إصلاح تحت ظلال السلاح..

تابعنا على:   19:11 2014-12-20

كتب حسن عصفور/ سوريا لن تعود إلى ما كانت عليه قبل تفجر أحداث درعا بداية الشهر المنصرم،وقطعا لن يكون هناك تماثل مع ما كان قبلا لاقتحام الجيش السوري بأسلحته المدرعة والمتنوعة إلى درعا ومدن غيرها.. انتهى الأمر بـ'خيار أمني' لقطع الطريق على منتج سياسي ليس في مصلحة النظام حزبا وعائلة في سوريا، أحداث كانت تسير نحو هدف واحد رغم كل ما قيل بين السطور.. هدفها كما غيرها من احتجاجات شعبية في 'جمهوريات الإرهاب العربية' .. 'الشعب يريد إسقاط النظام '،بتطوير صاحبته خفة دم على الطريقة المصرية، لشعار مستوحى من مقولة القذافي التي ستدخل التاريخ ربما أكثر من قائلها.. (زنقة زنقة .. دار دار.. بدنا نشيلك يا بشار).. رد شعبي على المقولة التي سيطرت عقودا على إعلانات الشارع السوري : رئيسنا إلى الأبد بشار الأسد ( كانت حافظ الأسد)..

انتهى الكلام لإيجاد جسر بين معارضة وحراك وبين نظام ومؤسسة أمنية .. الأسد اختار 'الطريق الصيني' لمواجهة المعترضين بعد أن حاول المناورة بسلاح اخترعه بعض من هم خلف القضبان في سجون مصر ، ومنهم من ينتظر.. سلاح 'الشبيحة' مماثل 'البلطجية' المصري، مع تزويدهم بأسلحة حديثة جدا وتصوير عملهم تليزيونيا كي يكون أداة إدانة من النظام للمحتجين .. ولكنها لعبة لم تصمد كثيرا ،رغم كل محاولات إعلامية قليلها يحمل بصمة ذكية ، وكثيرها يحمل أكياس الغباء السائد في بلاد ترزح تحت قبة القهر والحرمان ..

لم يجد الأسد ونظامه، او كما يحلو لأتباعه الوصف – سوريا الأسد – سوى الخيار الذي وجدته بكين حلا – الدبابة لا سواها في مواجهة المخرز الذي قفز لسطح الحياة .. خيار ليس كما خيار والده تماما في مطلع ثمانينيات القرن الماضي  ضد حماة .. ووضع ليس كما ذات الظروف المحلية والعربية والدولية مع سوريا .. وحضور إعلامي وتقني كان غائبا مع خيار الأسد الكبير في حينه .. فكان خياره بتكلفة بشرية عالية جدا لأهل سوريا وخصام قد يصل لحالة عداء ممن فقدوا من فقدوا .. لكن تكلفته السياسية كانت شبه محدودة ، تلك فعلة خدمها كثير من الظروف ، قبل أن يقال إنها ذكاء فردي لمن اتخذ قرار السلاح حلا وقفص حماة وقتل عشرات الآلاف من سكانها..

اليوم ..كل شيء مختلف حول سوريا وبها ..ولذا فتكلفة الخيار العسكري ضد الداخل (رغم تجميده ضد العدومنذ العام 1974) سيكون غاليا جدا ،ومغامرة بلا حدود،قد تصيب وقد تخيب ..وتحت كل الظروف لا بد من دفع الفاتورة .. فاتورة طويلة من مطالب واستحقاقات جادة وحقيقية ،وليس مناورات إعلامية أو وقتية ، استحقاقات تجنب النظام نفسه مؤقتا العيش لفترة مؤقتة ، كي لا يصبح رمزا لحكم طاغ وفاشي ، سواء بيده أم بيد غيره ..مخيرا أم مجبرا .. فالخواتيم ليست دائما تأتي وفقا للرغبات والأمنيات ..وسوريا ليس الصين التي اختار كلاهما 'دبابة الحسم' .. فسوق الصين العظيم هو من أجبر العالم على الصمت والانزواء خلفا ، وإغلاق الآذان حتى انتهت الصين من فعلتها .. وأنهت  تظاهرات الساحة الشهيرة بسحق كل من وقف أمام حركة دبابة الميدان .. انتهى الأمر ببيان ما زال وصمة عار في جبين أمريكا أوروبا بغضب كلامي انتهى أثره قبل أن يصبح مادة إعلامية .. تلك كانت الصين بسوقها العظيم ..

