فلسطين ..ضبابية الحرب ومجهول السياسة

تابعنا على:   18:39 2014-12-23

كتب حسن عصفور / مع كل ما تشهده بلادنا المنكوبة من حراك بهدف رحيل القهر والظلم والطغيان ، تبقى فلسطين حاضرة في المشهد العام ، بل إن هناك من يبحث عنها علها تنقذه من مأزق الرحيل أو غيره من أحكام الحراك الشعبي الغريب في كل ما به ، من حضور وشعار وشجاعة تكسر كل جدران الخوف التي سادت طويلا ..

تسارعت وتيرة الأحداث في فلسطين على خطى التسارع السياسي العربي،تحرك شباب الوطن المحتل والمغتصب والمخطوف نحو ساحات التعبير في محاولة لتحريك حراك العمل لوضع حد للكابوس المخيم على أرض بقايا الوطن في الضفة والقطاع من انقسام كريه ، حراك لم يحقق بعد ما أراده شباب 15 آذار ،لكنه أجبر طرفي الأزمة على التعامل معه، عبرت عنه مبادرات 'التلاقي' بين الرئيس عباس من قبل رئيس الوزراء السابق إسماعيل هنية، ورغبة الرئيس عباس الذهاب إلى قطاع غزة لتشكيل حكومة من مستقلين ، تجاوب أراد كل منهما 'حصار' الحراك كل بطريقته ، رغم أن الرئيس عباس لديه الفرصة الأكبر لكسر 'حلقة الدوران في الفراغ' بالذهاب المباشر إلى قطاع غزة من مصر دون انتظار موافقة أحد ،فهو الرئيس المنتخب إلى أن تتم الموافقة من حركة حماس على إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية ومجلس وطني ، ولذا الانتظار لموافقة 'حماس' للوصول إلى غزة ، ليس سوى تسليم خاطئ للواقع الراهن ..

ووسط هذا حضرت مجددا روح الحرب العدوانية لترفرف في سماء قطاع غزة ، بدأت بتلاسن مدفعي وصاروخي محدود ، أرادت تل أبيب ترهيب البعض في القطاع ، فيما أراد البعض في القطاع إرهاب من تحرك شعبيا كي يكسر 'الانكسار – الانقسام' ، دون أن يحسب كلاهما أن هناك من ينتظر أيضا لتغيير بعض من 'قواعد التلاسن' العسكري المحدود ، فأطلق كوكبة من القذائف الصاروخية ثم صواريخ 'غراد' التي تربك دولة الاحتلال ، فكان الرد بقتل عائلة غزية ثم اغتيال مجموعة مقاتلة للجهاد الإسلامي ، كلفت إسرائيل كسر 'حاجز الأمن' في القدس الغربية بعملية عسكرية ، كرسالة أن الأيدي لاتزال بقدرتها الوصول إلى حيث تخاف دولة المحتل ، ( رغم أن القتيلة فيها كانت بريطانية ) ، ثم حدث التطور الأهم منذ سنوات بقصف جنوب تل أبيب ( عاصمة دولة المحتل ) بصواريخ غراد،فكان الهلع السياسي الذي أربك الطغمة العسكرية الحاكمة في إسرائيل ..

 

وإثر ذلك انطلقت موجات التهديد بالانتقام من غلاة التطرف والعنصرية المطالبين بعملية عسكرية واسعة ، تفوق ما كانت عليه العملية العدوانية نهاية 2008، ضد القطاع ، وأخذت الأوساط السياسية – العسكرية في الدوائر المختلفة تتسابق في إظهار فاشيتها ، لكن حساب قادة دولة المحتل يسير ضمن 'جدول آخر' ، الحرب هي سمة لهم هذا صحيح وقد تحدث في أي لحظة لو رأت الطغمة الحاكمة أن الفرصة مواتية لهم ، دون أن تدفع ثمنا يفوق ربحها من الحرب ، ولذا لا يجوز أبدا تجاهل هذه الحقيقة ، بأن الحرب هو 'الخيار الثابت' لدولة الاحتلال، لكن الحساب يأخذ الآن مناحي عدة ، منها الموقف الأمريكي الذي لا يريد أن تشتعل جبهة عسكرية في فلسطين حاليا والتحالف العسكري الغربي يقود حربا علانية تحت مسمى 'إنقاذ المدنيين في ليبيا' ، والعاقل يدرك أن آخر ما يهم قادة ذاك الحلف هو هذه المسألة ، لذلك أي 'حماقة إسرائيلية' حاليا ستكسر حاجز الكذب ، عدا أنها ستعطي لحركة الغضب الشعبي مضمونا إضافيا يلتصق بالقضية الفلسطينية ، ما قد يفتح باب الحراك ضد أمريكا ومصالحها وسفارتها ، والتي هي بعيدة جدا عن الغضب الشعبي راهنا ، بل تحاول الظهور وأنها في صلب حركة التغيير .. وعليه ترفض واشنطن أن تقوم إسرائيل حاليا بأي عمل عسكري واسع ..

