'كرامة' كسر الحصار..

تابعنا على:   18:50 2014-12-23

كتب حسن عصفور/ انتهت أخيرا 'مغامرة' بعض من شباب أوروبا على متن قارب صغير نحو 'شاطئ غزة'، مغامرة بالمعنى الشامل للتعبير، فالمجموعة حاولت بكل الطرق أن تكسر حرب المطاردة البحرية والجوية التي فرضت على مجموع القوارب التي كادت على وشك الحركة من بعض الموانئ في اليونان بعد أن تعطلت حركة 'الإبحار' من الموانئ التركية كون الحكومة الأردوغانية لم تر ضرورة لفتح معركة جديدة مع حكومة نتنياهو بناء على رغبة من البيت الأبيض، ولذا ذهب الراغبون للوصول إلى القطاع بحرا إلى مدن اليونان، الدولة التي استقبلت سفن الخروج الكبير لياسر عرفات الرمز الخالد لكفاح الشعب الفلسطيني، يوم أن أجبر بقوة الدبابة والسياسة الإقليمية والغربية بقيادة 'رأس الحية' أمريكا،على ترك لبنان فاختار تونس عبر اليونان، يومها كانت اليونان غير اليونان، ولذا كان الاستقبال مختلفا، ولكن يبدو أن ذاكرة البعض المتضامن لم تر متغير السياسة الأخير بانتقال اليونان من حال إلى حال بعد أزمتها المالية الخانقة، والتي أوصلتها إلى حافة الانهيار رغم التدخل الغربي والاتحاد الأوروبي لإنقاذها.. تغير ظهر جليا في كيفية تعاطي الدولة اليونانية مع 'قوارب الحرية وكسر الحصار' حيث بدأت حركة المنع من موانئها، بل وطاردت كل قارب تمكن من الهرب من بين فك سلاحها البحري حتى وصلت لاعتقال واحد قبالة جزيرة كريت، وكأن المفارقة تأبى أن تغيب عن المشهد، كون لكريت بعض من الحضور في الوجود الفلسطيني التاريخي.. وذاكرتنا تحتفظ بأن بعض سكان الوطن الفلسطيني وقبل غزوات الاستعمار جاءت من جزيرة كريت..

ورغم حرب اليونان البحرية تمكن أحد قوارب الكسر من الهروب ووصل إلى قبالة شاطئ غزة، فكانت له بحرية الدولة الاحتلالية بالمرصاد، اقتحمته واعتقلته بمن عليه ولتضع حدا لمغامرة كانت محسوبة بشكل مثير، وكالعادة أصدرت بعض القوى بيانا لاستنكار ما أقدمت عليه قوات الاحتلال الإسرائيلي بل وذهب البعض لـ'تحذير دولة الاحتلال' من أي مساس بحياة المتضامنين، وكأننا أمام مشهد كاركيتوري لا أكثر، عندما تذكر البعض الفلسطيني ما فعلته تل أبيب وتجاهلت كليا أصل الفعل الردئ من بلد كان أكثر من صديق لنضال الشعب الفلسطيني في 'الزمن العرفاتي' من العهد العصر الفلسطيني الحديث، غابت الحقيقة في أن منع الفعل التضامني بدأ باستجابة دول كفرنسا واليونان وحتى تركيا بشكل مؤدب للتهديد الإسرائيلي الأمريكي، وقامت بعمليات قرصنة حقيقية، لكسر روح التحدي والتصدي عند مجموعة 'فعل كسر الحصار' الأوروبي – الدولي مع الشعب الفلسطيني متجسدا فيما بات معلوما بحصار غزة..

 وتناول المسألة هنا ليس بحثا عن معونات غذاء ودواء وملبس من بالات أوروبا أو مخازنها، وبعض سيارات لا تفيد الشعب كثيرا، وليس كل ما بالسفن والقوارب من مواد مهما كان اسمها أو نوعها، حيث القضية تفوق ذلك بكثير في المعنى والمغزى الذي تجسده تلك الحركات التضامنية، ودورها الجديد في التعاطي مع القضية الفلسطينية، وهي محاولة من بعض شباب أوروبا المعادي بكل صدق إلى الاستعمار والاحتلال، والمدافع إلى ما لانهاية عن حقوق الشعب في الحرية والتحرر وحقوق الإنسان، مجموعات كانت كل بلدان أوروبا تقريبا تشهد تشكيلاتها حتى مسمى لجان التضامن مع فلسطين أو الثورة الفلسطينية، لجان تشكلت بعد نجاح الثورة الفلسطينية المعاصرة وخاصة بعد عدوان 1967 وإثبات قدرة الرد والمواجهة على الهزيمة، وتكريس حالة كفاحية سادت المنطقة العربية، فكانت فلسطين تنتشر عبر تلك اللجان، وارتبط بها الثورة الفلسطينية عبر أشكال عدة من العمل المشترك في حينه، إلى أن بدأت مرحلة التعالي الرسمي الفلسطيني عليها مع انعطافة العلاقات مع حكومات دول أوروبا، فكانت حالة التغييب التدريجي لمفهوم التضامن العالمي، واكتملت حالة البهتان في العلاقة بعد تأسيس أول سلطة وطنية فوق أرض فلسطين في الضفة والقطاع، وكأن البعض اعتقد أن 'التضامن الشعبي' مرحلة وانتهت، إلى أن كانت حرب شارون وإعادة احتلال الضفة وحصار غزة ثم تصفية الخالد ياسر عرفات، فبدا البعض الفلسطيني يتذكر ما كان يوما، ولكن لا تعمل القوى والحركات والشعوب بزر للتحريك عن بعد، بعد أن سفارات فلسطين وممثلياتها جاهدت بالابتعاد عن تلك القوى، خاصة أن غالبيتها من قوى اليسار الفقير وليس الثري، والذي لا تحبذ قوى الرأسمال الحاكم العلاقات به، وعندما كانت الحاجة له ضرورة لم تجد منه إلا من تعالى على كل التعالي الساذج..