ولكن من أين لسوريا ما للصين لتجبر العالم على الصمت أو النقد المؤدب جدا والخجول ، وعدم 'البعبعة' السياسية والإعلامية في ظل 'هجوم الفضائيات' حقا أم باطلا علي'سوريا الأسد' ، وتزداد الهجمة يوما بعد آخر مع كل قطرة دم تنزف فوق بلاد الشام .. ربما تملك سوريا الأسد ميزة قد لا يراها كثيرون في حساب المزايا الاستراتيجية .. ميزة صمت المدافع على جبهة الجولان في الصراع مع إسرائيل .. جبهة مطبقة الصمت الكلي ، ما أجبر الإسرائيليين بمختلف توجهاتهم على القلق غير المسبوق من أي تغيير على النظام ، فالكلام ضد إسرائيل وعن المقاومة شيء وفعل المقاومة والحرب شيء آخر .. فهم يعتقدون جدا بمقولة : ليس مهما ما تقول ،لكن المهم ما تفعل .. ولكن هل هذه الميزة ستدوم طويلا مع تطور 'خيار الدبابة' ليركن لها النظام من 'حملة دولية واسعة' قد يجد نفسه يوما أمام 'محكمة الجنايات الدولية' وفقا للباب السابع ، مع تطور المواجهة والأحداث..

ربما بات مجبرا قادة الحكم في سوريا على الإسراع وبشكل غير مسبوق لتنفيذ سلسلة من الإصلاحات الحقيقية ، تنطلق من مفهوم حرية الإنسان وكرامته ومنحه حق العيش دون رهبة أمنية يشعر بها الناس قبل أن يلمسوها .. مسلسل إصلاحي يشمل تبيض سجون سوريا من كل السياسيين الذين تصل أعدادهم بالآلاف ، ومعها إجبار أحزاب جبهته التقدمية بأن تقوم بدورها في ممارسة النقد البناء ومنحها رخصا لإصدار صحف يومية أو أسبوعية وفقا للمال والقدرة المتوفرة ، جرائد وصحف كما بلاد الله الواسعة ، تخلو من مواد تنشر بالإكراه وتحت طائلة التهديد  بالاعتقال ..  والسماح لمن يملك بفتح قنوات فضائية وتشكيل أحزاب ،بقانون عصري ديمقراطي،دون تدخل أجهزة الأمن ،وفتح مؤسسات الدولة الإعلامية لغير أصحاب الحزب القائد ، وتلك يجب أن تختفي فورا من قاموس الحياة السياسية ويصدر مرسوم بشطبها من تاريخ السياسة السورية ..ومعها مرسوم بمحاربة الفساد ومكافحته وملاحقة رموزه ،حتى لو وصل الأمر بذوي القربى وشركائهم،الإعلان عن تعديلات دستورية جذرية لانتخابات رئاسية وتشريعية خلال ستة أشهر،تحدد الولاية وشروط الحياة السياسية ،كما دول العالم الصحية .. وأن يلتزم الرئيس بشار بأن فترته الرئاسية لن تجدد ، ويكفيه ما حكم 'خدمة لله والوطن والمواطن' .. وأن يصدر مرسوم يؤكد أن الشعب مصدر السلطات ، والفصل بينها واجب مقدس ، وتغيير كل ما بالدستور من مواد تسيء لسوريا البلد والتاريخ ..

ومعها ، يصدر الرئيس بشار باعتباره 'ثالوث الهتاف المحبب لأنصاره .. الله .. سوريا وبشار وبس' بسحب كل الصور الشخصية للرئيس من الشوارع والميادين واستبدالها بكل ما هو مشرق في تاريخ سوريا أبطالا وشهداء ورموزا .. ومنع رفع اليافطات التي تمجد حزبا أو فردا .. وتنظيف شوارع المدن السورية مما يتعارض مع 'سوريا الحرة' وليس 'سوريا الأسد' ..

حركة إصلاح تأتي تحت ظلال السلاح .. هل هي ممكنة أم تصور طوباوي خيالي .. ربما نعم .. ولكن ممكنة لو أريد لسوريا أن لا تكون رمزا للقمع والإرهاب وتصل بقادتها إلى قاعة'المحكمة الجنائية الدولية'..

 

ملاحظة: تحالف الغزو الأطلسي على ليبيا بات شعاره الآن: 'نحن نريد مقتل العقيد' .. الفتوى صدرت منذ زمن ..

تاريخ : 28/4/2011م  

اخر الأخبار