إسرائيل وهي تبحث ربح الحرب من خسائرها ، لا يمكنها أن تتجاهل الأثر المصري المتوقع جراء أي حماقة عسكرية ضد القطاع ، وبالتأكيد الرد المصري الجديد سيكون مؤذيا لإسرائيل ، ليس بالضرورة أن يكون حربا أو ما شابه ذلك ، لكن لا يستبعد تعليق العمل ببعض بنود 'معاهدة كامب ديفيد' وطرد السفير ، وفتح جبهة شعبية عارمة من أجل إيقاف تصدير الغاز إلى إسرائيل ومنع الطيران الإسرائيلي من الوصول إلى مطار القاهرة أو استخدام أجوائها .. عشرات من الخطوات التي ستجد ترحيبا شعبيا مذهلا من المحيط إلى الخليج لو أقدمت عليها مصر، وسيدخل بعض دول 'التحالف الغربي' العربية في دوامة الرعب الشعبي من تحالها العسكري بقصف ليبيا مهما كانت 'الذرائع والمبررات' ..

وإلى جانب ذلك ، قد تجد بعض الفصائل الفلسطينية فرصتها في خرق 'المعادلة العسكرية المتوازنة' في القطاع لأسباب سياسية خارجية ، وتضرب بما لديها من أسلحة تعرف تل أبيب قدرتها الحقيقية، وأيضا الإمكانية الشعبية الكبيرة في الضفة الغربية التي قد تكسر كل أسوار 'التنسيق الأمني' أو الكلام المغلف بالبحث عن مسار غير عسكري والتهديد من البعض بمواجهة الانتفاضة الثالثة ، لكن حساب الحراك الشعبي 'أهل القرايا' لم تعد تسير وفقا لحساب 'أهل السرايا' .. مع عدم إغفال أن يدخل 'حزب الله' وتحالف سوري – إيراني لاستغلال ذلك والقيام بما يربك معادلة الحراك القائمة الآن ، فلا يوجد خير من 'الصدام مع المحتل الإسرائيلي' لتغيير خريطة وقائع تتحرك نحو ما لا يريده البعض الحاكم .. حسابات لا يعتقد أنها حسابات تقليدية ، فدولة المحتل تدرك قبل بعض المحللين أن حرب شاملة ضد القطاع لن تكون 'نزهة' ليس لقوة عسكرية عند أهل القطاع فحسب ، بل ما حولها من حساب سياسي يشكل كابحا لتلك العملية ..

ولا شك أن حركة'حماس' تعمل المستطاع كي لا تقوم إسرائيل الآن بعملية عسكرية ستربكها جدا ، خاصة حسابات الأمر الواقع وسلطته التي تريدها أن تبقى دون إنهاك أو ضعف أو غضب شعبي مضاعف لما هو عليه الآن ، انتظارا لقادم الأيام خاصة في مصر وسوريا ، ولذا تتصل بكل الجهات داخليا وخارجيا وبشكل صريح وعلني لتجنب حربا عدوانية ، لم تشف بعد من نتائج الحرب السابقة سياسيا وشعبيا ..

ولذا فالحرب ضد القطاع لا تزال ضبابية جدا ، فلا هي ممكنة وأيضا لا يجوز القول إنها غير ممكنة ، ولكن في كل الأحوال قد تقدم الطغمة العسكرية العدوانية في تل أبيب على القيام بأعمال عسكرية متنوعة ،على رأسها إعادة ملف التصفية والاغتيالات للقيادات السياسية والعسكرية ، وهو ما يراه بعض قادة المحتل أنه قد يكون السلاح الجدى في الوضع القائم ..

ضبابية حرب تلوح فوق مجهول السياسة الداخلية منها ،مصالحة، أو الخارجي فيها مفاوضة وسط تلويح أوروبي بطرح مبادرة جديدة للتسوية النهائية في أبريل القادم ، حيث أطلت مجددا بالكلام عن ضرورة لذلك ، قد يكون صدق نوايا وأيضا قد يكون خبثها لتغطية عدوان عسكري ضد أرض وشعب عربي ..

ملاحظة: خطر كبير يتهدد بعض حراك الشعوب إن لم يتم تدارك الأمر مبكرا .. الفتنة الطائفية واستخدام البعض لها .. سلاح هدام يجب وأده في المهد .

 

تاريخ : 27/3/2011م  

اخر الأخبار