ومع حرب إسرائيل على قطاع غزة وعدوانها السافر تحت مرأى وبصر العالم وما حدث من 'جرائم حرب' جسدها تقرير غولدستون قبل التآمر عليه وحذفه من الحضور ومحاسبة المجرم، وما تلا الحرب من حصار لا مثيل له لقطاع غزة، تحرك 'أهل التضامن' من سكونهم فبدأت الأشكال الجديدة لكسر الحصار بإرسال قوارب صغيرة لم تعطيها في البداية دولة المحتل قيمتها الحقيقية، خاصة وهي التي تقع تحت مقصلة الإدانة الدولية بجرائم حربها الأخيرة، ووصل إلى القطاع عدد من قوارب التضامن التي أعادت روح فلسطين وعلمها وكوفيتها لترفع ثانية في شوارع الغرب ونشاطات وفعاليات أحيتها قوى وحركات تدافع عن الحق والحرية دون بحث عن 'خلفية فكرية' أو شعارات حزبية فلسطينية، أنه فعل التضامن المجرد مع شعب يستحق التضامن..

واتخذت الحركة التضامنية بعدا آخر بدخول قوى تركية، كان بعضها بحساب سياسي خالص الغاية والنية، وبعضها من موقع التضامن الخالي من النوايا والمقاصد غير التضامنية، فحدث ما حدث من مَرمرة لـ'مرمرة' ومن ثم لكل فعل تضامني، فدولة الاحتلال أدركت المغزى الحقيقي لما يقوم به البعض من كسر الحصار بالمعنى السياسي العام ، وليس بحثا عن كمية دواء وغذاء وبعض مؤن أو ملابس لا تختلف كثيرا عما كانت توزعه يوما وكالة غوث اللاجئين، لكن الجوهر هو سياسي شامل لإبقاء فعل الاحتلال حاضرا في المشهد الشعبي العالمي، والتذكير بما لا يجب التذكير به وفقا للرؤية الأمريكية – الإسرائيلية، فالحراك التضامني عبر 'قوارب الحرية وكسر الحصار' هو فعل ضروري لإعادة الاعتبار لكفاح شعب ما زال يتعرض لأبشع أنواع الاحتلال بل وآخرها، ولكن التعتيم الغربي بل ومحاولة تبيض صورته وكأنه ضحية وليس مجرما، هو الذي ساد سنوات طويلة خاصة منذ العام 2005 وبعد تصفية ياسر عرفات، ولذا جاءت حركة العودة للفعل الشعبي التضامني لتعيد فضح طبيعة الدولة الإسرائيلية وكشف عوراتها وعنصريتها، عبر تطور أدوات التضامن والمواجهة..

ولذا لم تكن حرب إسرائيل الأخيرة على الحركة التضامنية لتمنع رغيف الخبز وسلة الدواء التي يتحرك تحت عباءتها من يتحرك، ولكنها كانت حربا على ما يمكن أن يكون من إعادة تطوير البعد السياسي للمشهد التضامني ، خاصة مع اشتداد الهجمة العنصرية داخل الدولة الإسرائيلية ومؤسساتها، ومع بروز حراك عربي شعبي قد ينذر بما لا يمكن وقفه يوما لو تم كسر حاجزه، بحراك نحو حدود فلسطين التاريخية في قادم الأيام .. خاصة أن تجارب النكبة والنكسة ورغم ما يقال فيها وعنها من كونها تحركات مشروطة، دليل توقفها، لكنها كشفت كم هشة حالة الاستقرار الإسرائيلي بل وكم هي أكثر هشاشة نظرية الرعب التي حاول البعض الكامن في خيبته مستسلما بقضاء القدر الإسرائيلي.. تلك ما قرأته دولة المحتل وتجاهله البعض الفلسطيني الذي صَمت صمت القبور على حرب غربية – إسرائيلية على سفن كسر الحصار'وكرامتها' ..

ملاحظة: هل دخل الرئيس السوري مرحلة نهش جسد سوريا مهما كان الثمن.. وقبله هل يساعد تشتت المعارضة وتخوينها لبعضها البعض قبل التغيير فيما يريده الرئيس..

 

تاريخ : 21/7/2011م  

اخر الأخبار