إشراقة إصلاحية مغربية..

تابعنا على:   19:07 2014-12-20

كتب حسن عصفور/ وأخيرا أعلن الملك محمد السادس مقترحاته لتعديلات دستورية جوهرية لنظام الحكم لعرضها على استفتاء شعبي عام في أوائل يوليو – تموز القادم، رزمة من التعديلات تمنح المغرب نظاما يفترق كثيرا عن كان سابقا منذ الاستقلال، تعديلات جاءت بعد حوار سياسي استمر أشهر، صاحبه بعض الحراك الشعبي ليساهم في تعزيز روح التغيير الديمقراطي المنشود، دون أن يكون للحراك قوة كما غيره في بلاد عربية أخرى، بل ولم ينجم عنه ما يمكن وصفه بالمواجهات الأمنية الحادة، ولعل غياب النقل الفضائي المباشر من المغرب لفضائيات تتحرك من بلد لآخر، ما يشير إلى أن ما كان يحدث لا يلبي 'طموحات الفضائيات' في التحشيد والتعبئة والإثارة التي يعتقد من يدير تلك المحطات أنها الوسيلة الأنجع لكسب أرضية المشاهدة، دون تدقيق أو رقابة أو بحثا عن الحقيقة، ولعل التجربة المغربية تشكل دليلا على أن المسألة لبعض الإعلام ليس بحثا عن إصلاح وتصليح وتغيير ديمقراطي، بل بحثا عن غير ذلك، ولم يعد هناك كثيرا من الأسرار في ماهية 'تغطية الأحداث' التي تشهدها بلادنا العربية، بربيعها الذي يصاب في بعض محطاته بلوثة غريبة..

أخيرا خرج المغرب بما يمكن أن يكون انطلاقة إصلاحية جادة لمغرب جديد، بوعي الحكم ملكا وقوى وأحزابا، نحو حكم ' ملكي دستوري برلماني ديمقراطي' تلك هي السمة التي حددها 'الدستور' المفترض التصويت عليه شعبيا خلال أيام، تخلى الملك عن بعض صلاحيات مهمة – جوهرية كانت بيده، ولكن الحراك السياسي الداخلي والمسؤولية في التعاطي مع المستقبل، والقدرة على قراءة الممكن السياسي، والذي لا يمكن تجاهله، أو القفز عنه أو اللجوء لقهره عبر القوة الغاشمة الأمنية – المسلحة، رؤية استشرافية أرادت بناء بلد بمواصفات ملامح عصرية، تعيد بريقا أكثر أهمية لبلد دون ولوج 'لعبة الموت' التي اختارها بعض حكام أصيبوا بعمى البصيرة السياسية، لن ينالهم منها سوى نهاية سوداوية تفوق كثيرا نهاية من سبقهم ..

فالملامح الدستورية الجديدة لمملكة عصرية جديدة، سترسي فصل السلطات فصلا حقيقيا، وتعيد للبرلمان قوته وحضوره، ليصبح الشريك الأبرز في السلطة التنفيذية والتشريعة، يمنح الحزب الأكثر تمثيلا من الشعب الحق في تشكيل الحكومة وتسمية وزرائها وأدواتها التنفيذية، ويصبح رئيسا للحكومة وليس وزيرا أولا ويبدو أنها في بلاد المغرب لها بعد سياسي في صلاحيات، أي أنه لم يعد خيارا ملكيا، بل خيارا شعبيا والمسؤول عن كل ما له صلة بملف السلطة النتفيذية، مع بعض الاستثناءات للملك خاصة في المجال العسكري والديبلوماسي، ومنحه حق حل البرلمان بالتشاور مع الملك ورئيس البرلمان ورئيس المحكمة الدستورية العليا، بعد أن كان ذلك حقا مطلقا للملك، مع ترسيخ مفهوم المواطنة، وفقا لإقرار كل القوانين والمعاهدات ومواثيق حقوق الإنسان، وكما تم وصفها مغاربيا، بـ'دسترة حقوق الإنسان'، ومعها باتت اللغة الأمازيغية لغة رسمية في البلاد إلى جانب اللغة العربية، والاقرار أن دين الدولة الإسلام، مع مراعاة حقوق الآخرين الدينية، وهو نص مبتكر يساهم في ترسيخ الرؤية التسامحية للدين الإسلامي، ردا على محاولات البعض بتشويه صورته في بلاد الغرب.

وجاءت ردود فعل القوى الرئيسية في المملكة المغربية، لتشير لأهمية تلك التعديلات الدستورية لبناء مغرب جديد، فقد وصف، رئيس حزب الاستقلال المغربي ( التاريخي) مسودة مشروع الدستور بأنها «فاجأت رؤساء الأحزاب والنقابات من خلال الإجراءات والتدابير الجريئة» التي نصت عليها، والتي من شأنها جعل المغرب يدخل غمار مرحلة جديدة قوامها العدالة والمساواة وإقرار الحقوق والحريات في مختلف تجلياتها.

