'إخوان' مصر .. تكييف أم تغيير

تابعنا على:   18:41 2014-12-20

كتب حسن عصفور / جملة باتت عنوانا سياسيا قبل أن تكون تعبيرا صحفيا .. مصر بعد 25 يناير لن تكون كما قبلها .. عبارة استحوذت مجمل الكلام المسموع والمكتوب والمرئي،قالها كل من هو بمصر ، من كان مع التغيير الثوري أو متحفظا منه أو كارها له .. لكنها العبارة الوحيدة التي أجمع الكل المصري عليها ، والعبارة الخالدة هذه لم تقتصر بالتحديد على النظام ومؤسساته ، بل كانت هدفا لكل القوى السياسية ومؤسسات المجتمع كافة ، موقفا وسلوكا وممارسة ، ولن ينجو منها تيار من 'اليمين المحافظ' إلى 'اليسار فوق الثوري' .. تغيير سيكون إجباريا لمن أراد أن يعيش في 'مصر الحديثة' حتى وإن لم تكمتل صورتها البهية المنتظرة من طالبي الحرية والديمقراطية والتغيير ..

تحتفظ مصر بحضورها القوي بل والمركزي في المشهد العام ،رغم 'النتوء الليبي' بأحداث يبدو أن النظام لن يخرج منها سالما ، وسيكون حسابه عسيرا جدا مهما كانت نتائج العمل الشعبي الليبي ، فالنظام سيكون إما بائدا أو محاصرا مخنوقا في زاوية ليبية محدودة جدا .. فالصورة المصرية المتطورة يوما بعد آخر فتحت إطارها لمختلف قواها السياسية والمجتمعية لرسم صورتها القادمة ، ومن يجد وقتا لمتابعة الإعلام المصري الرسمي والخاص،(وهو بات يستحق المشاهدة فعلا كونه أعاد مفهوم احترام العقل الإنساني في المخاطبة والمعلومة)، سيجد أن أكثر من يشهد تواجدا مكثفا في الإعلام المصري بعد 'شباب الثورة' هم ممثلو حركة 'الإخوان'  بعد أن سقطت 'فزاعة' الإخوان وإلغاء الحظر ، برزت لتحتل مساحة واسعة في مختلف وسائل الإعلام ، بما تستحقه سواء لجهة تنظيمهم المميز أو لجهة معرفة 'قوة' تثير الجدل السياسي والفكري في مصر ..

أثار موقف 'الإخوان' من ثورة يناير جدلا وتشابكا، فمن تهرب واضح من المشاركة قبل وبعد البداية، والاكتفاء بعدم معارضة'شباب الإخوان' وهم بالأصل قوة متمردة على نظام الطاعة الحزبي منذ سنوات ، حيث كانوا مشاركين سواء سمحت لهم قيادتهم أم لم تسمح ، إلى حضورهم الفعال خلال الأحداث المتلاحقة، دون أي استفزاز منهم للملايين المشاركة حتى أنهم تخلو عن كل شعارتهم وألوانهم الخاصة ، لم تجد شعار إخوانيا أو علما أخضر بل كانت الشعارت كلها وطنية وتحت راية مصر دون غيرها .. من هنا تبدأ الحكاية ..

فبعد نجاح الثورة بتحقيق أول أهدافها بتنحية الرئيس مبارك ، وتسلم القوات المسلحة بادرت حركة الإخوان في مصر إلى التعاطي مع الشأن العام ،دون أن تخلو من ارتباك واضح على سلوكها خاصة بعد أن قبلت الحوار مع نائب الرئيس قبل التنحي ، وصولا إلى كيفية التعامل بعد التنحي .. هل سيكون هناك حزب جديد أم الاكتفاء بالجماعة .. سلوك مرتبك جسدته تصريحات محمد حبيب وعبد المنعم أبو الفتوح من القيادات الإخوانية البارزة المعارضة لبناء حزب،إلى أن جاء مشهد 'المنصة' وقصة القرضاوي وما تلاها من ردود فعل أصابت غالبية القوى بالخوف والرهبة من سلوك 'غير ديمقراطي' و'إقصائي' ،حتى حلفاء الإخوان في مرحلة ما قبل التنحي، وكان التصريح الأشد وضوحا من قبل حسنين هيكل في اليوم التالي لمشهد القرضاوي على 'المنصة' .. وحذر بحزم من سلوك الإخوان التقليدي..

