حزب الله يكشف عن أسرار سياسية وعسكرية في كتاب لنائبه في البرلمان حسن فضل الله

تابعنا على:   22:31 2014-12-21

أمد/ بيروت- (رويترز): قلما يكشف حزب الله أسراره السياسية والعسكرية على الورق فهو حزب يكتب تاريخه في الميدان العسكري ويخاطب أعداءه بقلم رصاص بكثير من الغموض وقليل من البوح ولو بعد حين.

ونادرا ما تأتي إصداراته الورقية على شكل تفاهم بين مكونات مجالسه وعلى رأسها الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله. ومن هنا يأتي كتاب نائب الحزب في البرلمان اللبناني حسن فضل الله “حزب الله والدولة في لبنان الرؤية والمسار” مقدما صورة سعى الحزب فيها منذ تكوينه سياسيا للبحث عن الدولة “حيث بفقدانها نستقبل الفوضى”.

ينطلق فضل الله في كتابه من رؤية الإسلام لمفهوم الدولة والتي “يقرها كضرورة ويعتبرها من الحاجات الأساسية لتنظيم الحياة على الأرض وتوفير مقومات رقيها” ويبحث عن الأصول التي يستمد منها حزب الله ثقافته حيال الدولة بخاصة عندما لا تستند إلى حكم الشريعة الإسلامية.

وتعزيزا لمبدأ اتبعه حزب الله على مدى سنوات تعايشه مع الدولة فإن فضل الله يؤكد تخلي الحزب عن فكرة تطبيق الحكم الإسلامي فقد “وجد حزب الله أن هذه الظروف الموجودة في لبنان لا تسمح بتطبيق فكرة الدولة الإسلامية نتيجة التنوع الطائفي والسياسي القائم”.

وبالتزامن مع ترك فكرة تطبيق الشريعة الإسلامية في الحكم استقى الحزب خياراته الدينية فضلا عن تنسيقه السياسي والأمني من إيران “وما لبثت الجغرافيا الإسلامية أن انصهرت في إطار ثقافة عامة أشاعتها ولاية الفقيه”.

وقد حدد الولي الفقيه الإمام الخميني في عام 1982 التكليف بمقاومة الغزو الإسرائيلي وأعتبر حينها “أن واجب الشباب اللبناني تأدية هذا التكليف وليس أي شباب آخر وكان تكليفه للحرس الثوري الذي حضر إلى سوريا مساعدة الشباب اللبناني بالتدريب والتسليح ولم يوافق على تولي الحرس مهمة القتال المباشر”.

*العلاقة مع سوريا

ومن ثنايا صورة الدولة الواردة في النص يفرد فضل الله صفحات يتناول فيها العلاقة مع سوريا الحليف الوثيق للحزب بعد إتفاق الطائف حيث “خضع لبنان آنذاك لإشراف إدارة سورية كاملة وتحكم أفرقاء لبنانيون بالمفاصل الداخلية فولدت مؤسسات هذه الدولة على يد القابلة السورية وتحولت أداة طيعة بيد قلة من المسؤولين السوريين وتقدمت مصالحهم في أحيان كثيرة على مصلحة سوريا نفسها”.

ويتهم فضل الله هنا من يسميهم “رسامون محليون” بإستجلاب منافع خاصة وفئوية ولو أدى ذلك إلى تسليم الأوراق والمفاتيح بأكملها إلى الراعي السوري وذلك في إشارة لمرحلة سلم فيها رئيس وزراء لبنان الاسبق الراحل رفيق الحريري مفتاح بيروت إلى رئيس جهاز الأمن والإستطلاع غازي كنعان الذي كان خلال تسعينيات القرن الماضي الحاكم الفعلي للبنان.

واستمرت الهيمنة العسكرية السورية على لبنان ما يقرب من ثلاثة عقود إلى ان انسحبت القوات السورية من البلاد عام 2005 بعد إتهامها باغتيال رفيق الحريري.

