انتهى عصر نتنياهو: أي عصر قادم؟

تابعنا على:   10:47 2014-12-20

د . محمد السعيد إدريس

اختار بنيامين نتنياهو أن يصعد باختياره إلى أعلى التل ليلقي بنفسه وبحكومته إلى الهاوية، التي هي استقالة الحكومة وحل الكنيست، ومن ثم الدعوة إلى انتخابات برلمانية مبكرة، هي الثانية من نوعها منذ انتخابات الكنيست السابق . فقد لجأ نتنياهو إلى هذا الاختيار في هذا الوقت تقريباً من العام 2012 وخاضت البلاد انتخابات برلمانية مبكرة في يناير/كانون الثاني من عام ،2013 وجاءت بنتائج لم يرض عنها أحد، وفرضت حكومة شديدة التنافر، كما فرضت مراكز قوى نوعية داخلها أصابتها بالشلل .

فقد تابع "الإسرائيليون" حال تلك الحكومة على مدى العامين الماضيين وكانوا على يقين بأن نتنياهو ليس هو الرئيس الأوحد لهذه الحكومة، ولكن هناك شركاء أربعة على الأقل يشاركونه القرار وينافسونه على أهم ملفات الحكم . كانوا على يقين بأن نتنياهو لا يستطيع بلورة سياسة خارجية على هواه في ظل وجود أفيغدور ليبرمان على رأس وزارة الخارجية . وكانوا أيضاً على يقين بأن نتنياهو لا يستطيع بلورة سياسة مالية تعكس أفكاره وأولوياته في ظل وجود يائير لبيد على رأس وزارة المالية . وكانوا كذلك على يقين بأن نتنياهو ليس في مقدوره أن يستجيب للمطالب الأمريكية الخاصة بضرورة ضبط السياسة الاستيطانية للمضي قدماً في مشروع التفاوض مع السلطة الفلسطينية، وكل من نفتالي بينيت ومعه وزير الإسكان أوري أرييل (من حزب البيشا اليهودي) يمسكان بهذا الملف .

الأمر نفسه ينطبق على سياسة الحكومة في العلاقة مع الفلسطينيين، فقد كان نتنياهو عاجزاً عن فرض إرادته على هذا الملف الذي كان مسؤولية وزيرة العدل تسيبي ليفني .

كانت الحكومة عاجزة بالمعنى الكامل، ولذلك نستطيع القول بثقة إن نتنياهو اختار أن يتخلص من تسيبي ليفني ويائير لبيد معاً وافتعل أزمة انقسام الحكومة وانحياز ليفني ولبيد إلى صف المعارضة بالنسبة لمشروع قانون التهويد الذي كان يطمح نتنياهو أن يغازل به "الحريديم" ومشروع قانون "القومية اليهودية"، أملاً في أن يعتلي به عرش زعامة تيار اليمين كله، ليس ليتخلص منهما معاً بل وليتخلص من الحكومة كلها أملاً في أن تأتي الانتخابات بنتائج جديدة تختلف عن نتائج انتخابات يناير/كانون الثاني 2013 التي فرضت يائير لبيد أفضل الفائزين، وجعلت من ليفني ورقة ضرورية لتبييض وجه الحكومة وبالذات في العلاقة مع الأمريكيين لموازنة عجرفة ليبرمان .

وليؤمن نفسه من احتمال انتصار ليفني ولبيد في الانتخابات المقبلة التي تقرر أن تكون في مارس/آذار المقبل، فإنه تعمد إقالتهما من الحكومة في إجراء يمكن وصفه بأنه إهدار معنوي متعمد لكل منهما، وحرمانهما من خوض معرة الدعاية الانتخابية وهما على رأس وزارتيهما، وهذا حتماً ستكون له نتائجه السلبية على الانتخابات . لكن الأهم من ذلك أنه أراد في ذات الوقت أن يخرج من هذه المعركة بمكاسب ترشح زعامته وتعيده زعيماً لليمين ورئيساً للحكومة الجديدة، حيث برر إقالة ليفني ولبيد بأنه "لا يحتمل وجود معارضة داخل الحكومة"، وكأنه قاد الحكومة طوال العامين المنصرمين دون معارضة من أكثر من وزير بل ومن دون منافسة لرئاسته للحكومة .

ما قاله نتنياهو بهذا الخصوص جدير أن يقرأ لأنه يقدم مؤشرات مهمة على تصوراته لنفسه وللحكومة القادمة، وبالذات الحديث عن المستقبل وكأنه من يملكه ومن يصنعه، وأنه رئيس الحكومة القادم لا محال، رغم أن المفاجآت غير مستبعدة .

فقد قال في معرض شرح خلفيات قرار إقالته للوزيرين يوم 2 ديسمبر/كانون الأول الجاري بأنه "في الأسابيع الأخيرة، خصوصاً في اليوم الأخير، حمل الوزيران لبيد وليفني بشدة على الحكومة برئاستي . لن أتحمل بعد الآن معارضة داخل الحكومة، ولن أتحمل وزراء يهاجمون من داخل الحكومة سياسة الحكومة ورئيسها" .

هذه الثقة التي حرص نتنياهو على أن يظهر بها لا تعكس الواقع الحقيقي داخل الحكومة وخارجها، فكتلة حزب "هناك مستقبل" بزعامة لبيد كانت الشريك الأهم والأكبر في الحكومة، وكانت إقالة لبيد تعني تلقائياً سقوط الحكومة، ومن ثم إجراء انتخابات مبكرة، وهذا يعني أن نتنياهو هو من أراد الانتخابات المبكرة كخيار مفضل، ويعني أيضاً أنه يملك حسابات دقيقة تفيد أنه صاحب الحظ الأوفر في الفوز والعودة لرئاسة الحكومة الجديدة، لكن ما يعتقده نتنياهو شيء وما أخذ يجري على أرض الواقع شيء آخر مختلف عن حسابات نتنياهو، خاصة في ظل تطورين مهمين .