بينما رأى فيها أمين عام حزب التقدم والاشتراكية ( الشيوعي)، نبيل بنعبد الله، استجابة ' بشكل كبير للمقترحات التي تقدم بها الحزب، إلى جانب باقي الهيئات السياسية، والذي سيجعل المغرب يدخل غمار عهد جديد، لا سيما من خلال إقرار فصل حقيقي بين السلط التنفيذية والتشريعية والقضائية وتعزيز الحريات الأساسية، وبالتالي الرقي بالمملكة إلى مصاف الدول الرائدة ديمقراطيا'.

من جانبه، أبرز الميلودي الموخاريق، الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل (المنظمة النقابية)، أن مشروع الدستور لبى الكثير من المطالب التي تقدمت بها النقابات، لا سيما الاحتفاظ بالغرفة الثانية بالبرلمان كمؤسسة تضطلع بدور الدفاع عن مطالب الطبقة العاملة.

ردود فعل تؤشر عن تقدم حقيقي نحو الإصلاح السياسي الشامل، على طريق بناء نظام تعددي برلماني يكون الشعب به مصدر السلطات، مواد تشريعية جديدة تؤسس لدستور مختلف وضع مفهوما متطورا لمبدأ المساواة بين المواطنين، ومع كل ذلك مازال هناك ما يستحق العمل حتى الوصول لسد كل الثغرات التي لا تزال قائمة كي يتم بناء حكم ديمقراطي يتم الافتخار به، لكن 'ثغرات المشروع' التي ما زال البعض يراها لا ترتقي بأن يكون الشارع الشعبي مكانا للإصلاح. من هنا تبدأ 'حكاية مغربية جديدة'، حكاية الاستجابة لمطالب الناس وحقوقهم وتطلعاتهم ضمن رؤية تجنب البلاد كثيرا من آثار لا تخدم حاكما مهما امتلك من قوة قمع وقهر، هنا يكون الفرق بين من يرى أن البقاء في الحكم يمر عبر الاستجابة لرغبات الشعب في العيش بما يتناسب والعصر الذي نشهده، عالم الحرية والعدالة والديمقراطية، مثلث التغيير نحو مستقبل يبتعد عن مسالك الفقر والجوع والمرض والفساد والتجهيل ونشر الظلامية السياسية – الفكرية وإشاعة روح الانهزامية، والدونية كي يسهل  التحكم والسيطرة وهب البلاد ثروة وثورة.

طريق الإصلاح السياسي الشامل الحقيقي بات مشرعا، سيأتي حتما ولا راد له بقوة جبرية قمعية، أو عبر أي وسيلة غيرها، وطريق الإصلاح وحده هو ضمانة البقاء لمن لا يريد نهاية مأساوية ، ستحيل أسماء من يرفضها أو يقاتلها أو يتهرب منها إلى أماكن ليست بذي شرف ..

المغرب تقدم اليوم، نموذجا يستحق التفكير به من قبل حكام الأمة كي نرتقي بحالها من كل جوانب الحياة ولتعيد لبلادنا روحها الحضارية ومكانتها التاريخية التي افتقدتها لصالح من كانوا خلفها، بل واستظلوا بظلال علومها، خيار الديمقراطية والتطويرالشامل هو وحده طريق التعمير والبناء والحفاظ على وحدة البلد والبلاد من مخاطر تقسيمية فتنوية طائفية وسياسية ترسمها دوائر الاستعمار وصانعي ( سايكس – بيكو الأول) .. الإصلاح السياسي والديمقراطية بوعي هو باب الحماية والسلامة الوطنية ودونها كل ما يقال ليس سوى هروب وتهرب وحفاظ على أسوأ  المظاهر السياسية.. الطريق إلى الرقي والتطور يمر عبر بوابة الإصلاح الجاد الحقيقي، وليس 'الإصلاح الترقيعي'  القائم على المنح والعطايا من حاكم لمحكوم.. هي رسالة ليت بعض من يقاتل أو يقتل شعبه أن يدركها قبل فوات الآوان..وبات لنا نموذج نستدل به، إلى جانب الاستدلال بالنموذج التركي..

 

ملاحظة: مثير للانتباه أن تسارع واشنطن، عبر وزيرتها، أن ترفض بعض مبادرات قبل أن يرفضها أصحاب الشأن، وما حدث مع مبادرة سيف القذافي عن انتخابات تحت إشراف دولي خلال 3 أشهر، نموذجا.. مش غريبة..

تاريخ : 19/6/2011م  

اخر الأخبار