وتلاقى حزب الله مع سوريا على الهدف المركزي هو التصدي لإسرائيل لكنه اختلف معها في قضايا كثيرة “وتصادم معها في بعض الاحيان فهو لم يكن على وئام مع السياسة التي انتهجها الفريق السوري لإدارة الملف اللبناني وسبق له أن دفع ثمنا من حياة عناصره عندما استهدفت سوريا أحد معاقله في بيروت عام 1987 بما عرف بمجزرة فتح الله”.

ويقول فضل الله أن الخصومة مع سوريا تأسست على وقع دم سال في بيروت وظلت ترافق الطرفين طيلة حقبة التعايش كاشفا عن “أفخاخ في طريق العلاقة” وعن “قيادات سورية تحكمت بالقرار وأستجلبت لنفسها ثروات طائلة”.

*القضايا الاستراتيجية

لكن فضل الله يميز دور الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد والد الرئيس بشار الاسد الذي “أمسك بالقضايا الإستراتيجية وفي مقدمها الصراع مع إسرائيل تاركا هامشا كبيرا في الملعب المحلي لفريقين سوري ولبناني تقاسما مغانم الدولة وخيراتها”.

وتأتي صفحات الكتاب الذي كان الأكثر مبيعا في معرض بيروت العربي الدولي للكتاب الذي اختتم أعماله في وقت سابق من الشهر على مراحل ومحطات يقول فضل الله فيها “إن إدارة الملف اللبناني في دمشق كانت شريكة بزرع الألغام في طريق المقاومة للإيقاع بها ومن أبرز وقائعها حربا إسرائيل على لبنان في عامي 93 و96″ وكاد الأمر أن يوقف عبور الصواريخ من سوريا إلى حزب الله.

لم يرق للفريق السوري اللبناني المشترك خوض حزب الله للمواجهة مع إسرائيل في حرب إبريل نيسان عام 1996 ورفض غازي كنعان الذي تولى لاحقا منصب وزير الداخلية قبل انتحاره عام 2005 سياسة الحزب في الرد على الهجمات الإسرائيلية ومارس تهويلا نفسيا حول المدى الذي سيبلغه رد الفعل الإسرائيلي وسأل “هل يريد الحزب لسوريا أن تخوض الحرب في حمص لأن إسرائيل ستصل إلى هناك”؟

وذهب نائب الرئيس السوري أنذاك عبد الحليم خدام إلى أبعد من ذلك بعدما وجه اللوم إلى حزب الله حيال ما يجري وقال في جلسة مع الحزب “ماذا يعتقد نفسه السيد نصر الله حتى يخوض هذه الحرب؟ هل يريد أن يكون أبو عمار ثاني؟ عليكم من جانبكم وقف النار”.

حيال هذا الطوق فتح حزب الله قناة اتصال مع حافظ الاسد عبر نجله باسل فطلب الرئيس السوري من المسؤولين السوريين “الكف عن الضغط على المقاومة ولم يكتف برفع الضغط السياسي بل جرى العمل على توريد الصواريخ ولكن عن طريق الجبهة الشعبية القيادة العامة بقيادة أحمد جبريل”.

وفي صفحات عام 2000 قبيل الإنسحاب الاسرائيلي من جنوب لبنان تحت وقع ضربات مقاومة كان حزب الله راس الحربة فيها يكشف فضل الله عن إغتيال قبل أوانه كان سيصادف قائده العسكري البارز عماد مغنية الذي قتل في انفجار بدمشق عام 2008.

ويقول فضل الله “وصل الحاج مغنية وقيادات الصف الأول في المقاومة إلى قرب موقع بلاط على الحدود (مع اسرائيل) وكانت نيتهم الصعود ثم عدلوا عن ذلك لتأخر الوقت فيما توجهت مجموعة من المقاومين لإستطلاع الموقع وتحريره لكن جنود العدو كانوا في الجزء الفلسطيني منه فأشتبكوا مع المقاومين وقضى عدد منهم وقدر لتلك المجموعة القيادية العليا الا تكون هي أول من يدخل الموقع وتقع في ذلك الإشتباك”.

