستقبل في النهاية بتلك الأحكام خاصة وأن الأزهر الشريف والإمام الأكبر صاغ وثيقة دستورية، لا يمكن تجاهل قوتها المعنوية والشعبية، مع تأييد الحركة الصوفية ذات الحضور القوي في مصر لها، وتهديدات حزب الإخوان بمناهضتها قد لا يكون سوى مناورة لإرضاء القوى السلفية والجماعة الإسلامية التي تحاول 'سحب البساط' من تحت أرجل نفوذ الإخوان، وأيضا للبروز بموقف القوى الأساسية التي تقف في مواجهة القوى الأخرى، بعد الاتهامات التي طالتها بعقد صفقة مع المجلس العسكري وحوارها مع الولايات المتحدة، والانشقاقات التي نالت منها مبكرا..

مصر تشهد حالة سيكون نتيجتها حاسمة في مستقبل الثورة في مصر والمنطقة العربية بمجملها..

ملاحظة: أرقام ديون العرب على أمريكا مذهلة..الكارثة أن أمريكا تتحكم بنا ومصيرنا رغم أنها هي المتوسل وليس العرب..يا لنا من حكام دونيين وبؤساء..

 

تاريخ :14/8/2011م  

اخر الأخبار