'حزب الاستعمار التحرري الديمقراطي الجديد' !

تابعنا على:   19:28 2014-12-21

كتب حسن عصفور/ شهد العام 2003 واحدة من أبشع 'المجازر السياسية – الفكرية' التي شهدتها البلاد العربية في التاريخ الحديث، بأن تواطأت قوى سياسة عربية دولا وأحزابا وتيارات مع 'حلف عدواني' واضح الأركان لاحتلال العراق بلدا ودولة، بقول إنهاء نظام عرف بأنه كان قمعيا وديكتاتوريا، بل وفاسدا وبعض ملامحه طائفية، تلك هي الصفات التي قالها كثيرون في وصف 'النظام العراقي' في عهد حزب البعث بقيادة صدام حسين، ولو فتح سجل حقوق الإنسان وكيفية التعاطي مع الحقوق الديمقراطية والقومية للأقليات القومية وأيضا العلاقة بين الطوائف التي تعيش في العراق سيكون لذلك النظام حضور متقدم في سجل معاداة ذلك، لكن ذلك لم يكن سببا من أي أسباب العدوان على النظام العراقي، بل لم تكن يوما ضمن أجندة الغرب الاستعماري بكل أطيافه في العلاقة مع العراق الدولة والنظام، فتلك الصفات المتناقضة مع الحرية السياسية ومصادرة الحقوق الديمقراطية ومطاردة كل المعارضين من القوى ذات التوجه المدني، كانت عناصر تعاون وتقدير من الدول الاستعمارية الغربية مع حكم صدام، ونظرة سريعة للخلف وتحديدا منذ العام 1977 – 1978، زمن التخلي عن 'التحالف مع الحزب الشيوعي العراقي' ومطاردته كما لم يطارد حزب في المنطقة منذ عشرات السنين، بين قتل واعتقال وتهجير ألوف من أعضائه وعناصره، كما الحركة الكردية وأحزاب دينية أخرى..

فترة يمكن وصفها بأنها 'فترة ظلام سياسي' طويل على العراق، ولكن تلك الفترة الأكثر ظلامية وسوداوية كانت هي فترة 'الانفتاح الاستعماري'الواسع على العراق، ساهمت دول عربية في تلك الحملة الغربية الجديدة، من أجل استغلال العراق كقوة ومكانة في مواجهة التطورات التي بدأت تحدث في المنطقة، خاصة ما كانت تشهده إيران، بدأ بحراك شعبي أذهل الجميع، وتطور إلى 'ثورة شعبية'أطاحت بنظام الشاه الحليف الاستراتيجي للاستعمار القديم – الجديد، وهو الذي كان يسمى عصا الاستعمار كما إسرائيل، 'ثورة إيران' الشعبية' أربكت حسابات الغرب الاستعماري بل وبعض العرب أيضا، ولذا كان لا بد من اللعب بالغريزة التي كان النظام العراقي يتطلع لها نحو بناء 'دولة إقليمية' ترث النظام الفارسي الإيراني، ونجحوا في زج العراق بحرب مع إيران كانت السبيل الموضوعي لتدمير العراق، بلدا وقوة ومكانة، حرب تم تمويلها من دول عربية، ومفارقة الزمن أنها أيضا تقود 'حركة نصرة الشعوب' اليوم، وفتحت الأسواق الغربية للتصنيع خاصة العسكري ومخازن الأسلحة الأكثر حداثة للعراق، في زمن كان النظام الأكثر قمعا وإرهابا لمن يعارضه حتى لو كان من داخل ''الحزب القائد''..

لم تكن حقوق الإنسان والديمقراطية والمواطنة والحريات السياسية والعدل الاجتماعي، مبادئ في عرف 'الاستعمار القديم – الجديد' كون الأكثر سموا وقدسية لهم المصالح ولا غيرها، ومصلحتهم كانت أولا تدمير العراق بأيد أهله، وتطويق وحصار الثورة الإيرانية، وبقائها في خانة العداء مع العرب، وتشجيع النزعة الفارسية، ثم صياغة مخطط العودة المباشرة للوجود العسكري، ونقل القواعد العسكرية إلى منطقة الخليج، استباقا لتطورات عالمية، وبعد سنوات كان لا بد من استكمال المخطط القديم بمفهوم آخر، سمته أميركا بوش ' الفوضى الخلاقة'، وبدأ التنفيذ ضد العراق تحت شعارات ومسميات لا تختلف كثيرا عن ما يتم اليوم، بإضافة'الخطر النووي – الكيماوي'، وتحالفت إيران التي ابتعدت عن جوهر ثورتها الشعبية، مع الولايات المتحدة والغرب الاستعماري لتدمير العراق واحتلاله ثم تقسيمه'طائفيا'، وطريقة مبتكرة لا مثيل لها في تقسيم الثروة وسرقتها، ولعل الوصف الدقيق لما يحدث هناك ، ما كتبه كاتب عراقي في وصف بلده بعد'التحرير' بأنها 'دولة فساد'.. ولم تكن المفاجأة في الموقف الإيراني من التحالف مع الاستعمار الغربي لاحتلال العراق، بل في موقف كثير من القوى اليسارية – الديمقراطية والإسلامية التي كانت جزءا من ذلك 'التحالف الاستعماري المشبوه'، تحت ذريعة 'إسقاط الديكتاتور'، حيث عانت من ويلاته الكثير..