* عروض الحريري

يحرص النائب فضل الله في الكتاب على تقديم صورة إيجابية عن تمسك رفيق الحريري بالشراكة مع حزب الله مع الإحتفاظ بقوته العسكرية حتى إنجاز التسوية مع إسرائيل وينقل عنه كلاما قاله عام 2004 خلال لقاء مع الامين العام لحزب الله “اما توافق المقاومة على صيغة حل لوضعها بعد التسوية واما يتخلى الحريري عن مسؤولياته الرسمية ولا يمس بهذه المقاومة”.

 

وحسب فضل الله فان لعروض الحريري أثمانا سياسية تتعلق بالسلطة وبرفضه عودة الشيعي نبيه بري رئيسا لمجلس النواب مقترحا أسماء أخرى بديلة عنه بينها نواب حزب الله في البرلمان مثل علي عمار ومحمد رعد أو محمد فنيش.

وقد تبلورت فكرة مقايضة السلاح بالسلطة في دوائر القرار الفرنسي وأبلغها الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك إلى الرئيس الايراني انذاك محمد خاتمي ثم حملها مسؤول ياباني إلى حزب الله مبديا الإستعداد لتمويل مشاريع بنيوية بمليارات الدولارات في مناطق الحزب وتقديم مساعدات مالية سخية لبيئته الشعبية في مقابل تخليه عن السلاح مع الإحتفاظ بدور سياسي محوري له في لبنان ورفعه عن لائحة الإرهاب الأمريكية وفتح الأبواب الغربية أمامه.

وهذا العرض جاء أيضا ضمنيا من نائب الرئيس الامريكي السابق ديك تشيني عبر أحد أصدقائه الذي عرض تقديمات مالية سخية ودورا مركزيا في السلطة.

* الحرب مع إسرائيل

ويفرد فضل الله حيزا كبيرا من كتابه الواقع في 237 صفحة من القطع الوسط الصادر عن شركة المطبوعات للتوزيع والنشر للحرب مع إسرائيل في يوليو تموز عام 2006 والتي استمرت 34 يوما.

ويشير الى “الرسالة المفتاح” التي كان قد وجهها الامام علي خامنئي خلال الايام الاولى للحرب الى نصر الله مشيدا بصمود مقاتلي حزب الله “حتى الآن عشرة أيام في الوقت الذي هزمت فيه الدول العربية خلال ثلاثة أيام. هذا نصر جيد…

نحن معكم وسندعمكم في كل شيء ولا تقلقوا المهم ان تصبروا وتثبتوا في وجه هذا العدو مع التأكيد على الاهتمام الكبير بالناس لانهم يريدون عزل الناس عنكم. إذا وفق الله للنصر ستصبحون قوة لا تقف في وجهها قوة”

*الحدود الممنوعة

وتطرق فضل الله في كتابه الى التحولات في المنطقة وفي مقدمها الحرب الدائرة في سوريا مشيرا إلى أن الحزب انتظر سنة وبضعة أشهر قبل اتخاذ قرار المشاركة في الحرب الى جانب قوات الرئيس السوري بشار الأسد وفي مناطق محدودة جدا. ويعتبر المتشددون السنة الذي يقاتلون لسحق نظام الرئيس بشار الاسد حزب الله واحدا من أهم أعدائهم.

وقال فضل الله “حين لامس الخطر الحدود الممنوعة لم يعد بإمكان المقاومة الإنتظار فأخذت قرار الدفاع عن مشروعها وعن وجود بلدها. وهو القرار الذي تبلور بعد نقاش طويل وعميق وقد سبقته تطورات ميدانية ظل الكثير منها طي الكتمان كانت المقاومة قبل أن تتخذ أي موقف هدفا مباشرا لحرب دول وجماعات ضخت سلاحا ورجالا ومالا إلى ميدان الأزمة وقررت توجيه القتال ضد المقاومة لضرب قواعد قوتها وبنيتها في سوريا كمقدمة لتوسيع رقعة الإستهداف من أجل تغيير معادلات المنطقة”.

اخر الأخبار