«إخوان» مصر والرقم أربعة!

تابعنا على:   09:05 2013-11-20

سليمان البدور

منذ فَضِّ اعتصامهم في ميدان رابعة العدوية في الرابع عشر من آب الماضي، رفع الإخوان المسلمون في مصر رقم أربعة شعارا لهم في دلالة رمزية لاسم المرأة التي اعتصموا في الميدان المسمى باسمها، وهكذا قُدِّر لهذه المرأة الزاهدة المتصوفة، التي عزفت عن مباهج الدنيا ومتع الحياة وأدخلت على التصوف الإسلامي «فكرة الحب الإلهي بدلا من الخوف والرهبة»، أن يُقحم اسمها في وحل السياسة والصراع على السلطة بين منظمة الدين السياسي ومنظمة العسكر، رابعة العدوية الفيلسوفة الشاعرة التي أعطت المراة العربية والإسلامية ألقا خاصا، والتي استطاعت بالزهد والعلم والتأمل، أن تحرر عقلها وتتجاوز ذاتها إلى عوالم روحانية وفكرية، لم يدركها الكثيرون ممن تنطعوا لشرح القرآن والسنة على مرِّ العصور الإسلامية، كانت «رابعة» تعزف الموسيقى بشفافية وعلوية ووجدان سماوي، ومنها دخلت الى رحاب الإيمان الحق بالخالق الأوحد وملكوت الربوبية العظيم، «رابعة» المؤمنة التائبة عن المعاصي ما ظهر منها وما بطن، هي التي أمرت خادمتها ألا تأذن للمحدِّث المعروف سفيان الثوري بالدخول إلى مجلسها مرة ثانية، هو وأصحابه لأنهم فقط «ذكروا شيئا من الدنيا» !، ترى ماذا ستفعل «رابعة» لو نهضت من قبرها وتحدثت إلى المتناحرين على الكراسي، غير كشف الأكاذيب والحِيَل والإدعاءات بحب الله والوطن ومصالح الناس؟!.

وفي السياق ذاته فإن للتاريخ غائيته، وحتى الصدفة فيه لها أسرارها الغامضة ودواعيها الخفية، فالرقم أربعة وعلاقته بـ«إخوان مصر» لم يبدأ باعتصام «رابعة»، وإنما في المؤتمر العام الثالث لـ«الجماعة» المنعقد في آذار 1935، عندما أضيفت الفئة «الرابعة» إلى تصنيف العضوية في «الجماعة»، وهي المنعطف الأخطر والأعنف في مسيرة هذه الحركة الدينية، كانت هذه الفئة، فئة «المجاهد» التي أُضيفت إلى الفئات الثلاث الأولى وهي: المساعد والمنتسب والعامل، وبمقتضاها تم إنشاء الجهاز السري المسلَّح الذي قام بكل الاغتيالات وأعمال العنف التي نفذتها «الجماعة» فيما بعد ضد خصومها، منذ أربعينيات القرن الماضي وحتى هذه الأيام.

المرة الثانية التي حضر فيها الرقم أربعة مميزا بعلامة فارقة، كانت في الثاني من تشرين الثاني 1953، يوم وقع أول انشقاق في صفوف «الجماعة»، تم على أثره فصل اربعة من أبرز القياديين فيها هم: أحمد زكي حسن، أحمد الصباغ، عبد الرحمن السندي، وأحمد عادل كامل، وكان السبب -على ماقيل- إساءة هؤلاء الأعضاء «للرسالة والجماعة»، وهو في واقع الحال لم يكن غير صراع على السلطة!

ويبقى الرقم أربعة في صميم الإنتكاسات المأساوية التي تعرضت لها «الجماعة» على مدى تاريخها الممتد خمسة وثمانين عاما، فقد حُلَّت لأسباب عنفية وأيديولوجية أربع مرات، الأولى في الثامن من كانون الأول 1949، والثانية في الثالث عشر من كانون الثاني 1954، والثالثه في السادس والعشرين من تشرين الأول من نفس العام بعد أن أُعيد لها الترخيص لبضعة أشهر، أما الرابعة والأخيرة فقد انطلقت من ميدان «رابعه»!، ولعل «الجماعة» تستلهم هذا الرمز الطاهر في إعادة التقييم لعلَّتها البنيوية، كما فعلت رابعة العدوية التي كانت «تعزف بالمعازف»، ثم أعادت النظر في تجربتها الدنيوية حتى غدت مثلا أعلى لمن أراد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر !

عن الرأي الاردنية

اخر الأخبار