وسقط 'الديكتاتور' بفعل التدخل الاستعماري الخارجي، وبعد ثماني سنوات يمكن القول بأن الذي سقط هو العراق وكل القوى الديمقراطية التي لم تعد موجودة على الخريطة السياسية، رغم أنها رقصت بجنون لتلك الحرب العدوانية الاحتلالية، لم يشفع لها أنها كانت جزءا من 'التحالف الاستعماري'، لأنها لم تكن سوى غطاء 'ديمقراطي مدني' أريد لها أن تكون كمحلل للرجس السياسي لتدنيس العراق وتكريسه كنظام يشكل 'نموذج الطائفية السياسية' للفوضى الخلاقة التي رسمتها واشنطن ومفكروها لفرض 'هيمنة استراتيجية' على منطقة النفط والغاز والسيولة المالية مع موقع يمكن له أن يعطل متغيرات دولية قادمة دون شك..

المشهد الجديد لا يبتعد جوهريا عن تلك اللحظة السياسية مع بعض فروقات فرضتها حركة الشعوب العربية، التي انطلقت لكسر قمع وإرهاب وخوف فرضه نظام عربي، حراك شعبي أراد أن يحرر بلدان وشعوب من أثر الاستعمار الذي يسكن بلداننا وأوطاننا عبر حكام محليين، وكان يمكن له أن يكون مسارا تغييرا جذريا، لكن حدث ما لم يجب أن يحدث، عندما سارعت بعض الأطراف لتستنجد بالقوى الاستعمارية لحسم معركتها مع'طاغيتها' كون الحراك جاء بلا سند حقيقي أو تحضير كاف في غياب لقوى منظمة تواجه القمع، وكانت الفرصة مؤاتية للغرب وتحالف عربي سارع لتأييده بعد أن أصابوا الجامعة العربية بعطل لا أمل به لتوفير القدرة العربية لحماية شعب من بطش متوقع، وجاءت القوات الأطلسية إلى ليبيا تحت غطاء 'حماية المدنيين' وكان لهم في النهاية ما أرادوا، وفرضوا وضعا سياسيا لن يبتعد كثيرا عن 'المشهد العراقي'، نرى شهوة استعبادية استغلالية لم تعد خفية حتى على من سارع بالمناشدة العسكرية، ولعل زيارة ساركوزي – كاميرون والمؤتمر الصحفي لهما مع رئيس الحكم الانتقالي مؤشر على ملامح 'ليبيا القادمة'، التدخل باق حتى يقرر من قرر التدخل أن الأمن العام والخاص والشخصي لكل مواطن في ليبيا مستتب وحتى تتم السيطرة الكلية المطلقة على كل شبر في ليبيا، ولمن يعرف حال الجغرافيا الليبية يدرك أن هكذا استقرار لن يحدث أبدا..وعليه لا أمل بخروج الأطلسي فى المدى المنظور، وهو تحالف لن يقف مكتوف الأيدي ليتفرج على توزيع الثروة والنفط، وقد أعلن الرئيس الانتقالي مصطفى عبد الجليل أن توزيع استغلال الثروة بقدر وحجم المساعدة العسكرية –السياسية للمجلس الانتقالي.. تقسيم 'عادل'.. من هنا تبدأ الحكاية ..تحرر باليد الاستعمارية وصولا لثروة ونفوذ اقتصادي وعباءة أمنية منظورة وغير منظورة من أجل إسقاط طاغية ..

معادلة معاصرة لرؤية تاريخية، إسقاط الطغاة بيد الأجنبي المستعمر لإقامة نظام تحت أي مسمى، فالصراع على السلطة لن يتأخر في نماذج الحكم هذه .. وليبيا تحضر سريعا بتصريحات لم تعد سرية بين تيارين أو أكثر.. صراع يديم زمن البقاء الأجنبي، ويهدر ثروة واستقرار البلاد.. لا يمكن للصراخ والخداع والبكاء أن يطمس حقيقة أن لا استقلال لوطن أو استقرار لنظام بقوات الاستعمار .. والتاريخ حاضر بالماضي البعيد والقريب أيضا .. ويبدو أن ما قاله الأجداد من زمن بأن 'صاحب الحاجة أرعن'، بات قولا سياسيا ناصعا إن أحسنت النوايا، ولم يكن غير ذلك أصلا.. ويبدو أننا دخلنا'عهد الاستعمار التحرري الديمقراطي' .. وليستعد مفكروه للقادم ..

ملاحظة: جواب مصطفى عبد الجليل عن 'يهود ليبيا' وعودتهم أو'حقوقهم' والعلاقة مع إسرائيل لاحقا، يثير الريبة .. إحالتها لاستفتاء شعبي يعني أنه ليس ضدها مبدئيا ولكنه ينتظر.. لمسات الصهيوني هنري برنارد واضحة..

تاريخ : 18/9/2011م  

اخر الأخبار