
غربان السياسة
كتب حسن عصفور/ لا أعرف إن كانت الغربان في مختلف البلدان ولدى كل الشعوب تحمل ذات ما تحمله من كون نعيقها يشكل نذير شؤم، المهم أن أهل فلسطين التاريخية يصابون بحالة من التشاؤم ويتحسبون كثيرا إن جاء الغراب إلى قرب منطقتهم وأخذ بالنعيق عندها تأخذ حالات البسملة والتسبيح والتعوذ بالسماع، هي حالة موروثة من أقدم الأزمان، رغم أنه لا يوجد في عصرنا النووي أو الإلكتروني ما يؤكد تلك الحالة الشعبية الرابطة بين شؤم المواطن ونعيق الغراب ولكنها تلك حالة الموروث الشعبي في كثير مما نعيش، ويبدو أن ما ينطبق على موروثنا الشعبي سنجده جزءا من مشهدنا السياسي القادم..
فهناك من تعالت أصواتهم من جديد لتجد مكانها وسط الآلة الإعلامية التي تهدد من 'خطر' الذهاب إلى الأمم المتحدة، أصوات تعود إلى الساحة الفلسطينية لتعلن رؤاها في الترهيب والعويل ووضع ما ترسمه بعض دوائر الغرب الاستعماري لما سيكون لو أن القيادة الفلسطينية واصلت طريقها ضمن رغبة شعبية فلسطينية عارمة للذهاب إلى خوض معركة سياسية هي السلاح الوحيد في اليد القيادية هذه الأيام بعدما تخلت ولو مؤقتا عن كل الخيارات الموازية أو المتتالية في وقت سابق، وحصرت نشاطها في خيار واحد لا غير، نجحت ولو بضعف ما عن جلب تأييدا عربيا في اجتماع أخير لمتابعة الجامعة العربية، تصريحات البعض المتبنية الموقف الأمريكي – الإسرائيلي بشكل أو بآخر لا تأتي من موقع النصح والبحث عن مخارج وطنية للقيادة أمام ما تراه دول غربية وتحديدا أمريكية ويهودية بديلا لما يجب أن يكون.. مواقف تأخذك إلى ذلك الزمن يوم أن خرج البعض الفلسطيني ليهدد الزعيم ياسر عرفات إن لم يخضع لرغبات الغرب والبداية الإسرائيلية، علما بأن تلك الطلبات جميعها تقريبا كانت ترمي إلى ' خلع الرئيس والرمز' كمقدمة لإحداث تغيير جوهري في شكل ومضمون القيادة الفلسطينية وفقا لخطة جورج بوش العام 2002 أو فيما يعرف أكثر بخطة بوش لحل الدولتين.. تهديدات طالت كل جوانب حياة الشعب الفلسطيني بدأت عام 2002 وتواصلت إلى أن تمكنوا من الوصول إلى هدفهم بقتل الزعيم.. وها نحن نعيش نتائج دعوات تلك الأصوات ونصحهم غير البريء في وضع سياسي هو الأسوء منذ سنوات طويلة أقلها الانقسام وصولا لتهويد واستيطان وحصار وتدمير ..
'النصائح' الصارخة جدا وعبر بوابات الغرب الاستعماري لن تكون وطنية تحت أي مظلة جاءت، أو خلف أي نوايا يراد لأهلها الحديث، فالنصح القائم على التهديد وتكرار ما يقال في بلاد الغرب وإسرائيل بطريقة الترهيب غير المعقول تخرج عن كونها نصائح شقيقة أخوية، وتصبح تهديدا سياسيا بقوة سياسية غاشمة سبق أن تم تجريبها ومنذ العام 2003 يوم أن خضع الخالد أبو عمار لنسق التدمير الداخلي ضمن خريطة بوش والغرب، ووافق على تقسيم السلطة دون تأسيس موضوعي، ما يحدث اليوم يشكل بعدا جديدا لتلك الحرب في إنهاء المؤسسة الوطنية الفلسطينية بصيغ متعددة قوامها النصح والحرص الخادع، سراب سياسي سبق للشعب أن تعامل معه يعود أصحابه لنثره وكأنه ماء فوق أرض فلسطين التي تتصحر سياسيا منذ رحيل الزعيم، وارتباك غير مسبوق في كيفية مواجهة واشنطن تل أبيب..
وكي لا نبتعد كثيرا لابد من القول وقبل أيام من انعقاد المجلس المركزي الفلسطيني، بأن التراجع عن صيغة المعركة السياسية في أيلول – سبتمبر القادم سيكون بداية النهاية السياسية للقيادة، وسيتم حصارها وطنيا بأشكال لا حصر لها، تبدأ من غزة ولن تتوقف في عواصم عربية عدة، حرب لن تتوقف إلا بإنهاك القيادة حتى وصولها إما إلى الاستسلام أو الرحيل، وليس خطأ أن يتذكر الجميع سيناريو الإطاحة بقوة الزعيم وحصاره التدريجي، مشهد ليس بعيدا وإن اختلف الشكل والأداة، لكنه ذات الهدف، ولذا فالذهاب إلى الطريق السياسي إلى نهايته قد يكون له بعض الصعوبات وهو ما يجب أن يكون قد تم حسابه جيدا وفقا لأنه منذ زمن يتم دراسته، أما عدم الذهاب فهو السقوط السياسي الكبير ودون رحمة.. ولو عاد البعض بالذاكرة قليلا إلى الخلف لوجدوا أن كل تراجع حدث أمام ضغوط واشنطن وحلفها وأدواتها المحلية وغربانها لم يجلب سوى الضعف والدونية ..
ملاحظة: ليت حركة حماس تسمح لممثليها في المجلس التشريعي المشاركة في جلسات المجلس المركزي القادم.. فحضورهم قد يكون رسالة إيجابية تساعد في تقليل حرب الغربان..
تنويه خاص: منع حنين الزعبي من الكلام في الكنيست الإسرائيلي يشكل وجها آخر لعنصرية لا يراها بعض الفلسطيني .. عنصرية باتت تسيطر على مختلف مناحي الحياة في إسرائيل.
تاريخ : 19/7/2011م