ويبدو أن ذلك المشهد سارع باتخاذ 'الإخوان' في مصر قرارا كان محل نقاش وجدل، بتأسيس حزبهم الخاص تحت مسمى 'الحرية والعدالة' ،اسم مشتق من شعارت الثورة وأيضا تماثلا في الشكل مع شقيقهم التركي ( العدالة والتنمية)، قرار نقل النقاش مع 'الإخوان' إلى مستوى جديد ، يسمح بتبادل الرأي والرأي الآخر .. وشدد بعض قادتهم أن الحزب الجديد سيكون حزبا سياسيا لا دينيا ،مفتوح بعضويته لكل مصري مسلم أو قبطي أوغيره من الاتجاهات الفكرية ، حزب يؤمن بأن 'الأمة مصدر السلطات' يمتثل لقوانين المجلس التشريعي ، ولن يكون معارضا لتولي قبطي أو امرأة رئاسة مصر ، لكن الحزب لن يرشح أيا منهما للمنصب مع الإمكانية لترشيحه أحدهم لرئاسة الوزراء، ولن يقوم الحزب الجديد برفع شعار الإخوان التقليدي 'الإسلام هو الحل' كما هو الحال في السنوات الماضية دون التخلي عن 'المرجعية الدينية الإسلامية ' ، مبادئ وسياسيات تحترم واقع مصر السياسي والثقافي والاقتصادي ، حتى أن عصام العريان من القادة البارزين في مكتب الإرشاد ذهب إلى القول بأن الحزب لن يفرض قيودا إسلامية على السياحة لمصر ، وسيحترم طقوس السائحين مهما اختلف معها .. كثير يقال قبل أن يخرج برنامج الحزب الجديد للعلن ..

والسؤال الذي برز بعد هذا الإعلان الأولي ، ما هو مصير 'جماعة الإخوان' هل ستكون حركة دعوية فقط لا شأن لها بالسياسة أم ستحل كونها تشكل تعارضا مع البعد الديمقراطي الجديد ، وهل حقيقة سيكون هناك تحول في عقلية وسلوك الحزب الجديد وانقطاع عن ممارسات سابقة إقصائية ، لا تكرر مشهد المنصة ، خاصة أنهم كحركة لم تقدم يوما على إحداث مراجعة نقدية لممارستهم ومواقفهم ، رغم اختلافها من محطة لأخرى ..ومن بلد لآخر ، سلوك سياسي يخضع للمصلحة ، ففي العراق هم غيرهم في سوريا أو الأردن أو الجزائر أو فلسطين ، كيف يمكن تصديق الموقف الجديد إن لم يكن هناك مراجعة حقيقية لسلوك سابق ، وبرامج تختلف مع ما يقال الآن .. ولعل الموقف من الأقباط والمرأة والدولة الدينية والمعاهدة مع إسرائيل التي أعلن إخوان مصر احترامهم لتوقيع مصر عليها ،مواقف جديدة لكنها لا تعني القطيعة مع الفكر السابق ، مع تجارب الماضي للإخوان في مصر وغير مصر .. وعليه السؤال الأكبر هو هل هناك تغيير جاد وجذري لإخوان مصر أم مرحلة تكيف مع المتغيرات إلى حين ..

 المسألة تحتاج نقاشا بروح ليست كما كانت سابقا ، وعلى 'الإخوان' في مصر وغيرها أن يتقبلوا النقد البناء ، وأن لايتم التعامل مع 'الآخر' من منطلق 'التخوين والتكفير' .. فتلك هي بداية التغيير الحقيقي وليس التكييف الانتقالي .. المشهد الأولي القادم من مصر يؤشر إلى تقدم مهم في سلوك بعض قادة حركة الإخوان .. عله يستمر ويتعمق أكثر .. إنها فرصة تاريخية لتقديم رؤيتهم وفقا لروح قيم العدالة والحرية والبعد الإنساني ، خطوة قد تعيد للإسلام روحه الحضارية التي شوهها كثيرون دولا وأطرافا..

 ملاحظة: لبنان ما زال يترنح بحثا عن حكومة .. الخلاف ليس بين فريقي 14 آذار و8 آذار بل العقبة في طموح الجنرال الذي لا حدود له ..

تاريخ : 24/2/2011م  

اخر الأخبار