التطور الأول يخص ما يجري من تفاعلات داخل تيار اليمين، فحزب "البيت اليهودي" بزعامة بينيت يزداد تطرفاً في كل ما يتعلق بمشروعات التوسع الاستيطاني، ورفض أي انسحاب أو أي تفكيك لأي من المستوطنات، ومشروعات فرض "إسرائيل" دولة للشعب اليهودي، بالإصرار على الدفع بمشروع "قانون القومية" للحصول على الموافقة داخل الكنيست، وهو بذلك أخذ يحظى بدعم اليمين المحافظ أو بتمثيل هذا التيار سياسياً على حساب "الليكود"الذي يتطور في اتجاه يمين الوسط وكذلك حزب "إسرائيل بيتنا" بزعامة ليبرمان، كما أنه يجد أذاناً صاغية عند بعض الدوائر الأمريكية للدفع به نحو زعامة الحكومة كي يسهل الضغط عليه من جانب الأوروبيين . هؤلاء يراهنون على أن وجود حكومة متطرفة سوف يوفر كل المبررات أمام الأوروبيين لمعاقبة "إسرائيل" على خلاف مجيء رئيس معتدل أو أقرب إلى يسار الوسط .

أفكار بينيت تؤهله لتزعم تيار اليمين ومنافسة نتنياهو، فهو يرفض الانسحاب من القدس الشرقية المحتلة والضفة الغربية، ويعتقد أن مثل هذا الانسحاب إن حدث، سيكون "كارثة وطنية"، وهو ليس ممن يعتقدون في جدية وجود خطر ل"مشكلة ديموغرافية" داخل "إسرائيل"، هو يراها أشبه ب"الأسطورة"، ويرى أن إنهاء هذه الأسطورة يكون بإخراج قطاع غزة نهائياً من الحساب، كما أنه يرى أن مؤسسي الصهيونية كانوا علمانيين وأنهم أدوا أدوارهم على خير وجه، لكن جاء الوقت للعودة إلى القيم اليهودية حتى لو كان ذلك على حساب القيم الصهيونية .

إن مثل هذه الأفكار تستهوي اليمين المتطرف وخاصة المستوطنين الذين رأوا فيه جدار الحماية للدفاع عن مطالبهم، وبالذات عن التوسع الاستيطاني وتحدي كل المطالب الأمريكية .

وكل أفكار وزير الخارجية جون كيري، لذلك هناك توقعات أن يكون بينيت على رأس المنافسين لزعامة نتنياهو إلى جانب وزير الخارجية ليبرمان الذي رفض اقتراح نتنياهو بالتناوب معه على رئاسة الحكومة المقبلة قبل أن يتخذ قرار حل الكنيست، حيث كان يطمح في تشكيل حكومة أخرى بديلة تضم "الحريديم" من أجل تفادي الذهاب إلى انتخابات مبكرة .

ليبرمان رفض اقتراح نتنياهو ليس بوازع من زهد أو تعفف، وهو من يأمل أن يجد نفسه في هذا المنصب، لكنه كان واعياً باستحالة نجاح أي حكومة بديلة في ظل التركيبة الحالية للكنيست، وفي ظل أغلبيتها التي كانت ستكون حتماً محدودة ولا تتجاوز 61 عضواً في الكنيست لا أكثر، ما يعني أن بقاءها سيكون رهن إرادة شخص واحد من أعضاء الكينست إذا أراد أن يصوت ضدها .

أما التطور الثاني الذي يتهدد زعامة نتنياهو للحكومة المقبلة، فهو احتمال نجاح التحالف الجديد الذي تشكل حديثاً بين ليفني وهرتسوغ زعيم حزب العمل . التحالف الجديد لم يأخذ اسماً .

لقد اختارت ليفني أن تشارك هرتسوغ الحكم القادم بعد أن فقدت الأمل في تحالف بديل مع شريكها السابق لبيد والمنافس القوي الآخر كحلون، لذلك شاءت ألا تتأخر في إضاعة الفرصة البديلة لتشكيل تحالف مع حزب العمل .

المهم في هذا كله ما يقوله ناحوم بريناع في صحيفة "يديعوت أحرونوت" تعليقاً على انقضاض حلفاء نتنياهو من حوله، وتفكك الحكومة وسقوطها اختيارياً . فتحت عنوان: "هل انتهى عصر نتنياهو" تحدث بريناع عن أن القاسم المشترك بين معظم شركاء نتنياهو هو ذلك الشعور بأن "عصر نتنياهو قد انتهى، فوراء كل واحد منهم سنوات من العمل مع نتنياهو، في نفس الحزب أو في نفس الحكومة . والحديث ليس عن حادثة وحيدة فجائية أو خلاف طارئ، بل ما حدث يعد أشبه بتدفق الفيضان . فالسنوات الست الماضية من عمر التحالف الحاكم فعلت فعلها تجاه نتنياهو وزملائه، فتراجعت سلطته، وتراجع أداؤه، كما تراجعت حواسه السياسية، وعم الملل علاقة وزرائه به، وأول من لاحظ التدهور، واستقال كان وزراء حزبه: كحلون وساعر، أما ليبرمان فقد بقي بشروطه، والآن باتت ليفني ولبيد خارج الحكومة .

ربما تكون هذه هي الحقيقة أن "عصر نتنياهو" قد انتهى، لكن يبقى السؤال عن "العصر القادم" لمن سيكون؟ ليس فقط "إسرائيلياً" بل وفلسطينياً، وربما أيضاً عربياً.

عن الخليج

اخر الأخبار